“القادرية” شرق أفريقيا.. وفاء للجيلاني المؤسس | سياسة
كانت الحبشة أول بلاد دخلها الإسلام خارج جزيرة العرب، وفيها ظهرت إمارات إسلامية كان لها فضل كبير في انتشار الإسلام في أفريقيا، وكانت هرر (مدينة في أقصى شرق إثيوبيا) أكبرها وأشهرها.
وفيها وُلد أحمد بن إبراهيم سنة 1506، ودرس العلوم الشرعية على يد شيوخها وعلمائها، ثم سافر إلى اليمن وهناك التقى برجال الطريقة القادرية، فتأثر بهم أيما تأثر.
وبينما هو في اليمن، تعرضت إمارة إسلامية في الصومال لهجوم قاده بطريرك حبشي، فقتل أهلها وسلب ونهب أموالهم، وسبى أم أميرها، وكانت إمارات إسلامية كثيرة تحت نفوذ إمبراطور الحبشة.
حرب وانتصار
عاد أحمد بن إبراهيم إلى هرر محاولا إقناع أميرها بالخروج عن سيادة إمبراطورية الحبشة، لكنه لم يجد آذانا صاغية، فثار عليه لكن ثورته فشلت فالتجأ إلى بلاد أبت في الصومال، وصار يدعو المسلمين إلى التوحد وتشكيل قوة تحميهم من مظالم الأحباش.
وسرعان ما تم له ذلك ولما يجاوز سن الـ30، لكن أبا بكر (سلطان هرر) رأى أن الشيخ أحمد بن إبراهيم يشكل خطرا عليه فأرسل إليه جيشا يقاتله لكنه انهزم، وبعد ذلك سقطت إمارة هرر في يد الشيخ ابن إبراهيم.
وأعلن استقلال الإمارة عن إمبراطورية الحبشة فقامت الحرب بين المسلمين والنصارى، واتخذ المسلمون راية عليها شعار “بسم الله الرحمن الرحيم، إنا فتحنا لك فتحا مبينا، نصر من الله وفتح قريب”.
وبعد حرب دامت 8 سنوات دخلت جيوش المسلمين مدينة أكسوم عاصمة إمبراطورية الحبشة حينها، وقد بسطت نفوذها على كامل الإمبراطورية سنة 1537. ودامت سيطرة المسلمين 4 سنوات إلى أن وصلت أساطيل البرتغال مسلحة بالمدافع، فاستشهد الشيخ أحمد بن إبراهيم بعد معركة ملحمية دامت 3 أعوام.
ولكن السنوات القليلة التي حكم فيها المسلمون شهدت فيها الحبشة أكبر موجة لاعتناق الإسلام، كما يذكر المستشرق البريطاني سبنسر تريمينغهام في كتابه “الإسلام في إثيوبيا”.
أما الطريقة القادرية فلم يُكتب لها الانتشار مع الشيخ أحمد بن إبراهيم الذي قتل وعمره 37 سنة، وقد بقيت هرر عاصمة لمسلمي الحبشة الذين صاروا يشكلون ثلث سكان البلاد، بينما زاد عدد مساجدها وزواياها الـ200، وبعضها جاوز عمره ألف عام، مما جعل اليونسكو تعتبرها رابع أقدس مدينة لدى المسلمين.
انتشار
وفي الربع الأخير من القرن الـ15، وصل الشيخ أبو بكر العيدروس إلى هرر قادما من اليمن وكان متصوفا كبيرا، ولكن طريقته لم تنتشر بين الأفارقة، إذ كانت عائلية مغلقة، وكان على أفارقة شرق أفريقيا أن ينتظروا 3 قرون حتى مجيء الشيخ حسن جبرو إلى الصومال عام 1819، وكان من كبار شيوخ الطريقة القادرية.
وعلى ضفة نهر جوبا أسس الشيخ جبرو أول مستوطنة لجماعة صوفية بهدف زراعة الأرض واستخراج خيراتها، وسرعان ما كبرت جماعته وصارت المستوطنة بلدة سُميت باسم “سبنسر تريمينغهام”.
