إعادة التسلح الروسي.. لوموند: ملف سري يثير قلق أوروبا وأميركا والناتو | سياسة
قالت صحيفة لوموند إن صناعة الدفاع في روسيا تعيد تنظيم نفسها منذ عدة أشهر، وتظهر قدرة كبيرة على التطور، وتبني اتفاقيات مع كوريا الشمالية وإيران والصين، مما فاجأ وأقلق الأوروبيين والأميركيين وأثر في دعمهم العسكري طويل الأمد لأوكرانيا.
وأضافت الصحيفة -في تقرير بقلم إليز فينسان وكلويه هورمان- أن عدد الدبابات أو الطائرات المسيرة والصواريخ التي يمكن للجيش الروسي أن يعبئها بعد أكثر من عامين من الحرب، يظل في رأي العديد من الخبراء، هو السر الأكثر صيانة على الجانبين الروسي والغربي، إضافة إلى عدد القتلى الذي يعد هو الآخر أحد مفاتيح الصراع.
ولفترة طويلة، شكك حلفاء أوكرانيا في قدرة موسكو على تجديد ترسانتها على مدى الحرب، ولا سيما إنتاج الصواريخ الدقيقة، وسلط الجميع الضوء في بداية الصراع، على نقاط الضعف في المجمع الصناعي الدفاعي الروسي مثل اعتماده على التقنيات والمكونات المستوردة من الدول الغربية، ولكن قدرته على النهوض اليوم تثير المفاجآت والمخاوف أكثر فأكثر.
وفي أبريل/نيسان الماضي، أطلق الجنرال كريستوفر كافولي، الذي يقود جميع القوات الأميركية في أوروبا، ناقوس الخطر قائلا أمام لجنة القوات المسلحة بمجلس النواب في واشنطن إن “روسيا تسير على الطريق الصحيح لإنتاج أو تجديد أكثر من 1200 دبابة، وتصنيع ما لا يقل عن 3 ملايين قذيفة وصاروخ سنويا، أي 3 أضعاف ما قدرناه في بداية الحرب، ولديها ذخيرة أكثر مما تمتلكه دول حلف شمال الأطلسي (الناتو) البالغ عددها 32 دولة”.
وأشارت الصحيفة إلى إعادة تنظيم صناعة الدفاع الروسية منذ أشهر طويلة، وذلك بزيادة عدد خطوط الإنتاج، وإعادة تشغيل المواقع الصناعية النائمة ونحو ذلك، إضافة إلى إعادة مركزية إدارة المجهود الحربي وإعطاء زخم جديد للصناعات مع تعيين الخبير الاقتصادي أندريه بيلوسوف وزيرا للدفاع.
كافولي: روسيا تسير على الطريق الصحيح لإنتاج أو تجديد أكثر من 1200 دبابة، وتصنيع ما لا يقل عن 3 ملايين قذيفة وصاروخ سنويا، أي 3 أضعاف ما قدرناه في بداية الحرب، ولديها ذخيرة أكثر مما تمتلكه دول الناتو البالغ عددها 32 دولة
دعم الدول المنبوذة
ومع أن العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أعاقت صناعة الدفاع الروسية في بداية الحرب، فإن موسكو استطاعت “تخفيف تلك العقوبات جزئيا من خلال تكتيكات التهرب”، حسبما أكدت مذكرة لمعهد دراسة الحرب، وذلك أيضا ما توصل إليه مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية، وهو مؤسسة بحثية أميركية قوية أخرى، بعد دراسة سلاسل التوريد في موسكو.
وذكر المعهد الملكي للخدمات المتحدة، وهو أحد مراكز الأبحاث البريطانية الرئيسية المعنية بقضايا الدفاع، أن روسيا تجاوزت منذ بداية العام مستويات إنتاجها ومخزونها قبل الحرب من حيث صواريخ كروز، ورفعت مخزونها من صواريخ إسكندر إلى 200 وحدة، وهي زيادة تنطبق على جميع فئات الصواريخ الأخرى، وفقا لمذكرة المعهد.
