حيفا.. مدينة المساجد والكنائس | الموسوعة
من أكبر مدن فلسطين التاريخية، تقع على الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، وتبعد عن القدس نحو 158 كيلومترا إلى الشمال الغربي، أول من سكنها العرب الكنعانيون، فتحها المسلمون زمن الخليفة عمر بن الخطاب، وانتعشت الحركة التجارية فيها زمن العثمانيين.
في حرب عام 1948 استولى عليها الإسرائيليون وطردوا سكانها وصادروا ممتلكاتها، وأصبح العرب يشكلون أقلية فيها، إذ لا تتجاوز نسبتهم حاليا 12%.
كانت المدينة مركزا تجاريا مهما قبل النكبة، حيث كانت مقصد اليد العاملة من مختلف مدن المنطقة العربية، واليوم هي ثالث أكبر مدينة في إسرائيل من حيث عدد السكان، وأصبحت مركزا صناعيا وتجاريا رئيسيا، وتزخر بمعالم أثرية وتاريخية ما زالت صامدة في مواجهة خطط التهويد والهدم.
الموقع
تقع حيفا على ساحل البحر الأبيض المتوسط في شمال فلسطين عند التقاء دائرة عرض 32.49 شمالا وخط طول 35 شرقا.
تلتقي المدينة بالبحر الأبيض المتوسط عند طرف السهل الساحلي وجبل الكرمل إلى الجهة الجنوبية الغربية، وترتفع عن سطح البحر بمعدل 450 مترا.
تمتد حيفا الحالية من المستوطنات اليهودية في الطرف الشمالي وحتى مشارف بلدة طيرة الكرمل إلى الجنوب، ومن رأس الكرمل بالقرب من مقام الخضر حتى مشارف عسفيا عند الطرف الجنوبي الشرقي.
أصل التسمية
ظهر اسم حيفا زمن الإمبراطورية الرومانية، حيث أطلقت التسمية اللاتينية “إيفا” على حصن روماني في موقع المدينة الحالي.
ويشير البعض إلى أن “حيفا” عربية الأصل ومشتقة من كلمة “الحيفة” بمعنى “الناحية”.
ويرى بعض المتخصصين في اللغة الآرامية أن الاسم مركّب من كلمتي “حي” و”فيع”، ويقابل كلمة “فيع” بالعربية “الفيض”، إذ إن حرف العين في الآرامية يقابله حرف الضاد في العربية، ويكون معنى الاسم المكان الذي تكثر فيه الخيرات وتفيض فيه المياه بوفرة.
وأطلق عليها الصليبيون اسم “خيفاس” أو “كايفاس” أو “كايفا”، ويعتقد باحثون في التاريخ المسيحي أن الاسم منسوب إلى القديس بطرس الملقب والمعروف بـ”كيفا”، وهي كلمة آرامية تعني الصخرة، كما أطلقوا عليها في بعض الأحيان اسم “سيكامينون”، ويعني باليونانية شجرة التوت وسميت بذلك لكثرة شجر التوت فيها.
أما أقدم ذكر لحيفا في المصادر الإسلامية فقد أورده الرحالة الفارسي ناصر خسرو في رحلته الشهيرة “سفر نامة”، إذ ذكر أنه نزل فيها سنة 438 هجرية/ 1046 ميلادية، ووصف بساتين النخيل والأشجار الوفيرة والمتنوعة فيها.
وذكرها أيضا الشريف الإدريسي (560 هـ/ 1160 م) في كتابه الشهير “نزهة المشتاق في اختراق الآفاق”، كما ذكرها ياقوت الحموي (626 هـ/ 1228 م) وأشار في “معجم البلدان” إلى أن اسمها مأخوذ من “حيفاء” بمعنى الجور والظلم.
التاريخ
تكشف المصادر التاريخية أن استيطان البشر في المنطقة يعود إلى العصر الحجري القديم، إذ عثر العلماء على بقايا هياكل بشرية في كهف بجبل الكرمل ترجع إلى تلك الفترة، كما عثروا على جماجم حيوانات وعلى رسوم منحوتة على الصخر.
أول من سكنها هم العرب الكنعانيون الذين بنوا مدينة حيفا على بعد كيلومترين جنوبي حيفا الحالية، وفُتحت في عهد الخليفة عمر بن الخطاب على يد عمرو بن العاص سنة 13 هجرية/ 634 ميلادية، وفي هذه الفترة استقرت عدد من القبائل العربية في فلسطين، خاصة في مناطق الساحل الفلسطيني.
وظلت حيفا جزءا من الدولة الإسلامية طوال العهدين الأموي والعباسي إلى أن ضعفت الخلافة العباسية، وأصبحت المدينة بعدها تابعة للفاطميين ثم استولى عليها الصليبيون سنة 493 هجرية/ 1100 ميلادية بعد حصار استمر شهرا، وعرفت في ذلك الحين باسم “كايفاس” أو “كيفا”.
