ماذا يعني انهيار “ناصر” آخر القلاع الصحية جنوب غزة؟ | سياسة
غزة- على وقع تحذيرات متنامية بخروجه عن الخدمة، يترنح مجمع ناصر الطبي في مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، وتخشى إدارته من انهيار وشيك، الأمر الذي من شأنه أن يعصف بحياة أكثر من مليون و200 ألف فلسطيني من السكان والنازحين.
وبعدما خرج مستشفى غزة الأوروبي عن الخدمة مطلع الشهر الجاري نتيجة إنذارات إسرائيلية بإخلاء المناطق والبلدات الشرقية من مدينة خان يونس، وسبقته جميع مستشفيات مدينة رفح التي تتعرض لعملية عسكرية برية منذ السادس من مايو/أيار الماضي، بقي مجمع ناصر آخر القلاع الصحية في مناطق جنوب القطاع.
وفي مسعى منها لتأخير لحظة الانهيار، تتبع إدارة المجمع إجراءات تقشفية قاسية، خاصة فيما يتعلق باستهلاك كميات الوقود الشحيحة التي ترد إليها عبر منظمات دولية، حسبما أوضح مدير عام المجمع الدكتور عاطف الحوت في حوار مع الجزيرة نت.
“ناصر” وحيدا
بعد جهود مضنية، نجحت إدارة المجمع في إعادة تأهيله وتشغيله، وقد كانت قوات الاحتلال اقتحمته واحتلته لنحو أسبوعين وعاثت فيه فسادا وخرابا إبان اجتياحها لمدينة خان يونس مطلع ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي واستمر كذلك 4 أشهر. ولا يأمن الحوت أن يعود الاحتلال لاقتحام المجمع مرة ثانية مثلما حدث في مجمع الشفاء بمدينة غزة، خاصة مع إنذارات الإخلاء الأخيرة لمناطق شرق المدينة.
وسط ضغوط شديدة وفي ظل ظروف معقدة تعمل الطواقم الطبية في مجمع ناصر، وبحسب الحوت فإن “الضغط هائل على المجمع، خاصة مع النزوح الكبير من مدينة رفح إلى مدينة خان يونس ومنطقة المواصي، وأي انهيار للمجمع وخروجه عن الخدمة يهدد حياة آلاف الجرحى والمرضى بالخطر”.
ويضم المجمع بين جنباته مستشفيات متخصصة هي الباطنة والجراحة والنساء والأطفال، وقال الحوت إن المجمع هو الوحيد حاليا في جنوب القطاع الذي يقدم خدمات غسيل الكلى والحضانة، بعد انهيار هذه الخدمات في مدينة رفح بإخلاء مستشفيي أبو يوسف النجار وبه القسم الوحيد لغسيل الكلى، والهلال الإماراتي المتخصص بالنساء والولادة.
وإضافة لذلك، فإن قسم الاستقبال والطوارئ يستقبل يوميا زهاء 1500 حالة من الجرحى والمرضى، ويقدر الحوت نسبة إشغال المجمع حاليا بـ100%.
سياسة التقطير
وفي ظل هذا الواقع، يواجه المجمع معوقات حادة تعصف به وتهدد بانهيار خدماته الطبية، وتعتبر أزمة شح الوقود الأبرز، ويقول الحوت إن المنظمات الدولية تنتهج “سياسة التقطير” في إمداد المجمع بالوقود اللازم لتشغيله.
وكانت قوات الاحتلال دمرت أثناء اجتياحها للمجمع جميع المولدات الكهربائية الخمس، واضطرت إدارته إلى استعارة مولد من مستشفى غزة الأوروبي، قبل خروجه عن الخدمة، ونقل مرضاه ومعداته وأجهزته لمجمع ناصر، الأمر الذي زاد من ثقل المسؤولية.
وقال الحوت “منذ بضعة أيام ننتهج سياسة تقشفية قاسية، ونستخدم المولدات للإنارة وتشغيل الأجهزة الطبية الضرورية، وبدلا من تشغيل 3 محطات توليد أكسجين نشغل محطة واحدة فقط”.
وفي بيان لها، حذرت وزارة الصحة في غزة من استمرار أزمة الوقود اللازم لتشغيل مولدات المستشفيات ومحطات الأكسجين وثلاجات حفظ الأدوية في كافة المرافق الصحية المتبقية على رأس عملها في القطاع، وقالت إنها تلجأ حاليا لإيقاف العمل في العديد من الأقسام داخل هذه المرافق والمستشفيات.
