قمة منظمة شنغهاي في أستانا.. التعاون رغم غياب الانسجام | سياسة
موسكو- انطلقت في العاصمة الكازاخستانية أستانا، اليوم الأربعاء، أعمال القمة الموسعة الـ24 لزعماء الدول الأعضاء في منظمة شنغهاي للتعاون.
وبالإضافة إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، سيحضر القمة زعماء ومسؤولون رفيعو المستوى من 8 أعضاء دائمين آخرين هم: الصين والهند وإيران وكازاخستان وقرغيزستان وطاجيكستان وباكستان وأوزبكستان.
أما الدول المراقبة فهي بيلاروسيا (متوقع أن تصبح عضوا كاملا خلال القمة الحالية) وأفغانستان ومنغوليا، بينما الدول “الشريكة في الحوار” هي تركيا وقطر وأذربيجان وأرمينيا وكمبوديا ونيبال وسريلانكا.
ومن المنظمات الدولية، سيحضر القمة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، والأمين العام لرابطة الدول المستقلة سيرغي ليبيديف، والأمين العام لمنظمة معاهدة الأمن الجماعي إيمان غالي تاسماغامبيتوف، بالإضافة إلى رؤساء منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية والمنظمة الإسلامية للغذاء والأمن.
وتتولى كازاخستان حاليا رئاسة منظمة شانغهاي للتعاون، ومن النصف الثاني من العام الجاري ستحلّ الصين مكانها.
وهذه القمة غير مسبوقة من حيث عدد المشاركين، وتكمن أهميتها كذلك في كونها منصة إضافية لتعزيز العلاقات الثنائية بين الدول المشاركة في ظل الأوضاع الجيوسياسية الحالية.
نحو حوار نوعي
ووفقًا للرئيس الكازاخستاني قاسم توكاييف، ستكون من بين أهداف القمة مناشدة المجتمع الدولي “بدء حوار عالمي صادق ومفتوح، وقبول نموذج أمني جديد، وإنشاء نظام أمني جديد وبيئة اقتصادية عادلة وبذل الجهود اللازمة لحماية الكوكب من التلوث”.
وستقدم المنظمة أيضًا مقترحات لتحقيق الاستقرار في الأسواق العالمية وتحسين رفاهية الإنسان، وستتخذ قرارات تهدف إلى تطوير التعاون البيئي، بما في ذلك حماية البيئة وإدارة النفايات وضمان سلامة مياه الشرب.
ويشار إلى أن نحو نصف سكان العالم وربع الناتج المحلي الإجمالي للكوكب يأتي من دول هذه المنظمة. ومن هنا تأتي أهمية اللقاءات الثنائية التي شهدتها القمة في يومها الأول، حيث انصبّ التركيز على تعزيز العلاقات البينية المباشرة مع إبقاء الهامش الأكبر للخروج بمواقف واحدة حيال الأهداف التي حددها رئيس كازاخستان للقمة.
وهذا ما أشار إليه مساعد الرئيس الروسي، يوري أوشاكوف؛ حيث من المنتظر أن يتم التوقيع على “إعلان أستانا” ومبادرة “الوحدة العالمية من أجل السلام والوئام العادل” وغيرها من الوثائق.
فضلًا عن الموافقة على مقترحات لتحديث أنشطة المنظمة فيما يتعلق بـ”الحقائق الحالية” حسب تعبيره، والمقترحات المتعلقة بإصلاح الآلية الأمنية، وخوارزميات التفاعل مع شركاء الحوار والدول المراقبة.
بين التعاون وضعف الانسجام
ورغم انعقاد القمة في ظروف تشهد تصاعدًا في التوتر بين روسيا والصين من جهة والغرب من جهة مقابلة، فمن غير الممكن الحديث لأسباب موضوعية عن أن منظمة شنغهاي تعبّر عن شكل للمواجهة بين ما يسمى بـ”الغرب العالمي” و”الجنوب العالمي” نظرًا لطبيعة مكوناتها.
فَدول “الجنوب العالمي” المشاركة في القمة غير متجانسة فيما بينها بما يكفي للحديث عن أن المنظمة بنسختها القائمة حاليا يمكن أن تشكل ثقلا مواجها للغرب.
كما أن العديد من هذه الدول تتمتع بعلاقات وثيقة وإستراتيجية مع الدول الغربية الرائدة، كما -على سبيل المثال- الهند مع بريطانيا والسعودية مع الولايات المتحدة.
تحولات هيكلية
يعود تاريخ تأسيس المنظمة إلى عامي 1996 و1997، عندما وقعت 5 دول هي روسيا وكازاخستان والصين وقرغيزستان وطاجيكستان على اتفاقيات لبناء الثقة في المجال العسكري وتقليص القوات المسلحة بشكل متبادل على الحدود.
وانتقلت المنظمة من حل مشكلة التفتت الناجم عن انهيار الاتحاد السوفياتي كترسيم الحدود والأمن الإقليمي، إلى مستوى أعلى من التفاعل القائم على “الثقة والمنفعة المتبادلة، والمساواة، والنقاشات المستمرة للمشاكل، واحترام الحضارات المختلفة، والرغبة في التنمية المشتركة” كما أكدت على ذلك البيانات الختامية للقمم السابقة للمنظمة، وخلافا للأفكار بشأن صراع الحضارات وديمومة عقلية الحرب الباردة كما يقول مراقبون.
إلى جانب ذلك، تعتمد اقتصاديات بلدان المنظمة إلى حد كبير على بيئة آمنة، وهو ما يجعل من “مكافحة الإرهاب والنزعات الانفصالية والتطرف” أولوية بالنسبة للمنظمة، كما أشارت لذلك تصريحات مسؤولين من الدول الأعضاء أكثر من مرة.
ومن بين أمور أخرى، تشكّل القمة اختبارًا لـ”الشراكة الإستراتيجية” بين موسكو وبكين في سعيهما لإنشاء ما يسمى بالنظام العالمي “المتعدد الأطراف” الذي لم تعد واشنطن تهيمن عليه. ومع ذلك، فإن هذه القمة ستضع هذه الشراكة على المحك، حيث يسعى كلا البلدين إلى فرض نفوذهما في آسيا الوسطى.
فمع تواصل الصراع بين روسيا وأوكرانيا، تعمل الصين بسرعة على توسيع نفوذها في آسيا الوسطى، وهي المنطقة التي كانت ذات يوم ضمن دائرة نفوذ الكرملين.
أفغانستان
ومن بين أبرز الملفات التي من المتوقع أن يتم حسمها في الدورة الحالية، عضوية أفغانستان في المنظمة؛ فحاليا يتمتع هذا البلد بوضع دولة مراقبة في المنظمة ولكن بما أنه لا توجد دولة تعترف بحكومة طالبان، فلا يمكن لممثلي الحركة المشاركة في اجتماعات المنظمة.
وأمس الثلاثاء، قامت كازاخستان بإزالة حركة طالبان من قائمة “المنظمات الإرهابية”، ومن شبه المؤكد أن تقوم روسيا بالخطوة نفسها قريبا، وذلك بعد أن أوصت وزارتا الخارجية والعدل الروسيتان بأن يقوم الرئيس فلاديمير بوتين بإزالة الحركة من قائمة المنظمات المحظورة.
وصرّح الرئيس الروسي في مايو/أيار الماضي بأن “حركة طالبان تسيطر حاليًا على أفغانستان بأكملها، لذلك فإن موسكو ستبني علاقات مع ممثليها على أساس حقائق اليوم”.