الأضاحي بالضفة الغربية المحتلة.. أسعار باهظة وجيوب فارغة | اقتصاد
الخليل – تُظهر أسواق الماشية في الضفة الغربية الحالة الاقتصادية للفلسطينيين في ظل ضائقة اقتصادية حرمت فئات واسعة اعتادت شراء الأضاحي من أجل أداء شعيرة النحر الدينية في عيد الأضحى المبارك.
ولا يعرض التجار في الغالب رؤوس الأغنام الأفضل لديهم لارتفاع سعرها عن إمكانيات الطبقتين الوسطى والدنيا، بل يعرضون الرؤوس التي يصنفونها ضمن الفئة الثانية أو الثالثة والتي تكون غالبا أمهات الأغنام أو كبيرة السن أو قليلة اللحم.
من يضحي؟
يقول مواطنون، وبينهم تجار وموظفون وعمال، للجزيرة نت إن الأضاحي هذا العام تكاد تقتصر على رجال الأعمال والتجار، في حين حرم منها موظفو السلطة الفلسطينية الذين يتقاضون أنصاف رواتب، وفئة العمال داخل الخط الأخضر الذين أصبحوا عاطلين عن العمل منذ بدء الحرب على قطاع غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
أما عن الأسعار في “سوق الأربعاء” جنوبي الخليل، أكبر أسواق الضفة الغربية، فتراوحت بين 350 دينارا أردنيا (494 دولارا) كحد أدنى، و650 دينارا أردنيا (917 دولارا) للأضحية الجيدة مع وجود أسعار أعلى.
يقول نضال العملة، الذي حضر إلى السوق ومعه بعض الخراف لبيعها، إن أسعار الخراف المميزة في حدود 650 دينارا أردنيا.
ويوضح نضال أن السعر يقارب ما كان عليه العام الماضي، لكن الإقبال على الشراء أقل هذا العام وبشكل ملموس.
ويضيف “من يملك المال يضحي، أما العمال والموظفون فأوضاعهم المادية لا تمكنهم من شراء أضحية”.
وخلال يونيو/حزيران الجاري، صرفت السلطة الفلسطينية ما نسبته 50% من الراتب لموظفيها بحد أدنى 2000 شيكل (نحو 540 دولارا).
ويبلغ إجمالي فاتورة أجور موظفي السلطة شهريا نحو مليار شيكل (270 مليون دولار) يستفيد منها قرابة 245 ألف فرد، بينهم 144 ألف موظف مدني وعسكري، يضاف إليهم المتقاعدون وأصحاب مخصصات اجتماعية ومخصصات للأسرى والمحررين.
وكمثال، فإن معلما في سلك التربية والتعليم منذ سنوات لن يأخذ أكثر من هذا المبلغ، الذي لا يكفي احتياجات أسرة عادية شهرا كاملا، والأمر أسوأ لمن لديهم قروض أو دفعات بنكية.
تراجع 50%
أما المزارع أمين ملحم فيقول إن “حركة الشراء هذا العام تراجعت نحو 50% وأغلب المضحين هذا العام من أصحاب رؤوس الأموال، أما المواطن العادي سواء كان موظفا أم عاملا فيستحق الصدقة”.
ويقول أحمد سواعدة، الموظف بوزارة التربية والتعليم ويعمل بشكل محدود في تجارة الأغنام لتوفير احتياجات أسرته، إن الحركة التجارية راكدة، والموظف لا يستطيع أن يضحي أو أن يعيش بالحد الأدنى من متطلبات الحياة من دون البحث مصدر دخل آخر.
ويختصر نبيل الشحاتيت -واحد من نحو 225 ألف فلسطيني منعهم الاحتلال من التوجه إلى أماكن عملهم داخل الخط الأخضر منذ بدء العدوان على غزة- المشهد بقوله “المضحون هذا العام هم رجال الأعمال، أما العمال والموظفون فلا يملكون ثمن أقل أضحية”.
أما محمد العواودة، وهو مدير مدرسة، فافتتح ملحمة (جزارة) كمصدر رزق آخر، ويوضح أن “الفرق شاسع بين تجارة العام الماضي وهذه السنة، فالقدرة الشرائية ضعيفة جدا هذا العيد.. على سبيل المثال اشترك العام الماضي 62 مواطنا في أسهم الأضاحي من العجول، أما هذا العام فلم يشارك سوى 12 شخصا”.
وذكر أن الأضحية مع أنها عبادة، لم تعد من أساسيات الحياة، وثمة أشياء كثيرة مقدمة عليها بالنسبة للمواطن الفلسطيني في مقدمتها المأكل والمشرب.
وقال العواودة إن المضحين هذا العام “هم من التجار وأصحاب المهن، ويغيب العمال وموظفو الحكومة”.
الوضع الاقتصادي
ووفق معطيات الاتحاد العام لعمال فلسطين، التي حصلت الجزيرة نت على نسخة منها، فإن عدد الفلسطينيين الذين كانوا يعملون داخل إسرائيل وفي المستوطنات قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 يقدر بنحو 225 ألفا، كانوا يضخون نحو 1.35 مليون شيكل (نحو 365 مليون دولار) إلى السوق الفلسطيني شهريا.
وتفيد المعطيات بأن نسبة البطالة في الضفة ارتفعت إلى نحو 50%، ليصبح العدد الإجمالي للعاطلين عن العمل نحو 500 ألف.
على الصعيد الرسمي، ذكر تقرير نشرته وكالة الأنباء الرسمية الفلسطينية (وفا) في مايو/أيار الماضي أن إسرائيل تحتجز نحو 6 مليارات شيكل (1.62 مليار دولار) من الأموال الفلسطينية بذريعة أن السلطة تدفع مثلها لعائلات أسر الشهداء والجرحى وقطاع غزة.
ووفق بيانات حكومية، فإن العدوان على غزة قلّص حجم المقاصة من حوالي مليار شيكل (260 مليون دولار) شهريا إلى نحو 700 مليون شيكل (1.9 مليون دولار)، يتم الخصم منها، إضافة إلى انكماش النشاط الاقتصادي بين 40% و50%.
ووفق وكالة “وفا”، انخفضت قيمة المقاصّة، وهي عائدات ضرائب على الواردات إلى السوق الفلسطيني تجبيها إسرائيل نيابية عن السلطة في الموانئ، خلال الأشهر الماضية بنسبة 60%.
ويضاف إلى الخضم السابق نحو مليار شيكل تخصم من أموال المقاصة بدل استهلاك كهرباء ومياه خصوصا في قطاع غزة، في وقت لم يصل فيه دعم دولي ملموس للسلطة الفلسطينية.
وبحسب بيانات وزارة المالية، فإن الحكومة الفلسطينية الجديدة تسلمت مهامها بمديونية عامة تجاوزت 11 مليار دولار.
ومع تهديد وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش بوقف التعامل مع البنوك الفلسطينية ردا على قرار عدد من الدول الاعتراف بدولة فلسطين، يتوقع خبراء أن تعيش الضفة الغربية المحتلة ظروفا اقتصادية صعبة خلال الشهور القادمة إذا تم تنفيذ التهديد، لأنه سيؤثر على حركة التجارة والحوالات الواردة من الخارج.