لماذا يرفض ماليزيون مشاركة أميركية في خصخصة مطارات بلادهم؟ | سياسة
كوالالمبور- استغل نشطاء مؤيدون للقضية الفلسطينية حفلا أقامته السفارة الأميركية في كوالا لمبور، يوم الاثنين 10 يونيو/حزيران الجاري، بمناسبة ذكرى الاستقلال الأميركي، لإعلان رفضهم خصخصة خدمات المطارات الماليزية.
ووزعوا منشورا على أبواب قاعة الحفل يلخّص أسباب اعتراضهم على صفقة تمكّن شركة “بلاكروك” الأميركية المملوكة لمجموعة “غلوبال إنفراستراكتشر بارتنر”، من دخول المنافسة للاستحواذ على إدارة 39 مطارا موزعا على جميع أنحاء ماليزيا.
وحذر أمير هادي، عضو حزب الائتلاف الديمقراطي الموحد (مودا) المعروف بأنه حزب الشباب، من مخاطر هذه الصفقة على الأمن القومي الماليزي، ومن امتداد النفوذ الأميركي إلى أصول ماليزيا الإستراتيجية مثل المطارات والموانئ. ورفض ما أطلق عليه “تسليم رقبة الماليزيين لشركة أميركية معروفة بتمويلها وتسليحها للاحتلال الإسرائيلي”.
ضغط أميركي
وفي حديث للجزيرة نت، قال هادي إن الولايات المتحدة لم تتوقف عن الضغط على بلاده لإجبارها على قطع صلاتها بالفلسطينيين والمناهضين للاحتلال الإسرائيلي.
وتقدر قيمة صفقة خصخصة شركة المطارات الماليزية القابضة بأكثر من 12.5 مليار دولار، وتشمل 39 من بين 40 مطارا. ويسعى صندوقان سياديان ماليزيان، هما “الخزانة الوطنية” و”صندوق توفير الموظفين”، إلى تشكيل تحالف من شركات عملاقة بهدف توفير نحو 2.6 مليار دولار لشراء الحصة المعروضة للخصخصة.
وبحسب ما نشرته عدة مواقع اقتصادية في جنوب شرق آسيا، فإن أقوى المرشحين للانضمام لهذا التحالف شركتا “بلاكروك” وسلطة أبوظبي للاستثمار، وستستحوذان معا على 30% من إدارة خدمات المطارات. بينما يسعى الصندوقان السياديان إلى زيادة حصتهما لتصبح 70%، موزعة بين “الخزانة الوطنية” التي ستزيد حصتها من 33.2% إلى 40% و”توفير الموظفين” من نحو 10% إلى 30%.
ويرى محللون سياسيون في ماليزيا أن الانتقادات المتصاعدة ضد الصفقة لن توقفها، ونقلت وسائل إعلام عن مسؤول رفيع في وزارة المالية أن “القطار انطلق ولا يمكن إعادته إلى المحطة”.
وبينما تساءل رئيس الوزراء السابق مهاتير محمد عن سبب خصخصة شركات رابحة، شكك الخبير الاقتصادي محمد نظري في الجدوى الاقتصادية لخصخصة المطارات.
توازن العلاقات
تزامن الكشف عن عزم الحكومة الماليزية خصخصة إدارة مطاراتها مع الإعلان عن بدء إجراءاتها للانضمام لمنظمة “بريكس”، وزيارة رئيس الوزراء الصيني لي تشيانغ لماليزيا، حيث وقعت اتفاقيات اقتصادية قدرت قيمتها بعشرات المليارات من الدولارات، ووضع حجر الأساس لمحطة قطار خط الساحل الشرقي للسكك الحديدية الذي تقيمه شركات صينية بتكلفة تُقدر بأكثر من 16 مليار دولار.
وفي رده على سؤال للجزيرة نت، أكد وزير الخارجية الماليزية السابق سيف الدين عبد الله، على ضرورة الأخذ بالاعتبار المبادئ التي تقوم عليها السياسة الخارجية الماليزية من توازن العلاقات مع القوى الدولية، التي دأبت عليها منذ استقلالها.
من ناحيته، اعتبر عبد الرحمن عثمان رئيس مؤسسة الاتحاد الإسلامي العالمية، أن استثمارات “بلاكروك” تصب في محاولات الموازنة في العلاقات بين الصين وأميركا، وسعي الولايات المتحدة للتصدي لمبادرة “الحزام والطريق” الصينية.
