“بيت الواحة”.. فنان مصري يضع تنيدة على خارطة السياحة عبر متحفه الخاص | أسلوب حياة
تُشتهر تنيدة بأنها الواحة المصرية التي لجأ إليها الثوار الليبيون بعد إعدام زعيمهم عمر المختار، فتوجهوا من الكُفرة في ليبيا إلى الصحراء الغربية المصرية، وهناك شارفوا على الموت، وحوصروا بين الجوع والعطش ورمال صفراء لا تنتهي.
وحين انقطعت بهم السبل، وصارت كل الأحلام سرابا، ظهر المستكشف الإنجليزي باتريك كلايتون، الذي أمضى قرابة 20 عاما من عمره مسّاحا في الهيئة المصرية العامة للمساحة، ليشارك في رسم خرائط مناطق كبيرة من الصحراء المصرية لم يكن تم “تخريطها” من قبل.
وفي تنيدة كان القدر في انتظار الفارين من الكفرة في ليبيا ومعهم كلايتون الذي أسس خريطة الواحة المفقودة، وكان مصدر الإلهام لشخصية بيتر مادوكس في فيلم “المريض الإنجليزي” (The English Patient) المأخوذ عن رواية حملت ذات الاسم.
وفي الرواية والفيلم، كان هناك قدر آخر ينتظر تنيدة المصرية، والتي تمتلك من بين ما تمتلك من آثار طبيعية، “كهف السباحين” – كما ظهر في الفيلم البريطاني- أو “كهف تنيدة” كما يطلق عليه فنان النخيل، عادل العمدة، صاحب متحف الواحة وموثق تاريخها.
بيت الواحة.. كهف العمدة في تنيدة
في “بيت الواحة” افتتح عادل العمدة متحفه التراثي للحفاظ على إرث تنيدة وتاريخها من الاندثار وراء المدنية التي حولت جميع مظاهر الحياة القديمة في الواحة التابعة لمركز بلاط بمحافظة الوادي الجديد، جنوبي غرب مصر.
ويتكون بيت الواحة الذي صممه العمدة على طرق البناء القديمة، والمعتمدة على الطوب اللبن، والسقف المجدول من الجريد، كما استعان بأعتاب الأشجار الخشبية في تصاميم أبواب الغرف الخمسة التي يضمها البيت التنيدي.
يقول العمدة للجزيرة نت “هذا البيت هو عمري. ليس مجرد جدران وأبواب وأشكال تراثية تلفت نظر المهتمين بالتراث والسياحة، بل هو المكان الذي أفنيت فيه عمري، وصنعت بداخله حلمي الوحيد الذي لم يكن ليولد لولا أنني ابن لهذه البيئة”.
ولم يكن الفنان المصري يفكر في أن كهفه الذي صنعه لحفظ تراث الواحة القديم، سيكون منطلقا تنفتح منه الأبواب لواحة تنيدة، لتعيدها مرة أخرى على الخريطة السياحية المصرية.
ورغم أن يعمل في الزراعة التي لم يتركها حتى بعد افتتاح المتحف، فإنه كان يقضي 5 ساعات يوميا أمام كهفه الفريد ليصنع من الأشجار وجذوع النخيل والجريد على مدى 20 عاما، تلك المنحوتات الفخارية، والجداريات المستوحاة من البيئة، إضافة إلى اللوحات الفنية الفريدة التي جسدت تاريخ الواحة على مر الزمان.
النخيل.. ارتباط وجداني ووفرة مواد
وبحسب الفنان المصري، فإن أهالي واحة تنيدة ساهموا في استمرار وإنجاح المتحف، “ولولا مساعدتهم وإمدادهم لي بمخلفات جريد النخيل وجذوعها، لإعادة استخدامها في القطع التي أقوم بنحتها، ما كنت أستطيع استكمال مهمتي في الحفاظ على الإرث التنيدي”.
كما ساهم اختيار مخلفات النخيل لاستخدامها في النحت بتوفير تكاليف كبيرة، إضافة لكونها أكثر قدرة على التعبير عن البيئة الأصلية للواحة، “فالمادة المستخرجة من المخلفات بعد حرقها، كانت هي الأنسب والأرخص والأكثر توفرا أمام عادل العمدة في قريته”.
هذا فضلا عن الارتباط الوجداني بين المصريين والنخلة، خاصة في المناطق الصحراوية التي تشتهر بزراعة النخيل وإرثه الممتد بين الأجيال “والعمل على تهذيب النخل يحدث مرة كل عام، ومنه أحصل على مخلفات النخيل التي احتاجها في عملية النحت، وبعدها أبدأ في تهيئة المخلفات الناتجة عن عملية التهذيب، وجعلها صالحة للاستخدام في الأعمال الفنية المختلفة”، يقول للجزيرة نت.
أما جذوع النخل، فهي متوفرة بكثرة على مدار العام، وتمتاز بأنها خفيفة الوزن وسهلة التشكيل، كما أنها صلبة للغاية، مما يساعد في الحفاظ على المنحوتات لزمن قادم.
مجسمات تحاكي العادات القديمة
ويحتوي “بيت الواحة” أو “كهف العمدة” -كما يطلق عليه أبناء تنيدة- مجسمات منحوتة للحرف القديمة بالواحة، ومجسمات لنساء القرية أثناء قيامهن بالمهام اليومية قديما، بالإضافة لنماذج مجسمة للجلسات العرفية بالقرية القديمة، ونماذج من العادات المرتبطة بالأفراح وليلة الحنة.
يشار إلى أن العمدة ومتحفه البيئي حازا شهرة واسعة داخل مصر وخارجها، فأضحى من أهم الأماكن على الخريطة السياحية للواحات المصرية، كما اهتمت بالتسويق له بعض وزارات الحكومة المصرية، وشارك في معارض “ديارنا” المهتمة بالأعمال اليدوية.