“الإيموجي”.. وجوه صفراء صغيرة أعادت تشكيل لغة التواصل في حياتنا | أسلوب حياة
يصعب اليوم تخيل استخدامنا لوسائل التواصل الاجتماعي دون الرموز التعبيرية أو “الإيموجي”، التي تعبر عن مشاعرنا ومقاصدنا. رغم أنها ظهرت فقط في نهاية التسعينيات، أحدثت تلك الوجوه الصفراء الصغيرة ثورة في عالم الاتصالات، وأعادت تشكيل طرق التعبير عن الذات، وتركت بصمة عميقة على لغتنا.
ظهرت الرموز التعبيرية لأول مرة في أواخر التسعينيات على يد الياباني شيجيتاكا كوريتا، الذي عمل على تطوير منصة إنترنت محمولة مبكرة في اليابان.
أراد كوريتا تصميم واجهة جذابة تنقل المعلومات للمستخدمين بطريقة مختصرة من خلال مجموعة من الصور التعبيرية. وهكذا ابتكر مجموعة من حوالي 176 رمزا تعبيريا “إيموجيا”، التي لا تزال تعرض حتى اليوم في متحف نيويورك للفن الحديث.
الرموز التعبيرية أضافت بُعدًا آخر لاستخدام اللغة
اليوم، وبعد نحو ربع قرن أصبحت الرموز التعبيرية جزءًا أساسيًّا من تعبير البشر عن أنفسهم عبر تطبيقات المراسلة ووسائل التواصل الاجتماعي. وقد زاد استخدامها بشكل ملحوظ مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي خلال فترة جائحة “كوفيد-19”.
وفقًا لتايلور شنوبلين، أستاذ لغويات الحوسبة، فإن واحدا من أكبر التحديات في التواصل النصي هو اختلافه عن التواصل وجهًا لوجه. فعندما نتحدث مباشرة، نعتمد على أدوات تعبير إضافية مثل لغة الجسد ونبرة الصوت وتعبيرات الوجه، المعروفة بالقنوات شبه اللغوية. لكن في الكتابة، نعتمد فقط على الكلمات. وهنا تأتي أهمية الرموز التعبيرية، التي تسد الفجوة بين التعبير الكتابي والتعبير المباشر.
وأظهرت دراسة صادرة عن كلية علم النفس في جامعة “فلندرز” أن الدماغ البشري يتفاعل مع الوجه المبتسم في الرموز التعبيرية بنفس الطريقة التي يتفاعل بها مع الابتسامة الحقيقية، ما يعني أن الدماغ يعامل الرموز التعبيرية كنوع من التواصل غير اللفظي.
لذا، لم تعد الرموز التعبيرية مجرد عنصر إضافي في المحادثة، بل أصبحت جزءًا أساسيًّا من التواصل وعنصرًا مهمًّا من عناصر تعبير المرء عن ذاته. وبفضل قدرتها الفعالة على نقل المشاعر التي قد لا تستطيع الكلمات نقلها، تلعب الرموز التعبيرية دورًا أساسيًّا في تعزيز التفاعل في العلاقات الاجتماعية الرقمية، من خلال إثارة الاستجابات العاطفية التي تساعد في فهم مشاعر الآخرين.
سوء الفهم.. لغة عالمية تحمل تناقضات ثقافية
بالرغم من أن الرموز التعبيرية تُستخدم أساسًا لنقل المشاعر بصريًّا وتجنب سوء الفهم، فإنها في بعض الأحيان تكون السبب الرئيسي في حدوثه. يعود ذلك إلى أن تفاعل البشر واستخدامهم للغة يتشكل عبر تجاربهم السابقة، وهذا ينطبق أيضًا على الرموز التعبيرية.
فمع أنها تُعتبر لغة عالمية تتجاوز الحدود اللغوية، فإن بعض الرموز تحمل معاني متناقضة في سياقات ثقافية مختلفة. على سبيل المثال، رمز اليد حيث يلتقي الإصبعان السبابة والإبهام مع فرد بقية الأصابع، يحمل دلالات إيجابية في أغلب الثقافات، بينما يعني إساءة في بعض الدول.
وليس هذا فقط، بل يمتد سوء الفهم إلى التفضيلات الشخصية للأفراد. ففي العام الماضي، غُرِّم مزارع كندي نحو 85 ألف دولار بعد أن أرسل رمز إعجاب “لايك” 👍 ردًّا على عقد، مما اعتبره الطرف الآخر موافقةً على العقد، بينما دافع المزارع عن نفسه بأنه قصد استلام العقد فقط.
هذه الحادثة تبرز سوء الفهم الذي قد يحدث نتيجة استخدام الرموز التعبيرية، لكنها أيضًا تؤكد مدى تغلغلها في حياتنا حتى أصبحت أحكام القضاء تُبنى على أساسها، في سابقة قضائية هي الأولى من نوعها.
سوء الفهم يمكن أن يشكل حاجزًا بين الأجيال المختلفة. فبينما يرى البعض أن استخدام الرموز التعبيرية في البيئة المهنية أو رسائل البريد الإلكتروني الرسمية يُعبِّر عن نقص في المهنية، يجد العاملون من جيل “زد” صعوبة في التخلي عنها لاعتيادهم على الإفراط في استخدامها في تواصلهم اليومي.
مع ذلك، تتسلل الرموز التعبيرية ببطء إلى العديد من العلامات التجارية والكيانات السياسية، فقد استُخدمت للتعبير عن مرشحي الرئاسة في الانتخابات الأميركية عام 2016.