بعد أيام من قمة “الناتو”.. ما رسائل المناورات البحرية بين الصين وروسيا؟ | سياسة
مراسلو الجزيرة نت
موسكو- في توقيت يحمل أكثر من دلالة بدأت الصين وروسيا مناورات بحرية مشتركة تحت اسم “التفاعل البحري 2024” على طول السواحل الجنوبية للصين، حيث من المقرر أن تستمر حتى 17 يوليو/تموز الجاري، وتتضمن محاكاة التعامل مع هجمات مضادة للطيران والغواصات والقيام بمهام الإنقاذ البحري.
وتتزامن هذه المناورات الجديدة مع أخرى عسكرية صينية بيلاروسية منفصلة مدتها 11 يوما بالقرب من مدينة بريست على الحدود مع بولندا وأوكرانيا، وانطلقت بعد أيام من انضمام مينسك إلى “منظمة شنغهاي للتعاون”، ووصفها الأمين العام لحلف “الناتو” ينس ستولتنبرغ بأنها “تُظهر كيف تقترب الصين أكثر من أي وقت مضى من حدود الحلف”.
كما لم تمض أيام قليلة على الانتهاء من قمة حلف شمال الأطلسي التي عُقدت في واشنطن، والتي اعتبرت أن الصين أصبحت تشكل عامل تمكين لروسيا في الحرب مع أوكرانيا، حيث حمل البيان الختامي للقمة اليوبيلية تهديدا مبطنا لبكين بأن مواصلة دعمها لموسكو “سيكون لها ثمن”، دون أن يحدده البيان.
شراكة واقعية
بدوره، يرى محلل الشؤون العسكرية نيكيتا غروموف أن المناورات الحالية هي تعبير جديد عن أن الصين وروسيا تواجهان نفس التحديات الجيوسياسية، وأن التنسيق والتعاون بينهما -بما في ذلك في المجال العسكري- أصبح أكثر إلحاحا.
ووفقا لما أوضحه للجزيرة نت، فإن إجراء التدريبات المشتركة بين البلدين أصبح تقليدا في الأعوام الأخيرة، ومن شأن المناورات الحالية أن تسهم في تعميق الشراكة الإستراتيجية الشاملة بينهما، والتي أصبحت واقعا جيوسياسيا في الآونة الأخيرة.
وحسب قوله، فإن المناورات تعتبر “ردا أوليا على البيان العدائي لقمة حلف الناتو الأخيرة في واشنطن”، والذي حاول أن يظهر أن الصين تعتبر لاعبا أساسيا في الحرب مع أوكرانيا.
وكانت كل من روسيا والصين قد اتفقتا على تعميق التعاون الدفاعي وتوسيع التدريبات والمناورات العسكرية الثنائية خلال القمة التي جمعت بين الرئيسن فلاديمير بوتين وشي جين بينغ في بكين في مارس/آذار الماضي.
كما جرت خلال السنوات الأخيرة تدريبات عسكرية مشتركة عدة بين البلدين لإثبات وجودهما وقدراتهما في مواجهة الأحداث الجيوسياسية، وهو ما جرى على سبيل المثال بعد قرار المحكمة الدولية إبطال مطالبات بكين بجزء كبير من بحر جنوب الصين، فقامت الصين وروسيا حينها بإجراء مناورات مشتركة سميت “البحر 2016”.
ويعكس هذا التعاون وجود مواقف إستراتيجية مشتركة لدى البلدين حيال القضايا العالمية، ويعبر عن إدراك الفوائد الإستراتيجية المترتبة على التحالف الوثيق، لكن في الوقت ذاته لا يخلو الأمر من وجود محاذير متبادلة بشأن المصالح المشتركة على ضوء الديناميكيات المعقدة للشراكة الصينية الروسية، حيث تتلاقى المصالح المتبادلة مع الحفاظ على السيادة والاستقلال الإستراتيجي.
ورقة ضغط
من جانبها، قامت لجنة تابعة للكونغرس الأميركي بإصدار تقرير في أكتوبر/تشرين الأول 2023 على خلفية ما وصفته بالسلوك “المثير للقلق” من جانب روسيا والصين على مدى العقد الماضي، دعا فيه مؤلفوه إلى الاستعداد للحرب -بما في ذلك الحرب النووية- على جبهتين في وقت واحد، أي مع روسيا والصين.
لكن الرئيس بوتين نفى مرارا إقامة تحالف عسكري مع الصين رغم تأكيده وجود تعاون عسكري تقني “شفاف”، مشيرا إلى أن الغرب بالمقابل “يبني محاور جديدة”، ويسعى جاهدا إلى إنشاء “حلف شمال الأطلسي العالمي”.
ويعتقد محلل الشؤون الدولية سيرغي بيرسانوف أنه لا ينبغي للصين وروسيا أن تسعيا إلى إنشاء أي شكل من أشكال التحالف العسكري، لأن الكتل العسكرية لا تؤدي إلا إلى تفاقم المواجهة العالمية وزيادة خطر الصراعات، حسب رأيه.
ويضيف أن التحالفات العسكرية الكبرى الموجودة حاليا في العالم -مثل حلف شمال الأطلسي- لم تعد منظمات عسكرية أمنية إقليمية، بل تحولت إلى أداة للهيمنة الأميركية وحارسا شخصيا للأيديولوجيات والقيم الغربية.
وعن مدى تأثير البلدين العسكري، يقول بيرسانوف إن روسيا والصين تجريان مناورات عسكرية مشتركة بانتظام، لكن قدرتهما على التدخل المشترك أدنى بكثير من مستوى حلف شمال الأطلسي، وهو ما يجعل التعاون المشترك بينها -بما في ذلك في المجال العسكري- “ورقة ضغط مؤثرة”، نظرا للقوة العسكرية الهائلة والمتطورة التي يملكها كل بلد على حدة.
ويضيف المتحدث ذاته أن موسكو وبكين تمكنتا في السنوات الأخيرة من القيام بالكثير، مما يعزز “التوجه الشرقي” للسياسة الخارجية الروسية، ووصلت التطورات بينهما إلى ذروتها عندما جرى “نسج” هذه العلاقات الإستراتيجية بناء على أساس عملي للحقائق الجيوسياسية، تشمل كذلك التجارة والتعاون الاقتصادي والعسكري، وتنسيق الإجراءات على الساحة الدولية، وفي المقام الأول بالأمم المتحدة.
ونتيجة للتقارب الروسي الصيني خلال العامين الماضيين فقد بدا العالم مختلفا تماما، حسب ما يرى المحلل، وأن عصر الهيمنة الغربية قد بدأ يقترب من نهايته، مقابل صعود لدول الجنوب العالمي التي تشكل الأغلبية العالمية، والتي تحتل روسيا مكانة خاصة بينها.