لوبوان: ماكرون من طفل مدلل لرئيس لم يعد يعرف ماذا يفعل | سياسة
11/7/2024–|آخر تحديث: 11/7/202401:08 م (بتوقيت مكة المكرمة)
على خلفية السؤال المطروح بشأن ماذا فعل الرئيس إيمانويل ماكرون بفرنسا؟ نشرت مجلة لوبوان الفرنسية ثلاثة مقالات، يروي فيها مدير المجلة إتيان جيرنيل قصة رجل كان يحلم بالثورات وانتهى به الأمر بإلقاء البلاد في حالة من الفوضى، متحدثا تارة عن مسيرة طفل مدلل، وتارة عن الثوري الذي اعتقد أن لديه الوقت، وأخيرا عن الرئيس الذي لم يعد يعرف ماذا يفعل.
ينطلق المقال الأول في وصف انتقال إيمانويل ماكرون إلى قصر الإليزيه بكبريائه، وهو يوبخ أسلافه لأنه لم يكن لديهم “حس تاريخي ولا شعور بالمأساة”، وكأن العناية الإلهية بعثت بهذا الشاب الذي سيرفع فرنسا إلى مستوى أفضل المعايير الدولية، ليقود في محاولته لقلب مسار الأمور، إلى التخفيض الكبير في التصنيف.
ووصف الكاتب ماكرون بأنه خائف عند الحاجة إلى الجرأة، وفخور عند الحاجة إلى تقديم تنازلات، وبالتالي ترك البلاد تغرق في حالة من الفوضى، أمام برلمان تهيمن عليه القوى الضعيفة، وقد نجت من كارثة التجمع الوطني، ولكنها الآن تحت رحمة حزب الجبهة الوطنية الجديدة وبرنامجه الوهمي.
جيرنيل: ماكرون خائف عند الحاجة إلى الجرأة، وفخور عند الحاجة إلى تقديم تنازلات، وبالتالي ترك البلاد تغرق في حالة من الفوضى
وحتى “فكرة أوروبا” التي كان ماكرون متحمسا لها، تسبب في تصدعها بعمق، إلى أن دمر ما تبقى من ثقة الأعضاء الآخرين بنا، وليس له عذر في ذلك لأنه رأى منذ فترة طويلة أن القوى الكبرى كالصين وأمريكا وغيرهما تتصادم أمام أعيننا، وأن الوقت يتسارع وعلينا أن نركض، ومع ذلك من الصعب للغاية أن نرى اليوم فرنسا.
وفي وقت يبدو فيه أن عهد ماكرون قد انتهى بمأساة -كما يقول الكاتب- أصبح من الضروري أن نروي القصة، متسائلا هل يمكن أن نكتب -دون غضب- رحلة هذا الرجل المدلل ونحن نعرف ما الذي أفسده؟
وبدأ إتيان جيرنيل من البداية، عندما تبين له أن المفتش المالي (ماكرون) “ليس غبيا جدا”، وكان مفعما بالحيوية ويبدو أصيلا بين عالم كبار موظفي الخدمة المدنية الفرنسيين، وبدا مثيرا للاهتمام، خاصة بالنسبة لصحيفة “لم تتوقف عن انتقاد الجمود وروح الاستسلام لنخبتنا الأرستقراطية البيروقراطية”.
غير أن ما صنع “ماكرون النرجسي والفضولي الذي عرفناه عام 2017″، هو التحرر والحراك الاجتماعي واعتباره أن الدين العام خطيئة، ومع أنه وصف التراخي في الميزانية بأنه غير أخلاقي، فقد أغرق فرنسا في الديون بأكثر من ألف مليار يورو خلال ولايتيه.
وبعد أن تم انتخاب ماكرون رئيسا لأول مرة، ألقى خطاب النصر في متحف اللوفر، وتمشى لفترة طويلة بخطى بطيئة في المكان التاريخي، وكأن فيروس القوة لم يستغرق سوى بضع دقائق ليعمل فيه -كما يقول الكاتب- مع “أن سمة القائد هي العمل والإلهام لا إظهار سلطته”، كما قال نيكولا بافيريز في لوبوان.
ومن الغريب أن ذروة مسيرة ماكرون كمصلح تزامنت مع فوز فرنسا بكأس العالم لكرة القدم في روسيا، إلا أن السترات الصفراء كانت نذير ثورة فرنسا ضد باريس التي ستأخذ أشكالا أخرى لاحقا، خاصة بعد رحيل وزير الداخلية جيرار كولومب الذي أسس الماكرونية وروج لها.
الكذبة الكبرى
وأشار الكاتب إلى أن أوروبا كانت العمود الفقري الإيديولوجي الحقيقي لماكرون، وقد دافع عن فكرة رئيسية تقوم على خلق ميزانية خاصة لمنطقة اليورو تمثل “عدة نقاط من الناتج المحلي الإجمالي”، لأن ذلك سيمثل بدايات القوة الأوروبية.