وقال عثمان للجزيرة نت إن “بلاكروك تعني حلف شمال الأطلسي (الناتو)”، وأشار إلى مشاركة رئيسها لاري فينك، في اجتماعات مجموعة السبع الأخيرة، وبرأيه، فهي جزء من مواجهة كبيرة بين بريكس والناتو.
ويعتقد عثمان أن مجموعة السبع لا ترغب في الاستثمار بالبنية الأساسية في آسيا وأفريقيا على غرار ما تفعله الصين، وما يثير قلق أميركا وأوروبا هي هيمنة بكين، ولذلك، فإنها تلجأ إلى شركات عملاقة مثل “بلاكروك” للاستحواذ على شركات بنية أساسية، وهو ما يسمح لها بتحقيق أرباح مضمونة كونها شركة خاصة، وضمان الهيمنة السياسية على العالم للناتو والولايات المتحدة.
أما البرلماني السابق تيان تشواه، فعزا في تصريحات للجزيرة نت، خصخصة المطارات إلى ضغوط أميركية مباشرة، ولخص هدف “بلاكروك” من الشراكة في السيطرة على الأجواء الماليزية والتحكم في بحر جنوب الصين في إطار سعي واشنطن لمحاصرة بكين، “وهو ما تفعله الولايات المتحدة مع الفلبين وسنغافورة”، ويردف أنه لا شك في أن موقع ماليزيا أكثر أهمية عندما يتعلق الأمر ببحر جنوب الصين.
وأضاف تشواه، الذي ينتمي إلى حزب رئيس الوزراء أنور إبراهيم، أن خصخصة المطارات يضع الأمن القومي الماليزي على المحك، لأن أمنها لا ينفك عن أمن الحدود، ولا يمكن تسليم معابر البلاد والحدود لإدارة جهة أجنبية.
شركات الإبادة
وفي ندوة بعنوان “رفض بلاكروك”، دعا ساسة وشخصيات عامة حكومة أنور إبراهيم إلى الحفاظ على ثوابت السياسة الماليزية أثناء دراستها خيارات الخصخصة، وخاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية. وأعربوا عن قلقهم من استدعاء شركة أميركية متهمة بالتورط في الإبادة الجماعية في فلسطين لتشغيل المطارات الماليزية.
واعتبر مخرز مهاتير محمد نجل مهاتير محمد أن ماليزيا ليست بحاجة إلى “بلاكروك” لتطوير موانئها الجوية، وقال إن بلاده دأبت -منذ استقلالها- على دعم القضية الفلسطينية في جميع المنتديات الدولية وعلى رأسها الأمم المتحدة ورفض الاعتراف بإسرائيل. وأضاف “نشاهد اليوم قوى أجنبية تسخِّر نفوذها المالي لإجبارنا على دعم جرائم الحرب ضد الإنسانية”.
أما وزير الصحة السابق خيري جمال الدين، فقال إن هناك بدائل كثيرة عن “بلاكروك” لجلب الاستثمارات وتطوير المطارات. وأشار إلى علاقة مجموعة “غلوبال إنفراستراكتشر بارتنر” الوطيدة بإسرائيل في مختلف المجالات الأمنية والعسكرية والاستثمارية وزيارات رئيسها لاري فينك -المتكررة- لإسرائيل.
وطالب جمال الدين رئيس الوزراء أنور إبراهيم “بإظهار الشجاعة الكافية والإعلان عن استثناء “بلاكروك” وأي شركة متورطة في دماء الفلسطينيين، من الشراكة في مشاريع البنية الأساسية، لا سيما الموانئ الجوية والبحرية.
ويرفض ساسة ومؤيدون للقضية الفلسطينية دخول “بلاكروك” على خط المطارات الماليزية بسبب استثماراتها الضخمة في إسرائيل، وهي واحدة من شركات السلاح الأميركية التي تصنف بأنها مزوّد رئيسي لإسرائيل.
وبحسب ما قاله الناشط الماليزي أمير هادي، فإن تمكين “بلاكروك” من إدارة المطارات يمكّنها من النفاذ إلى كافة المعلومات بما فيها مراقبة حركة التنقل من وإلى ماليزيا، ومعرفة دخول وخروج المطلوبين للاحتلال الإسرائيلي ومن ورائه الولايات المتحدة.
وقال محمد نظري عميد سابق لكلية المحاسبة والأعمال في جامعة الملايو، للجزيرة نت، إنهم لا يريدون الوقوف في الجانب الخطأ في هذه المرحلة التاريخية.
وأوضح “من ناحية نقول إننا نناصر الحق الفلسطيني ونرفض إبادة الشعب الفلسطيني، وفي المقابل نضع أيدينا بأيدي الشركات التي تسهم في قتل الفلسطينيين”.