ولا تقل أهمية المجهود الحربي الروسي عن ذلك في قطاع الدبابات الذي يعد محورا أساسيا في ساحة المعركة، وفقا لتقييمات المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية، إذ ارتفع الإنتاج السنوي من حوالي 40 دبابة قبل فبراير/شباط 2022 إلى 60 أو 70 دبابة في عام 2023، و”ربما أكثر” خلال هذا العام.
ولدعم جهودها الحربية، طلبت روسيا الدعم من دول منبوذة -حسب تعبير لوموند- مثل إيران وكوريا الشمالية، واستخدمت طائرات مسيرة انتحارية قدمتها طهران، وبدأ تشغيل أول خط تجميع روسي لهذا النوع من المسيّرات في مصنع في تتارستان، على بعد 800 كيلومتر شرق موسكو.
واتجهت روسيا بالنسبة للذخائر نحو كوريا الشمالية، وقد تسلمت منها في عام 2023 وحده، حوالي 2.5 مليون قذيفة، وقد حذر المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي جون كيربي من أن عمليات النقل هذه تمثل “تصعيدا كبيرا ومثيرا للقلق”، ولكن ذلك لم يمنع موسكو وبيونغ يانغ من توقيع اتفاق تعاون في يونيو/حزيران الماضي، يتضمن بند المساعدة المتبادلة في حالة العدوان.
ولتعزيز اقتصاد الحرب الذي يحتاج إلى المواد والمكونات، نجحت موسكو رغم العقوبات الغربية، في إنشاء سلاسل توريد جديدة لعبت فيها الصين الدور الأكبر، وقفزت التجارة بين البلدين بأكثر من 26% منذ عام 2022، لتصل إلى مستوى قياسي قدره 240 مليار دولار.
إعادة توجيه الاقتصاد
وإلى جانب تأمين سلاسل التوريد، استثمرت موسكو في توسيع العديد من مواقع إنتاج الطائرات المقاتلة والصواريخ والطائرات المسيرة.
وبحسب صور الأقمار الصناعية التي نشرتها إذاعة أوروبا الحرة في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، استحوذت إحدى الشركات التابعة لمجموعة كلاشينكوف، على مركز تسوق على بعد 1200 كيلومتر شرق موسكو لتحويله إلى مصنع للطائرات المسيرة، كما تظهر الصور أن الموقع الذي يتم فيه تصنيع أجزاء معينة من الطائرة المقاتلة سو-30 قد توسع بمبنيين.
ميشيل وجيرستاد: روسيا قادرة على مواصلة هجومها على أوكرانيا بمعدل الاستنزاف الحالي لمدة عامين أو 3 أعوام أخرى، أو حتى لفترة أطول
وفي مواجهة صعود صناعة الدفاع الروسية، قررت وزارة الخزانة الأميركية توسيع نطاق العقوبات على موسكو، وذلك من خلال الدعوة إلى فرض عقوبات “ثانوية” على أكثر من 300 شركة حول العالم تساهم بشكل أو بآخر في المجهود الحربي الروسي، مما يطال مجموعة من الشركات الموجودة في الصين وكازاخستان وبلغاريا وحتى هونغ كونغ، كما تنوي واشنطن حظر تقديم أي استشارات وحلول في مجال تكنولوجيا المعلومات للشركات الروسية.
وخلصت صحيفة لوموند إلى أن قدرة موسكو على مواصلة هذه الجهود مع مرور الوقت غير مؤكدة للغاية، لكن المخزونات المتكونة بالفعل تظهر أن الروس يقتربون من هذا الهدف.
ويقدر الباحثان يوهان ميشيل ومايكل جيرستاد من المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية أن “روسيا قادرة على مواصلة هجومها على أوكرانيا بمعدل الاستنزاف الحالي لمدة عامين أو 3 أعوام أخرى، أو حتى لفترة أطول”، وهذا يكفي لزيادة الضغط على أعضاء الناتو المجتمعين في واشنطن، والذين تحثهم كييف على زيادة الدعم.