و”قد كان على حق ولكن جيراننا لا يثقون بنا، لأن فرنسا كانت تدوس على القواعد المالية المشتركة لسنوات عديدة، وهو ما يرقى إلى الاستيلاء على جيوب الآخرين وأبرزهم ألمانيا التي تحفظ وعود فرنسا عن ظهر قلب” على حد تعبير الكاتب.
ومن أكبر الأكاذيب في تاريخ الجمهورية الخامسة -حسب إتيان جيرنيل- قول إيمانويل ماكرون، في خضم أزمة كوفيد “كل ما يتطلبه الأمر” مستوحيا مبادرة “كل ما يتطلبه الأمر” الشهيرة التي أطلقها رئيس البنك المركزي الأوروبي ماريو دراغي عام 2012، في خضم أزمة اليورو لينقذه، ولكن ماكرون لم يكن مثل دراغي.
ومع أن هذا لا يعني أن ماكرون كان مخطئا في فعل الكثير لإنقاذ الشركات في ذلك الوقت، إلا أن المشكلة هي أنه لم يقل إن كل هذا كان مجرد دين وأنه لا بد من سداده، كما أنه لم يفعل ما يكفي لتعويض النفقات الأخرى ولم يوضح أن ذلك سيكون على حساب الاستثما.
وعلى سبيل المثال، يقول الكاتب، كلف “درع الطاقة” أكثر من 100 مليار يورو، وهو ما يقارب ضعف خطة “فرنسا 2030” المصممة لإعداد فرنسا لمواجهة التحديات التي تنتظرها، فأين ماكرون الذي وجد عام 2008 أنه من السخف أن تستدين الدولة لتغطية النفقات الجارية؟ يتساءل الكاتب.
في تلك اللحظة، اعتقد ماكرون أنه مطمئن بعد أن أدى كوفيد إلى تدمير اقتصاد القارة، ووافقت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل على خطة إنعاش أوروبية بقيمة 750 مليار يورو تعتمد جزئيا على الديون المشتركة، وكان ينبغي أن يعطيهم ضمانات ولكنه فعل العكس، ولا يزال يعتقد أنه أطلق شرارة “الثورة الكوبرنيكية”، كما يقول الكاتب متهكما.
تحصيل حاصل
وفي بداية عام 2022، كان ماكرون يبحث عنوانا للحملة عندما أطلق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين دباباته لمهاجمة أوكرانيا، فتم إلغاء الحملة الانتخابية بحكم الأمر الواقع، وبالتالي لن يضطر الرئيس إلى العثور على فكرته الكبيرة لأنه لا حديث إلا عن الحرب، وفقا للكاتب.
وفي غياب الحملة الانتخابية، كانت إعادة انتخاب إيمانويل ماكرون تحصيل حاصل، ولكنها أظهرت أن الهامش مع زعيمة التجمع الوطني مارين لوبان قد انخفض بشكل خطير، مما ينذر بأن الأمر سيكون مختلفا عام 2027.
غير أن الانتخابات التشريعية عام 2022، لم يحصل فيها ماكرون إلا على أغلبية نسبية، وكان المنطق يفرض عليه أن يستخلص العواقب، ويشكل تحالفا مع الجمهوريين ويعين رئيسا للوزراء من اليمين، إلا أنه لم يفعل.
وقد دفعت الدولة غاليا ثمن خطيئة الكبرى هذه، وبالتالي فإن إصلاح نظام التقاعد لعام 2023 لم يكن كافيا، كما أن التأمين ضد البطالة ألقي به من النافذة بعد حل البرلمان، ومع ذلك ظلت لدى ماكرون فرصة، ولكنه اختار مواصلة “الصيد غير المشروع” بتعيين رشيدة داتي في الحكومة، وكأنه يحاول حرق سفنه كما يقول الكاتب.
وحسب الكاتب، كانت لدى ماكرون الذي تعرض للإذلال في الانتخابات الوسيطة، فرصة لعرض صفقة على الجمهوريين، لخلق ما يشبه التعايش، ولكنه فضل حل الجمعية وإلقاء فرنسا في هاوية المجهول، ليتساءل الكاتب هل هذه محاولة يائسة لتجنب تقاسم السلطة؟ أم لفعل الأشياء بشكل مختلف عن الآخرين؟
وشبه الكاتب ضمنيا -في خاتمة مقاله- بذلك القبطان الذي يحلم بالبطولة ولكنه يتخلى عن سفينته دون تحذير الركاب، معتقدا أنها محكوم عليها بالفناء، ثم يكرس بقية حياته لمحاولة التغلب على هذا الاختيار المأساوي، فهل لدى ماكرون حياة أمامه بالنسبة لفرنسا وأوروبا؟ يتساءل إتيان جيرنيل.