طالبان في اجتماعات الدوحة.. مكاسب دبلوماسية وخطوة للانفتاح على العالم | سياسة
منذ أيام، انتهى اجتماع الدوحة الثالث للمبعوثين الخاصين حول أفغانستان برعاية الأمم المتحدة، والذي استمر ليومين وشارك فيه -خلافا للدورين السابقين- وفد من الحكومة الأفغانية التي تقودها حركة طالبان.
وكانت وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية وصنع السلام روز ماري ديكارلو وصفته بأنها “المرة الأولى” التي يجتمع فيها ممثلون عن المجتمع الدولي “وسلطات الأمر الواقع في أفغانستان” لإجراء حوار معمق حول مستقبل هذه البلاد.
وأعربت عن أملها في أن تسهم التبادلات البناءة في الاجتماع بشأن مختلف القضايا على مدى يومين في تمهيد الطريق لحل بعض المشاكل “ذات الأثر المدمر” على الشعب الأفغاني، مشيرة إلى أن المناقشة أكدت وحدة المجتمع الدولي في تصميمه على مواصلة الانخراط مع أفغانستان.
خلافات حول جدول الأعمال وشروط طالبان
وسبق هذا الاجتماع خلافات بين الأمم المتحدة وحكومة طالبان حول جدول أعماله ومشاركة ممثلين للمجتمع المدني الأفغاني فيه، حيث كانت المنظمة الأممية تريد مناقشة قضايا مثل حرمان البنات من الدراسة والتعليم بعد المرحلة الابتدائية، والقيود المفروضة على النساء في العمل، واتهامات بانتهاك حقوق الإنسان وتشكيل حكومة شاملة لكافة أطياف الشعب الأفغاني مع ممثلي الحركة، بالإضافة إلى إشراك ممثلين عن النساء والمجتمع المدني في النقاشات.
ولكن طالبان كانت ترفض مناقشة ذلك بحجة أنها قضايا داخلية لأفغانستان لا تناقشها مع الجهات الخارجية، كما أنها كانت ترفض مشاركة ممثلين للمجتمع المدني والمرأة معتبرة نفسها “الجهة الوحيدة التي تمثل أفغانستان” كما أن الحكومة كررت رفضها لتعيين ممثل خاص للأمم المتحدة في البلاد.
وبعد شد وجذب ومفاوضات استمرت لأشهر، رضخت المنظمة الدولية لشروط طالبان واقتصر جدول أعمال الاجتماع في مناقشة سبل التعاون على مكافحة المخدرات ودراسة المشكلات الناتجة عن التحضيرات البنكية وتوفير التسهيلات للقطاع الخاص في أفغانستان، كما ألغيت فكرة حضور ممثلين آخرين عن أفغانستان غير ممثلي طالبان في الاجتماع الأصلي.
وفي مؤتمر صحفي قبل توجهه إلى الدوحة، أعلن رئيس وفد حكومة طالبان ذبيح الله مجاهد عن اتفاق ضمني مع الأمم المتحدة، وهو عدم حضور أي شخص من معارضي حكومته لهذا الاجتماع لأنه “ليس للحوار بين الأطراف الأفغانية وإنما هو حوار بين كابل والأمم المتحدة ودول أخرى”.
وتقليلا للانتقادات وحفاظا على نوع من التعادل رتبت الأمم المتحدة لقاء لممثلي المجتمع المدني والنساء مع مبعوثي بعض الدول في اليوم التالي لختام الاجتماع الرسمي.
واعتبر رئيس المكتب السياسي لطالبان في قطر سهيل شاهين عقد اجتماع الدوحة الثالث “بداية جيدة” وقال “الآن توصل العالم إلى نتيجة مفادها أنه بدلاً من الضغط يجب أن يحل القضايا من خلال التعامل مع الإمارة الإسلامية”.
وكان من اللافت للنظر أن ملف مفاوضات الدوحة هذه المرة انتقل من العاصمة كابل إلى قندهار التي يتخذ منها أمير حركة طالبان هبة الله آخند زاده مقرا له، فبدلا من وزارة الخارجية بالحكومة تسلم ذبيح الله مجاهد -الشخص المقرب من زعيم الحركة- رئاسة الوفد المفاوض، الأمر الذي يراه المراقبون مؤشرا واضحا على اهتمام زعيمها بموضوع المفاوضات مع الأمم المتحدة ورغبته في السيطرة الكاملة على الملف والاحتفاظ به لديه.
انتقادات للأمم المتحدة
ومن ناحية، تعرضت منظمة الأمم المتحدة لانتقادات من قبل منظمات وجهات أفغانية معارضة ومنظمات دولية وجماعات حقوق الإنسان لما تقول إنه رضوخ لشروط طالبان، بينما اعتبرت الحركة حضورها في الاجتماع بعد قبول كافة شروطها نصرا وإنجازا دبلوماسيا لها وتصوير ذلك مؤشرا على قبول المجتمع الدولي لحكومتها ومقدمة للاعتراف الرسمي بها.
وكانت رئيسة منظمة العفو الدولية أنييس كالامار صرحت في بيان قبل المحادثات بأن “الرضوخ لشروط طالبان لضمان مشاركتها في المحادثات من شأنه أن يخاطر بإضفاء شرعية على نظام القمع المؤسسي القائم على أساس الجنس”.
