طلبة معهد موسيقي بغزة يعزفون ويغنون للأطفال بمخيم النصيرات | أسرة
يلتف عشرات النازحين الفلسطينيين خاصة من الأطفال حول مجموعة من الطلبة الذين كانوا يلتحقون بمعهد “إدوارد سعيد” للموسيقى، وهم يعزفون على آلات موسيقية ويرددون أغان وطنية وأناشيد ثورية داخل أحد مراكز الإيواء بمخيم النصيرات وسط قطاع غزة.
ورغم أزيز الطائرات الإسرائيلية المسيرة وأصوات الانفجارات، فإن أجواء من الفرحة سادت أوساط الحاضرين الذين بدأ بعضهم بتعلم الموسيقى فيما انخرط بعض آخر في التصفيق.
وتساعد هذه الجلسات الموسيقية في التخفيف من وطأة الضغط النفسي الذي يتعرض له النازحون في مركز الإيواء، خشية استهدافهم من الجيش الإسرائيلي، كما حدث في مرات سابقة بمخيم النصيرات، كما قال فلسطينيون للأناضول.
ويتواصل القصف الإسرائيلي على النصيرات، الذي شهد منذ بداية الحرب الإسرائيلية في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، عدة مجازر راح ضحيتها عشرات المدنيين الفلسطينيين معظمهم من الأطفال والنساء.
وفي 6 يوليو/تموز الجاري، قال المكتب الإعلامي الحكومي بغزة إن إسرائيل ارتكبت 43 مجزرة وقصفت 17 مدرسة ومركزا لإيواء النازحين داخل مخيم النصيرات منذ بداية الحرب.
بصيص أمل
ويسعى طلبة المعهد إلى زراعة بصيص من الأمل في قلوب النازحين في ظل استمرار الحرب الإسرائيلية المدمرة على قطاع غزة.
ويستخدم الطلبة الموسيقى أداة للتعبير والتسلية، من خلال تعليم العزف على الآلات المختلفة مثل “العود والجيتار والطبل”، فضلا عن تدريب الأطفال على أداء الأغاني الوطنية والشعبية.
ويتجول طلبة المعهد والمتطوعون بين مخيمات النزوح في مختلف المناطق لتنظيم جلسات تعليمية تخفف عن الأطفال ما عايشوه من فقدان أقاربهم ومنازلهم وحقوقهم.
ووجد الأطفال أنفسهم مشاركين في أنشطة ترويحية تجمعهم بعيدا عن أصوات القصف والحرب، حيث عبروا عن استمتاعهم بالأداء الموسيقى متجاهلين ما يحدث حولهم من قصف.
وتشارك النازحة الفلسطينية أم محمد كفينا، في ترديد بعض الأغاني الوطنية ضمن إحدى الفعاليات الموسيقية المنظمة.
وتقول كفينا بنبرة سعيدة للأناضول: “الموسيقى أضفت على حياتنا نوعا من السلام والسرور، وساعدتنا في التغلب على الضغوط النفسية التي أوجدتها الحرب الإسرائيلية”.
وتضيف: “بمجرد أن سمعنا صوت الموسيقى أحببنا أن نشارك في هذه الفعالية المخصصة للأطفال للخروج من أجواء الحرب وتخفيف الضغط النفسي الذي نعيشه”.
وتبدي كفينا إعجابها بمثل هذه الفعاليات التي تزرع الأمل في نفوس الأطفال وتخفف عنهم آلام الحرب ومعاناتها لا سيما وأن الحرب حرمتهم اللعب والدراسة.
وتدعو كفينا إلى تعليم الموسيقى للأطفال لما لها من دور في التخفيف من الظروف القاسية التي يعيشونها، واصفة إياها بـ”الشيء الجميل”.
وختمت قائلة: “رغم وجود القصف الذي تزامن مع الجلسات الموسيقية فإن الأجواء الجميلة كانت تطغى على الظروف المحيطة، ونسي الأطفال أصوات الانفجارات المخيفة وانسجموا مع الأغاني فرحين”.
ضغوط الحياة
وبدورها تقول الطفلة النازحة ريماس ناصر إن الموسيقى أدخلت الفرحة إلى قلبها وغيرت من نفسية المشاركين رغم الأوضاع الصعبة.
وتضيف: “الموسيقى خففت عنا ضغوط الحياة والمخاوف التي تركها القصف الإسرائيلي، وأنستنا الكثير من المشاهد المؤلمة وزرعت الفرحة في قلوبنا”.
وتتابع: “ألا يكفينا 10 شهور من الحرب الإسرائيلية نسينا خلالها كل شيء جميل حتى الدراسة، اليوم استمتعنا بالفعالية الموسيقية ونأمل أن تتكرر دائما”.
وتطالب الطفلة ناصر بوقف الحرب الإسرائيلية على غزة، معربة عن آمالها في عودة الحياة إلى طبيعتها واستئناف الدراسة.
ومن جانبها، تعبر الطفلة النازحة ملاك الحافي، عن سعادتها لمشاركتها بهذه الفعالية التي أنستها أصوات القصف ومشاهد الدمار.
وتقول: “نعيش في الخيام على مقربة من المركز، وبمجرد أن سمعنا صوت الموسيقى أحببنا أن نشارك في هذه الفعالية، رغم تزامن الفعالية مع قصف إسرائيلي وتحليق مكثف لطائرات الاستطلاع فوقنا”.
تفريغ الطاقة السلبية
ويرى باسم نصر الله -وهو أحد الطلبة المتطوعين- أن هذه الفعاليات تساهم في “تقديم بيئة آمنة ومريحة للأطفال لتفريغ طاقاتهم السلبية واستعادة الأمل في ظل الحرب القاسية”.
ويقول: “نعمل على تعليم الأطفال الأغاني والأناشيد الوطنية مثل موطني واكتب اسمك يا بلادي وخضرا يا بلادي خضرا، ونلمس سعادة كبيرة منهم وفرحة لا توصف تُمدنا بالقوة والإصرار على مواصلة هذه الفعاليات”.
ويضيف: “لاحظت أن الأطفال عند حدوث أي قصف أثناء الفقرات الغنائية لا يبدون أي اهتمام أو خوف من أصوات الانفجارات العنيفة، بسبب انسجامهم مع الفرقة وسعادتهم بالأداء”.
ولم يفكر نصر الله النازح من شمال قطاع غزة برفقة عائلته، في ترك عمله متطوعا مع معهد “إدوارد سعيد” للموسيقى في أي لحظة، في ظل حالة السعادة الغامرة التي يعيشها الأطفال، وفق قوله.
وطالب العالم بـ”التدخل العاجل والضغط على إسرائيل لوقف حربها المدمرة على غزة حتى يتمكن النازحون من العودة إلى منازلهم وحياتهم الطبيعية بعيدا عن الخوف والخطر المحدق في كل لحظة”.
ولأكثر من مرة قالت مؤسسات حقوقية فلسطينية وأممية إن الأطفال والنساء هم الضحية الأكبر لهذه الحرب.
وخلفت حرب إسرائيل على غزة بدعم أميركي منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي أكثر من 126 ألف قتيل وجريح فلسطيني، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود وسط دمار هائل ومجاعة أودت بحياة عشرات الأطفال.
وتواصل إسرائيل هذه الحرب متجاهلة قراري مجلس الأمن الدولي بوقفها فورا، وأوامر محكمة العدل الدولية بإنهاء اجتياح رفح جنوب غزة، واتخاذ تدابير لمنع وقوع أعمال إبادة جماعية، وتحسين الوضع الإنساني المزري بالقطاع.