عادت حيفا إلى المسلمين عام 583 هجري/ 1188 ميلادي بعد معركة حطين التي انتصر فيها صلاح الدين الأيوبي على الصليبيين واستعاد على إثرها العديد من المدن الفلسطينية، ومنها القدس.
شكلت هذه الهزيمة ضربة موجعة للصليبيين الذين توحدوا بأمر من البابا وشنوا حملة صليبية ثالثة كان من نتائجها إبرام صلح الرملة عام 1192 ميلادي بين صلاح الدين الأيوبي وملك إنجلترا ريتشارد قلب الأسد، وكان من بنوده احتفاظ الصليبيين بمدن الساحل، ومنها مدينة حيفا.
أصبحت حيفا تابعة للدولة العثمانية في عهد السلطان سليم الأول (922 هـ/ 1516 م)، وظلت كذلك حتى نهاية القرن الـ19، حيث أصبحت خاضعة للانتداب البريطاني بعد خروج بريطانيا منتصرة من الحرب العالمية الأولى عام 1918 ميلادي.
في عام 1948 استولى اليهود على المدينة بتواطؤ مع الحاكم العسكري البريطاني، حيث أجبروا السكان الفلسطينيين على مغادرتها وصودرت ممتلكاتهم ودمرت قراهم.
كانت حيفا قبل عام 1948 تضم 18 عشيرة و52 قرية فلسطينية، دمر العديد منها وأقيمت على أنقاضها المستوطنات الإسرائيلية حيث أصبحت تضم 90 مستوطنة.
التضاريس والمناخ
تتميز المدينة بأراضيها السهلية المنبسطة إلى جانب الأراضي المرتفعة لجبل الكرمل، ويعد هذا الجبل امتدادا طبيعيا لجبال نابلس نحو الشمال الغربي، ويتوغل في البحر المتوسط.
يسود مدينة حيفا مناخ البحر المتوسط الحار الجاف صيفا والماطر شتاء، ويبلغ متوسط درجة الحرارة السنوية 20-21 درجة مئوية، ويتراوح بين 12 درجة مئوية شتاء و28 درجة مئوية صيفا.
الميزات الاقتصادية
كانت مدينة حيفا قبل النكبة مركزا تجاريا واقتصاديا مهما، حيث جذبت الأيدي العاملة من مختلف الدول المجاورة.
اشتهرت بزراعة المحاصيل كالقمح والشعير والعدس والحمضيات والخضروات، وتميزت بوفرة أشجار العنب والزيتون والتوت واللوزيات التي تنمو على مرتفعات الكرمل.
وحيفا مركز تجاري وصناعي وسياحي مهم، حيث إنها تضم العديد من المعالم الدينية والتاريخية والسياحية التي تشجع على زيارتها.
كما توجد فيها ثاني أكبر مصفاة للنفط، أما ميناؤها فهو من أكبر موانئ إسرائيل الدولية الثلاثة الرئيسية.
السكان
تعد مدينة حيفا ثالث أكبر مدينة في فلسطين المحتلة من حيث عدد السكان بعد القدس وتل أبيب.
وفي يونيو/حزيران 2022 بلغ عدد سكان المدينة 285 ألف نسمة وفق بيانات مكتب الإحصاء المركزي.
وتصنف حيفا ضمن المدن المختلطة، وهي المدن التي تسكنها أغلبية يهودية وفيها أقلية عربية بارزة وفق تعريف دائرة الإحصاء الإسرائيلية، ويعيش في هذه المدينة وغيرها من المدن المختلطة كل من الفلسطينيين والإسرائيليين في تجمعات سكنية منفصلة.
وكان العرب الفلسطينيون يشكلون 73% من سكان حيفا سنة 1932 مقابل 27% من اليهود، وأصبحت نسبتهم سنة 2019 نحو 12% مقابل 76% من اليهود، يسكن معظمهم في أحياء الكبابير والحليصة ووادي النسناس ووادي جمال وعباس والكرمة.
معالم حيفا
تضم حيفا العديد من المعالم الدينية والتاريخية التي تشجع السياح على زيارتها، ومن هذه المعالم:
المسجد الصغير أو المسجد الأبيض
مسجد أثري في البلدة القديمة لمدينة حيفا، يعد من أقدم مساجد المدينة، بناه حاكم الجليل الشيخ ظاهر العمر الزيداني عام 1761 ميلادي، وقد تعرض للهدم ومصادرة عشرات الدونمات (الدونم يعادل ألف متر مربع) من أراضيه، وأغلقته السلطات الإسرائيلية بعد النكبة، وهدم جزء منه، وهو اليوم مغلق ولا تقام فيه الصلوات.
يتكون المسجد من 3 حجرات متصلة بمساحة تصل إلى 134 مترا مربعا، تعلوه مئذنة مخروطية الشكل على منوال الطراز العثماني وترتفع على سطح المسجد بـ7 أمتار.