وكتبت 11 منظمة دولية لحقوق الإنسان في رسالة إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن والدول الأعضاء حول حقوق المرأة في أفغانستان أن حقوق النساء والفتيات باجتماع الدوحة “غير قابلة للتفاوض” في التعامل مع حكومة طالبان.
ووفقاً لمنظمات حقوق الإنسان هذه، فإن المساحة المتاحة للنساء والفتيات لاتخاذ قراراتهن الخاصة بشأن حياتهن “تتقلص كل يوم” وفي مثل هذه الحالة، فإن النهج الذي يتبعه المجتمع الدولي تجاه أفغانستان لمنع حكومة طالبان من القمع المنهجي لحقوق المرأة قد أدى إلى تفاقم المشكلة.
ومن جانب آخر، طالبت شخصيات أفغانية معارضة لطالبان في مؤتمر صحفي بالعاصمة النمساوية الأمم المتحدة بعدم إعطاء الشرعية لحكومة طالبان وتطبيع العلاقات معها في اجتماع الدوحة، ودعوا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بالتصرف بمسؤولية “من خلال فهم الوضع الحساس في أفغانستان والاستماع إلى طلبات الشعب الأفغاني”.
وفي إشارة إلى الانتقادات الموجهة إلى الأمم المتحدة بشأن عقد اجتماعين منفصلين مع طالبان ونشطاء المجتمع المدني الأفغاني بدلا من أن يجمعهم اجتماع واحد، وما إذا كانت الأمم المتحدة ستفكر في عقد الاجتماع المقبل بطريقة مغايرة، أجابت ديكارلو بالقول “كل ما نريد فعله هو الاستمرار في التحدث إلى الجميع وسماع أصوات الجميع”.
وأضافت المسؤولة الأممية “واجهنا خيارا صعبا للغاية، وربما مستحيلا، في تنظيم هذا الاجتماع ولدينا ولاية لدعم هذه العملية، وكان هدفنا هو جمع سلطات الأمر الواقع والمبعوثين الخاصين معا لإجراء محادثات مباشرة، ومن المؤسف أن سلطات الأمر الواقع لن تجلس على طاولة المفاوضات مع المجتمع المدني الأفغاني بهذا الشكل، لكنهم سمعوا بوضوح شديد ضرورة إشراك المرأة والمجتمع المدني في كافة جوانب الحياة العامة”.
لا تطبيع ولا اعتراف
ومن جهتها، تعتبر سلطات حكومة تصريف الأعمال الأفغانية حضور وفدها إلى اجتماع الدوحة خطوة إلى الأمام في التعامل مع المجتمع الدولي والحصول على اعتراف دولي، ففي تصريح له عقب عودته من اجتماع الدوحة إلى كابل قال مجاهد “جميع الأطراف اختارت نهج التعامل معنا بدلا من الاختلاف، ولم تعد أفغانستان دولة منعزلة.. انتهى الاجتماع في صالح البلاد”.
وأما ديكارلو التي ترأست اجتماع الدوحة فتؤكد أن هذا اللقاء وهذا التعاطي مع “سلطات الأمر الواقع” لا يعني التطبيع أو الاعتراف، مشيرة إلى أن هذا الأمر يعود إلى الدول الأعضاء في الأمم المتحدة.
وفي محاولة لطمأنة المنتقدين، شددت ديكارلو على أن أفغانستان لا يمكنها العودة إلى الحظيرة الدولية أو تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية الكاملة إذا حُرمت من مساهمات وإمكانات نصف سكانها -أي المرأة- كما أشارت إلى مناقشة “الحاجة إلى حكم أكثر شمولا واحترام حقوق الأقليات” خلال الاجتماع.
النتائج والتوقعات
ويرى المراقبون أن كلا من الأمم المتحدة وطالبان تعتبران نفسيهما قد حصلا على بعض المكاسب في الدوحة، فالأولى ترى أنها نجحت في جر طالبان إلى طاولة المفاوضات وجعلها تجلس وجها لوجه مع مبعوثين خاصين لأكثر من 20 دولة والاستماع لممثلي الحركة ومطالبهم واستماعهم إلى مطالبات المجتمع الدولي.
وتقول وکیلة الأمين العام للأمم المتحدة “هذه هي المرة الأولى التي تتاح فيها الفرصة لمثل هذا القطاع العريض من المجتمع الدولي والسلطات الفعلية لعقد مثل هذه المناقشات التفصيلية الصريحة والمفيدة”.
في حين تعتبر حركة طالبان أنها حققت نجاحا دبلوماسيا كبيرا بإقناع منظمة الأمم المتحدة على قبول شروطها واستبعاد معارضيها عن الاجتماع، وكذلك إخراج قضايا حقوق المرأة وحقوق الإنسان وتشكيل حكومة تشترك فيها عناصر من خارج الحركة من جدول الأعمال.
ويرى الباحث الإيراني في شؤون أفغانستان نوذر شفيعي أن ما حصل في اجتماع الدوحة “كان لصالح طالبان تماما” مضيفا أن حضور طالبان مؤشر على أن “المجتمع الدولي يتراجع تدريجيا عن سياساته القديمة وهذا إنجاز لطالبان”.
ويمكن القول إن هذا الاجتماع كسر الجليد، ويعد خطوة مهمة على طريق العلاقات بين المجتمع الدولي والحكومة في كابل.