وتعمد إدارة مجمع ناصر يوميا إلى فصل الكهرباء لبضع ساعات من أجل الاقتصاد في استهلاك الوقود، ومن أجل إراحة المولدات، حيث لا تتوفر مولدات بديلة في الأسواق، أو قطع غيار، نتيجة منع الاحتلال توريدها للقطاع المحاصر.
وتعمقت الأزمات الحياتية للغزيين بما فيها أزمة القطاع الصحي، إثر إعادة احتلال معبر رفح البري مع مصر وإحراقه وإغلاقه كليا منذ بدايات العملية البرية في رفح، إضافة إلى القيود المشددة التي يفرضها الاحتلال على معبر كرم أبو سالم التجاري الوحيد.
مخاوف الانهيار
ومن شأن نفاد الوقود أن يؤدي إلى انخفاض نسبة تشغيل مجمع ناصر إلى 30% فقط، ويحذر مديره الدكتور الحوت من أن ذلك قد يفقد آلاف الجرحى والمرضى أرواحهم.
ويعاني المجمع من نقص في الطاقم الطبي، ووفقا للحوت فإنه من بين 1500 موظف في مختلف التخصصات داخل المجمع، يداوم حاليا نحو ألف فقط، فيما البقية إما سافر خارج القطاع، أو معتقل لدى قوات الاحتلال.
ولا تتوفر أرقام دقيقة عن أعداد المعتقلين من الطاقم الطبي بالمجمع، حيث اعتقل الاحتلال عددا غير معلوم منهم على الحواجز العسكرية، في حين يقدر الحوت المعتقلين من داخل المجمع بـ51 موظفا، أبرزهم نائبه ومدير مستشفى الجراحة بالمجمع الدكتور ناهض أبو طعيمة، إضافة إلى أطباء في تخصصات تفتقدها مستشفى العظام بالمجمع حالياً.
ووضع الحوت سياسة الاستهداف الإسرائيلية بحق المستشفيات في سياق مخطط ممنهج للاحتلال هدفه تدمير مقومات القطاع وجعله منطقة غير قابلة للحياة ودفع سكانه للهجرة.
إخلاء “الأوروبي”
وألقى خروج مستشفى غزة الأوروبي عن الخدمة بالمسؤولية كلها على مجمع ناصر، وبرأي مدير التمريض والناطق باسم المستشفى الدكتور صالح الهمص للجزيرة نت، فإن الأعداد الهائلة من سكان مدينتي رفح وخان يونس والنازحين ليس لهم عنوان للخدمة الطبية سوى مجمع ناصر وبما يفوق قدرته وطاقته.
وبخروج “الأوروبي” عن الخدمة خسر الغزيون خدمات طبية تخصصية لا تتوفر في غالبية مستشفيات القطاع، مثل جراحة الأوعية الدموية وجراحة الأعصاب وجراحة الأطفال وجراحة القلب وعملياته المختلفة، وكان يشاركه بهذه الخدمات مجمع الشفاء الطبي بمدينة غزة حتى انهياره وخروجه عن الخدمة، بحسب الهمص.
وشكلت الحرب الإسرائيلية ضغطا كبيرا على “الأوروبي”، ووفقا للهمص فإن المستشفى رفع عدد أسرة المبيت من 240 سريرا إلى 850 سريرا في بعض الأوقات، ورفع أسرة العناية المركزة من 21 إلى 55 سريرا، وقد أجريت داخل أروقة المستشفى حوالي 7500 عملية جراحية حتى يوم الإخلاء في الأول من الشهر الجاري.
وقال المسؤول بالمستشفى إنهم نجحوا في تأمين نقل زهاء 400 مريض من على أسرة المبيت إلى مجمع ناصر الطبي، وهذا سيشكل ضغطا هائلا على المجمع، خاصة أن “الأوروبي” كان بداخله 7 غرف عمليات تجري يوميا ما بين 35 إلى 40 عملية جراحية متنوعة.
وبحزن شديد يتحدث الهمص عن لحظة إخلاء المستشفى، وحالة الهلع والذعر التي انتابت الطواقم والمرضى والنازحين، خشية تكرار ما حدث في مجمعي الشفاء وناصر والمستشفى الإندونيسي من عمليات تنكيل واعتقال وتخريب.
ويتمنى الدكتور الهمص أن لا تطول فترة غياب “الأوروبي” ويستأنف عمله من جديد، رغم ما تعرض له من “أحداث مؤسفة” في إشارة منه إلى سرقة اللصوص والعابثين لمحتوياته.