أمن البحر الأحمر.. كتاب يتناول النفوذ والتنافس في أكثر مناطق العالم أهمية | سياسة
اكتسب البحر الأحمر أهمية إستراتيجية استثنائية كونه يتحكم في أحد أهم مسارات التجارة الدولية، وعلا شأن حوض البحر الأحمر مع تتالي الأزمات العالمية التي أدت إلى اختناقات في سلاسل التوريد والإنتاج، والتضخم في الأسعار، بعد جائحة كورونا (كوفيد-19) وما صاحبها من قيود احترازية واضطرابات نتيجة الإغلاق وتعطُّل الحركة والتنقل.
ونظرا لهذه الأهمية فقد خصص مركز أبعاد للدراسات الإستراتيجية ومقره لندن كتابه الأول تحت عنوان “الأمن في البحر الأحمر.. سياقات الصراع الدولي والإقليمي” لإلقاء نظرة شاملة على المنطقة، خاصة مع تنامي أهميتها في ظل ازدياد التنافس على ممرات التجارة العالمية.
واحتوى الكتاب 10 فصول تتوزع ضمن 470 صفحة، وطبع الكتاب الطبعة الأولى في يناير/كانون الثاني 2024، وتم تأليف الفصول من قبل عدد من الخبراء والأكاديميين المنتمين في غالبهم إلى الدول المشاطئة للبحر الأحمر أو المجاورة له.
وهدف الكتاب لتقديم مقاربة موضوعية للتطورات في منطقة البحر الأحمر والقرن الأفريقي، باعتبارها تشهد تنافُسا إقليميا ودوليا. وسلط الضوء على تمظهرات هذا التنافس العسكري والاقتصادي والسياسي، بهدف محاولة وضع أُسُس تعايش مستقبلية، لتحويل المنطقة إلى قاعدة للتعاون البَينيّ بين دول المنطقة من جهة، والقوى الدولية والإقليمية من جهة أخرى بدلا من استمرارها كساحة للتنافس والصراع الإقليمي والدولي بوسائل الهيمنة العسكرية والنفوذ السياسي والاقتصادي.
نظرة على محتوى وفصول الكتاب
بدأ الكتاب بالمدخل التأسيسي النظري، حيث تناول الأستاذ الدكتور يحيى عامر حاج في ورقته “البحر الأحمر: نظرة عامة على الموقع الجغرافي والأهمية الإستراتيجية” الأهمية التاريخية للبحر الأحمر، مسلّطا الضوء على ثرائه بالكائنات الحية والمعادن والكنوز الطبيعية غير المستغلة، إلى جانب إسهام الشعوب التي تسكن شواطئه حضاريا.
كما قدم الدكتور عبد الرحمن أبو خريس مدخلا نظريا وموضوعيا ناقش فيه الأطر النظرية والمفاهيمية والمنهجية للأمن في البحر الأحمر في سياق العلاقات الدولية.
وفي ورقته عرض الدكتور محرم حلمي أوزوف تحليلا مقارِنا لتحديات الأمن الإقليمي ومسارات التنافُس الدولي في البحر الأحمر بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، موضحا أن الأولى تهتمّ بفتح ممرات التجارة العالمية ومحاربة القرصنة والإرهاب، بينما ينظر الثاني للبحر في إطار الأمن الأوروبي الجماعي لتأمين طرق تدفّق السلع، خاصة الطاقة والغاز.
وناقش فصل الدكتور الصادق الفقيه السياسات الأمنية لدول البحر الأحمر، مسلطا الضوء على مبادرات الأمن الجماعي بديلا عن السياسات الوطنية، لفهم سياقات هيكل القوة الإقليمية. وتوصَّل إلى أن المبادرات الإقليمية والدولية أفلحت في إنشاء هياكل متعددة الأطراف تختصّ بأمن البحر الأحمر الجيوسياسي والإستراتيجي والاقتصادي والبيئي بشكل مبدئي، لكن من المهم تعزيزها وتطويرها لتصبح فاعلة ونواة للتعاون والتنسيق.
ولمناقشة الظواهر المرتبطة “بالفواعل من غير الدولة”، تطرق الكتاب في فصل الدكتور علي الذهب إلى موضوع جماعات العنف المسلح وارتباطه بالجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية في إقليم البحر الأحمر، مشيرا إلى الأسباب التي تدفع لبروز نشاطات الجريمة المنظمة مثل النزاعات والاضطرابات السياسية وغياب الديمقراطية والتدخلات الخارجية، وتوقع استمرار بروز بؤر التوتر والنزاعات في المنطقة، مما يتطلب جهودا أكثر جدّية لمعالجة أسبابها الجذرية.
وتناول الكتاب أيضا نفوذ القوى الإقليمية الخليجية والإسرائيلية في القرن الأفريقي والبحر الأحمر، حيث ناقشت الدكتورة نجلاء مرعي التهديد الذي أفرزه التنافس الإقليمي على أمن البحر الأحمر واستقراره والمنطقة، مستعرِضة مآلات هذا التنافس وأثره على أمنها واستقرارها.
وفي إطار مقاربات التنافس الدولي، ناقشت بثينة الزواهرة دور كل من روسيا والصين في التنافس الدولي على البحر الأحمر، مشيرة إلى أن الدولتين تسعيان لوجود محدود حتى الآن لخدمة مصالحهما الحيوية، وتقترح اتباع سياسة الاحتواء والشراكة السياسية والاقتصادية للابتعاد عن سياسة الاستقطاب ومنع النزاع.
وأوضح كان ديفنجي أوغلو مظاهر المنافسة بين تركيا وإيران في البحر الأحمر، كاشفا عن دوافع وأسباب اكتساب النفوذ في المنطقة، وتداعيات سياسات الفاعلين على أمن واستقرار المياه. كما سلط الدكتور جمال قاسم الضوء على التطوّرات السياسية في اليمن، مستعرضا توجُّهات البلد تجاه أمن البحر الأحمر عبر الحِقب السياسية المختلفة.
وفي الفصل الأخير، يقدم الدكتور مدوخ العتيبي رؤية مستقبلية لأمن البحر الأحمر واستقرار القرن الأفريقي، مستخلِصا طبيعة التنافس والمهدّدات بين القوى الإقليمية والدولية في المنطقة، ومؤكدا ضرورة تبني الأُطُر التعاونية مثل الاتفاقيات متعددة الأطراف وإنشاء الآليات الإقليمية والدولية لتعزيز أمن البحر وتنمية موارده.
ويُقدِّم الكتاب في عمومه نظرة تحليلية تتناول مختلف الأبعاد والدوافع للتنافُس والصراع في منطقة البحر الأحمر بين جميع الفاعلين الإقليميين والدوليين والمحليين، مع محاولة توظيف النظرة التحليلية لاقتراح مساقات تعاونية بين مختلف أصحاب المصلحة، على اعتبار أن ذلك يحتاج جهودا تراكمية طويلة الأَمد، ولا يملك أحد فيها عصا سحرية لاجتراح حلول سريعة فيها.