هيفي النيوزيلندية.. وجهة سياحية تجتمع فيها الجبال الثلجية والغابات الكثيفة والطيور النادرة | أسلوب حياة
تزخر نيوزيلندا بمسارات التجول والجزر الصغيرة ذات المناظر الطبيعية الخلابة، سواء من قمم جبلية مغطاة بالثلوج، أو غابات كثيفة ذات أشجار عالية، أو حتى الشواطئ الساحرة والطيور النادرة.
ويعتبر مسار هيفي الأطول في نيوزيلندا، إذ يمتد بطول 78 كيلومترا، ويوفر للسياح فرصة للاستمتاع بجولات التنزه سيرا على الأقدام والتجول لمسافات طويلة، ويمتاز بتنوع المناظر الطبيعية.
طيور التاكاهي
وفي منتصف مسار التجول يشاهد السياح اثنين من طيور التاكاهي في حجم الديك الرومي وبريش أزرق ومنقار أحمر. وتعتبر طيور التاكاهي بمثابة أسطورة وسط الطيور النادرة والغريبة في نيوزيلندا؛ حيث كان يعتقد أن هذه السلالة قد تعرضت للانقراض حتى إعادة اكتشافها مرة أخرى في جبال “مورشيسون” في عام 1948.
وقد تم إطلاق 30 طائرا من هذا النوع في البرية قبل 6 سنوات في منطقة “غولاند داونز”، وهي عبارة عن هضبة مرتفعة تقع في شمال غرب الجزيرة الجنوبية، وعلى الرغم من عدم إمكانية مشاهدة هذه الطيور في المناطق المحمية الأخرى، فإنه يمكن للسياح مشاهدة هذه الطيور النادرة أثناء التنزه على مسار التجول “هيفي”.
نقطة البداية
وتمثل منطقة “براون هات” نقطة البداية لمسار التجول، الذي يبدأ في الصعود بلطف ليمر بين أشجار الزان وشجيرات المانوكا ونباتات السراخس، وترفرف حمامات فاكهة الماوري وتغرد الطيور بأصوات عجيبة، وفي بعض الأحيان تنفتح الغابة جهة اليسار لتكشف عن سلسلة جبال “دوغلاس رانج” المغطاة بالغابات الكثيفة ونهر “أورير” بمياهه الفيروزية الرقراقة وقاعه المغطى بالحصى.
وقد سارت قبائل “الماوري” على هذا المسار الواصل بين الخليج الذهبي “غولدن باي” والساحل الغربي منذ 900 عام.
وشهد عام 1893 الانتهاء من تمهيد هذا المسار وكان بعرض مترين، وكان مخصصا للعربات، التي تجرها الثيران وخيول النقل.
وما يزال المسار يخدم عشاق التجول والتنزه سيرا على الأقدام، والذين يحملون حقائب الظهر الكبيرة وأكياس النوم معهم والأطعمة والمشروبات، التي تكفيهم لـ4 أيام.
وعند الوصول إلى قمة هذه المرحلة يمكن للمتجولين إلقاء حقائب الظهر على الأرض، بعد الوصول إلى أعلى نقطة في هذه الجولة عند ارتفاع 915 مترا فوق مستوى سطح البحر، وهنا ينعم السياح بإطلالة رائعة على شجيرات الكورديل وحتى الجبال المغطاة بالغابات.
كوخ “بيري ساديل”
ولا تقل روعة المناظر الطبيعية من كوخ “بيري ساديل”؛ حيث ينعم السياح بإطلالة رائعة على الطبيعة المحيطة بالكوخ أثناء وجودهم في غرفة المعيشة. وعندما يحل الظلام تظهر مناظر بانورامية رائعة من النوافذ وتضيء لمبات صغيرة من السقف بفعل أيدي سحرية، وذلك بفضل الألواح الشمسية.
وخلال الجولة على مسار هيفي يشاهد السياح طيور الكيوي، وكذلك الحلزون العملاق ذا الصدفة الكبيرة، التي يصل قطرها إلى 9 سنتيمترات. ويأكل هذا الحلزون ديدان الأرض، ومن أجل حماية هذه الأنواع النادرة فقد تم دمج المحميات الصغيرة في عام 1996 لتكوين المحمية الطبيعية “كاهورانجي”، والتي تعتبر ثاني أكبر محمية طبيعية في نيوزيلندا.
وتحت المظلة ينعم السياح بفرصة الاستمتاع بجمال الطبيعة والتأمل فيما حولهم، وتتدفق جداول المياه المشوبة باللون البني من مادة التانين الموجودة في الأشجار عبر وديان السافانا، كما أن صخور الحجر الجيري المستديرة والمصقولة تشبه الصخور السوداء في محمية “سيرينغيتي” في تنزانيا.
بحر ونخيل وآثار
وخلال المساء، يمكن للسياح مشاهدة البحر يتلألأ من بعيد لفترة وجيزة، ويعتبر البحر هو وجهة المرحلة التالية من الجولة، وعند النزول إلى الساحل تصبح الغابة أكثر خصوبة مع كل كيلومتر ويطغى عليها الطابع شبه الاستوائي، وتتدفق المياه من الجداول والأنهار الصغيرة وتتساقط أشجار السرخس.
وتشكل أشجار النخيل الأصلية الوحيدة في نيوزيلندا مع شجيرات السرخس، ممرات جيدة التهوية، ومن خلال الفتحات الموجودة في الأوراق وسعف النخيل يشاهد السياح نهر هيفي وهو يتلألأ في مضيقه، وقد أطلقت “قبائل الماوري” على هذا النهر اسم “واكابواي”، أي النهر الذي تصرخ فيه أنثى طيور الكيوي.
وعلى مقربة من مصب النهر يمكن سماع أصوات أمواج البحر المتلاطمة قبل أن يصل إليها، وقد قامت قبائل الماوري ببناء قرية في هذه المنطقة خلال القرن الـ13.
وقد اكتشف علماء الآثار بدءا من عام 1961 فؤوسا مصنوعة من اليشم، وخطافات صيد الأسماك ومواقع مرصوفة بالحجر، وهو ما جعلها من أهم المواقع الأثرية في نيوزيلندا، إلا أن فيضان النهر جرف ثلثي القرية.
كوخ “هيفي”
ويمتاز الكوخ “هيفي” المجاور بأنه أكثر أمانا، ويشاهد السياح عشرات من طيور الويكا منتشرة على العشب أمام الكوخ، ويظهر من الشرفة منظر طبيعي بديع؛ حيث يمكن للسياح مشاهدة البحر والمنحدرات الجبلية المغطاة بغابة من أشجار النخيل.
ومع غروب الشمس تبدو السماء مزينة بالسحب المتوهجة، ولا يمكن الذهاب إلى البحر، وتحت الصخور البارزة يسبح زوج من أوز الجنة مع 7 فراخ، وعلى الجانب الأيسر يمتد الشاطئ الرملي الواسع بشكل لا نهائي، ومن خلف الكثبان الرملية ترتفع السلاسل الجبلية الواحدة تلو الأخرى.
وفي اليوم الأخير في الجولة تصل المتعة إلى ذروتها؛ حيث يمر مسار التجول من خليج إلى خليج عبر غابة من أشجار النخيل، وتتساقط المنحدرات المغطاة بالغابات كخيوط من السحب في البحر، وتنتشر الأخشاب على الرمال ويتناثر رذاذ الماء على الصخور.