وأصبح لمدرسته مئات المريدين والطلبة، كان الشيخ أويس محمد البراوي واحدا منهم وأشهرهم، وانتشرت طريقته القادرية الأويسية جنوبا عبر الساحل الشرقي للقارة فدخلت جزيرة لامو في كينيا وزنجبار في تنزانيا.
سنة 1884 سمع سلطان زنجبار برغاش عن الشيخ أويس البراوي فدعاه إليه وسلمه مقاليد التعليم والثقافة في الجزيرة، وكان الشيخ البراوي صوماليا ولم يرقه ما وجده من قلة طلبة العلم من الأفارقة الذين شكلوا نصف سكان الجزيرة، وكان جلهم خدما ورقيقا لدى العرب الحاكمين.
فكان أول ما فعله أن فتح أبواب المدارس وطلب العلم في وجوه الأفارقة، وكانت هذه هي الخطوة التي غيرت وجه الإسلام شرق أفريقيا.
وبشأن هذه الحيثية، يشرح الشيخ عبد الله فوندي الكونغولي من أصول عمانية، قائلا “لقد وصل الإسلام إلى ساحل أفريقيا الشرقي منذ عهد الدولتين الأموية والعباسية، وقد انتشر عبر الساحل مع التجار العرب طوال قرون، ولكنه لم يدخل إلى أعماق القارة”.
ويضيف أن السبب الرئيسي كان هو “أن جل العرب كانوا مهتمين بالتجارة أكثر من الدعوة، وما داموا يجدون من يبيعهم العاج والذهب والعبيد قريبا من السواحل فلا حاجة للتعمق في القارة”. “والأمر الثاني أنه عبر قرون من إقامة العرب في لامو وزنجبار وغيرهما لم يهتموا كثيرا بفتح المدارس للأفارقة، فكان قلة من الخدم من وصلوا لدرجة عالية في العلم”.
وهنالك أسباب أخرى في الإجمال جعلت الإسلام يقف عند السواحل الشرقية ويظل يُنظر له على أنه دين النخبة الإقطاعية، أما حين ظهر دعاة مثل الشيخ أويس البراوي الذي اهتم بتعليم الأفارقة وتحريرهم فقد ظهر منهم علماء ودعاة حملوا الإسلام إلى قراهم البعيدة، وفق فوندي.
مركز لنشر الإسلام
وعن الفرق الذي أحدثه الشيخ البراوي يستطرد “وإذا علمنا أن المسلمين استوطنوا جزيرة لامو (قبالة كينيا) قبل زنجبار (قبالة تنزانيا) بمدة ونشطت فيها تجارتهم بالدرجة نفسها، وأن نسبة المسلمين في كينيا لا تتجاوز 15% رغم أنها أقرب إلى الجزيرة العربية، بينما النسبة في تنزانيا تتجاوز 70%، فحينها سنفهم الفرق الذي أحدثه الشيخ أويس في زنجبار، إذ جعلها قاعدة لنشر الإسلام أكثر منها قاعدة للتجارة”.
وكان من أوائل طلبة الشيخ أويس البراوي ومريديه المخلصين الشيخ عبد الله مجانا خيري من الصومال، والشيخ مزي فريجي من العبيد الملاويين، والشيخ محمد رمية من العبيد الكونغوليين.
وقد ساهم هؤلاء الثلاثة في تضييق دائرة تجارة الرقيق، كما يعزى لجهودهم إسلام الملايين في تنزانيا وأوغندا والكونغو وموزمبيق ومدغشقر وملاوي التي صار ثلثها مسلمين.
وقد أسس الشيخ محمد رمية مدرسة في باجامويو (تنزانيا) خرجت بدورها عشرات الدعاة الذين ما زال الإسلام والطريقة القادرية ينتشران بفضلهم. وما زالت المدرسة وفية لشيوخ الطريقة القادرية، إذ كُتب على ناصية بابها “لا إله إلا الله محمد رسول الله.. الشيخ عبد القادر الجيلاني صفي لله.. الشيخ أويس ولي الله”.