مسجد حيفا الكبير
مسجد أثري يعود إلى الحقبة العثمانية في فلسطين، ويقع في البلدة القديمة لمدينة حيفا، وهو ثاني أقدم مساجد حيفا بعد المسجد الصغير.
اسمه الحقيقي والرسمي هو “مسجد النصر”، بناه قائد البحرية العثماني حسن باشا الجزايرلي تخليدا لانتصاره على ظاهر العمر الزيداني سنة 1775 ميلادية.
يسمى أيضا مسجد الجرينة، وهي كلمة آرامية الأصل تعني “الساحة المفتوحة” بسبب وجود ساحة حجرية كبيرة أمامه كانت مخصصة للحبوب المعدة للتصدير إلى الخارج عبر ميناء حيفا.
في عام 1901 بنى العثمانيون برج الساعة على سطح المسجد، وهو واحد من 7 أبراج أقيمت في عدد من المدن الفلسطينية احتفالا بمرور 25 سنة على جلوس السلطان عبد الحميد الثاني على العرش.
جامع الاستقلال
بنته الجمعية الإسلامية في حيفا ووُضع حجر الأساس في الأول من محرم سنة 1342 هجرية/ 14 أغسطس/آب 1923 ميلادية كما تدل على ذلك الكتابة التذكارية الموجودة في الطابق العلوي من المسجد.
وتزامن تدشين المسجد مع قدوم الشيخ عز الدين القسام من درعا في سوريا بعد أن حكم الاستعمار الفرنسي عليه بالإعدام، وتولى الشيخ القسام الإمامة والخطابة في مسجد الاستقلال منذ افتتاحه إلى أن استشهد عام 1935، ثم تولى شقيقه فخر الدين القسام إمامته من عام 1935 حتى 1948.
بعد احتلال مدينة حيفا أغلق اليهود المسجد وظل مغلقا إلى أن فتح عام 1977 خلال زيارة الرئيس المصري الأسبق محمد أنور السادات المدينة حيث أدى فيه الصلاة.
في عام 1991 أقامت الحركة الإسلامية برئاسة الشيخ رائد صلاح معسكر عمل تطوعيا في المسجد، وافتتح خلاله المسجد طوال اليوم، وظل منذ ذلك الحين مفتوحا لإقامة الصلوات الخمس فيه، وهو واحد من 3 مساجد في المدينة مفتوحة للصلاة.
حدائق البهائيين المعلقة
تسمى أيضا حدائق حيفا المعلقة، وهي حدائق تتدرج على جبل الكرمل وتمتد لمئات الهكتارات حتى البحر الأبيض المتوسط، بناها مهندس إيراني يدعى فريبرز صهبا عام 1987 ميلادي، وتتميز هذه الحدائق البالغ عددها 19 بجمالها وتناسقها الهندسي الدقيق.
فتحت الحدائق للعامة عام 2001، وأدرجت ضمن قائمة التراث العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) عام 2008.
تحيط هذه الحدائق الشاسعة بالمركز البهائي العالمي الذي يضم مبنى ذا قبة ذهبية يسمى “قبة عباس”، وهو أحد المُبَشرين بالبهائية، وأعدم في إيران عام 1850 ونقل رفاته إلى حيفا، وإلى جانبه ضريح أو مقام عبد البهاء (عباس أفندي)، وهو ابن بهاء الله مؤسس المذهب البهائي.
دير وكنيسة ستيلا ماريس
أنشئ دير ستيلا ماريس في حيفا عام 1631 على نتوء صخري في جبل الكرمل يطل على البحر على يد عدد من الرهبان الذين استقروا فيه، ويضم الدير مغارة يقال إنها المغارة التي اعتكف فيها النبي إيليا (إلياس).
وأطلق على هؤلاء الرهبان اسم الكرمليين، وهم مجموعة دينية تنتمي إلى الكنيسة الكاثوليكية، واسمهم مشتق من جبل الكرمل، حيث استقروا في منحدراته بنهاية القرن الـ12 خلال الحروب الصليبية.
تعرّض الدير وكنيسة كانت قد بينت بجواره للهدم، وفي عام 1836 تم بناء الدير والكنيسة الحاليين وذلك على الجانب الشرقي من الطريق الرئيسي مقابل المنارة، وبعد 3 سنوات من بناء الكنيسة منحها البابا غريغوري الـ16 لقب “بازيليكا صغيرة”، ومنذ ذلك الحين سمي المكان “ستيلا ماريس” أي “نجمة البحار”.
كاتدرائية القديس لويس الملك
تعرف أيضا بكنيسة القديس لويس المارونية، وتقع في البلدة القديمة، بنيت سنة 1880 ميلادية زمن السلطان عبد الحميد الثاني وعلى أرض تبرع بها الأخوان إبراهيم وسليم الخوري.