قطع ألعاب الليغو الشهيرة لبناء قواعد فضائية واعدة على سطح القمر | علوم
في ظلّ محدودية الأدوات ومواد البناء المناسبة، فإنّ البعثات البشرية وعمليات الاستيطان على سطح القمر تبقى رهينة الابتكارات والحلول الهندسية التي ما زال العلماء يبذلون قصارى جهدهم في الوصول إليها، وتعد قطع “الليغو” الشهيرة آخر الصيحات التي يُعوّل عليها لبناء مستعمرات بشرية على سطح هذا الجار القريب من الأرض.
وتكمن أهمية ذلك في تقليص وزن الحمولات ومواد البناء التي تُرسَل من الأرض إلى الفضاء، ومن ثم تخفيض كلفة المهمات الفضائية.
وقد ابتكر علماء من وكالة الفضاء الأوروبية آلية خاصة لمعالجة تربة القمر وإنتاج مكعبات تشبه تلك التي تنتجها الشركة الدانماركية، مجموعة “ليغو” الشهيرة لصناعة ألعاب الأطفال، وكان نموذجهم الأول باستخدام فتات نيزك وتشكيلها عبر الطباعة ثلاثية الأبعاد لإنتاج مكعبات صالحة للتركيب.
ووقع الاختيار على نيزك عُثِر عليه شمال غربي أفريقيا، ويبلغ عمره 4.5 مليارات سنة، أي أنّ جذوره تعود إلى حقبة تكوين الأرض والمجموعة الشمسية، وتشبه تركيبته تقريبا تكوين تربة القمر.
وقد طحن العلماء النيزك ثمّ خلطوه ببعض المواد الأخرى مثل “البولي لاكتيد” وهي بوليسترات قابلة للتحلل الحيوي، ثمّ طبعوا الخليط بواسطة تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد لإنتاج طوب فضائي خشن الملمس، وقالت الوكالة إنّ هذه العملية منحت فرصة للمهندسين لبناء مجموعة من الأبنية التجريبية.
ويعوّل على مدى تميّز التصاميم الهندسية في بناء محطات وقواعد آمنة لروّاد الفضاء باستخدام مكعبات البناء هذه، بضوابط ومعايير صارمة تضع بعين الاعتبار جميع الاختلافات البيئية التي تجعل القمر بيئة قاسية لا ترحم، كانخفاض الضغط الجوّي أو انعدامه -إن صح التعبير- ومواجهة الأشعة الشمسية والكونية مباشرة دون وجود أيّ “فلاتر واقية”.
وعقّب على ذلك إيدان كاولي مسؤول العلوم بوكالة الفضاء الأوروبية فقال “لم يحدث أن بنى أحد هيكلا على القمر، لذا يعد من الرائع أن نتمتع بالمرونة اللازمة لتجربة جميع أنواع التصاميم وتقنيات البناء باستخدام هذه المكعبات الفضائية، ويعد أمرا مفيدا كذلك في فهم حدود هذه التقنيات بشكل عملي”.
وتهدف الوكالة لعرض هذه المنتجات في بعض متاجر مجموعة “ليغو” حول العالم، وهي مدرجة عبر موقعهم الرسمي، بين يومي 20 حزيران/يونيو و20 سبتمبر/أيلول خلال العام الجاري، لغرض لفت انتباه الأطفال الطامعين في اختراق حدود الأرض والصعود بأفكارهم نحو سطح العوالم النائية.
تربة القمر.. الخلطة السحرية
تُعد تربة القمر الخيار المثالي الذي يطمح العلماء لاستخدامه في بناء أولى المستوطنات البشرية على ظهر القمر، وهي تمثل طبقة من المواد المفتتة التي تغطي القاعدة اليابسة من السطح، وتختلف سماكة هذه التربة باختلاف تضاريس القمر، إذ تتراوح من بضعة أمتار إلى حوالي 15 مترا بالمناطق المرتفعة. وتتكوّن من مزيج من جزيئات الغبار الناعم وشظايا الصخور المفتتة ومجموعة متنوعة من المعادن تشكّلت على مدار مليارات السنوات.
وعلى عكس تربة الأرض، فإنّ التربة القمرية لا تحتوي على أيّ مواد عضوية ولا تتشكّل من خلال العمليات البيولوجية أو الكيميائية، وإنما من خلال التفتيت الميكانيكي للنيازك والتفاعل مع الرياح الشمسية والجسيمات النشطة القادمة مع الأشعة الكونية.
ونظرًا لغياب الغلاف الجوّي، فإنّ التربة القمرية غير معرّضة للرياح والمياه وجميع مظاهر التعرية، فلا تتآكل حواف ذرات التربة بل تكون حادة وخشنة الملمس.
ويختلف تكوين التربة القمرية بحسب موقعها الجغرافي، ففي السهول البازلتية الداكنة، تكون التربة غنية بالحديد والمغنسيوم، وأما في المرتفعات فتكون غنية بالألمنيوم والسيليكون. ويسعى العلماء الصينيون إلى الكشف عن مزيد من خصائص التربة القمرية بعد أن تمكن مسبار “تشانغ آه 6” من جلب عينات لأوّل مرّة من الجانب البعيد من القمر نهاية الشهر الماضي.
ويعتقد العلماء بأنّ الهيليوم-3، وهو نظير غير مشع للهليوم، ينتشر بكثرة في سطح القمر مع ندرة وجوده على الأرض، ومن الممكن أن يكون مصدرا للطاقة النظيفة والفعّالة في المفاعلات النووية. كما يُنظر إلى التربة القمرية بأنها المواد الخام التي ستمثل الحجر الأساس لجميع الأبنية والقواعد البشرية مستقبلا، انطلاقا من برنامج “أرتميس” القادم الذي ترعاه وكالة الفضاء الأميركية “ناسا” بهدف إعادة البشر إلى القمر مجددا.