سعي البرهان لتغيير الوثيقة الدستورية يفجر جدلا قانونيا وسياسيا بالسودان | سياسة
الخرطوم- أثار إعلان ياسر العطا، عضو مجلس السيادة السوداني ومساعد القائد العام للجيش، أن رئيس المجلس عبد الفتاح البرهان سيلغي الوثيقة الدستورية ويعلن أخرى جديدة، نقاشا قانونيا وسياسيا.
وقال العطا إن البرهان “سيعين رئيس وزراء مستقلا، توطئة لتشكيل حكومة جديدة”، في خطوة طال انتظارها رغم وعود البرهان المتكررة كان أبرزها أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول 2023 بتشكيل وزارة مؤقتة تدير البلاد إلى حين توقف الحرب وتوافق القوى السياسية على فترة تأسيسية انتقالية.
وفي أغسطس/آب 2019، وقع كل من المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير (الائتلاف الحاكم)، وثيقتي “الإعلان الدستوري” و”الإعلان السياسي”، بشأن هياكل وتقاسم السلطة بين العسكريين والمدنيين خلال الفترة الانتقالية.
ثم أدخلت تعديلات على الوثيقة الدستورية عندما صادق عليها مجلسا السيادة والوزراء في أكتوبر/تشرين الأول 2020 شملت اعتبار اتفاق جوبا لسلام السودان الموقع في أكتوبر/تشرين الأول 2020، بين حكومة السودان الانتقالية، وأطراف العملية السلمية “جزءا لا يتجزأ منها”.
ومن أبرز التعديلات أيضا تشكيل مجلس جديد في البلاد تحت مسمى “مجلس شركاء الفترة الانتقالية”، يختص بالفصل في الاختلافات التي قد تنشأ بين الأطراف السياسة المختلفة، بجانب بدء حساب الفترة الانتقالية، التي كانت محددة بـ39 شهرا.
وفي أكتوبر/تشرين الأول 2021، أعلن البرهان، حالة الطوارئ في السودان، وحل مجلسي السيادة والوزراء الانتقاليين، وتعليق العمل ببعض بنود الوثيقة الدستورية الخاصة بإدارة المرحلة الانتقالية والشراكة مع قوى الحرية والتغيير.
لا سلطة للبرهان
ويرى خبراء قانونيون أن الدستور يجب أن يصدر عن مؤتمر دستوري أو جمعية تأسيسية، وليس عن سلطة سيادية.
وفي هذا السياق، يقول رئيس اللجنة القانونية في تحالف قوى الحرية والتغيير السابق والخبير القانوني نبيل أديب إن “الوثيقة الدستورية هي دستور الفترة الانتقالية ولا تزال كذلك، ولا يجوز إلغاؤها إلا بواسطة سلطة تأسيسية فرعية، وهي حسب نص الوثيقة الدستورية المجلس التشريعي الانتقالي الذي لم يتشكل”.
ويوضح الخبير القانوني -في تصريح للجزيرة نت- أن الوثيقة الدستورية صدرت في يوليو/تموز 2019 بناء على اتفاق سياسي بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير، ويمكن التوافق عبر حوار سوداني- سوداني على إنشاء سلطة تأسيسية فرعية (مجلس تشريعي) تقر وثيقة دستورية لحكم البلاد.
من جانبه، يقول الباحث السياسي إسحاق آدم إن الوثيقة الدستورية تم إلغاؤها عمليا بانقلاب البرهان على شركائه المدنيين في قوى الحرية والتغيير وإقصائهم عن السلطة في 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021، لأن الوثيقة كانت مصممة على طرفين، قبل أن تلحق بها الحركات المسلحة عبر اتفاق جوبا للسلام.
تعديلات مرتقبة
يعتقد مستشار قانوني في وزارة العدل أن العطا كان يقصد إجراء تعديلات جديدة على الوثيقة الدستورية أو إصدار وثيقة جديدة بعد إنهاء الحرب، عبر مؤتمر حوار سوداني يفضي إلى توافق سياسي بشأن إدارة مرحلة انتقالية جديدة حتى الوصول إلى انتخابات عامة.
ويقول المستشار -الذي فضّل عدم الكشف عن هويته- للجزيرة نت إن الوثيقة الدستورية السارية حاليا تم تعديلها عبر الجهاز التشريعي المؤقت (مجلسي السيادة والوزراء)، الذي كان يصدر التشريعات إلى حين تشكيل المجلس التشريعي الذي كان مقررا أن يتم بعد 3 أشهر من توقيع الوثيقة، ولكن ذلك لم يحدث.
وفي اتجاه آخر، يقول المحامي عبد الله الصادق “يمكن أن يصدر البرهان مرسوما بتعليق العمل بالوثيقة الدستورية، ثم يصدر مرسوما آخر بتعيين مجلس سيادي ويعطي السلطة للمجلس بتعيين رئيس مجلس وزراء، ويشكل حكومة طوارئ بعد إعلان حالة الطوارئ في البلاد”.
وحسب حديث المحامي للجزيرة نت، فإن الخيار سيبقي العمل طوال الفترة التأسيسية الانتقالية بمراسيم أو إصدار مرسوم يعطي سلطة التشريع لمجلسي السيادة والوزراء مجتمعين، وعبرها يتم إقرار وثيقة دستورية يضمن فيها اتفاق جوبا للسلام.
مناورة سياسية
ويرى الباحث إسحاق آدم في حديث للجزيرة نت أن البرهان ظل يناور ويراوغ بشأن تشكيل حكومة جديدة منذ انقلابه، حيث وعد عقب قراراته التي سماها “تصحيح المسار” بأنه سيشكل حكومة ومجلسا تشريعيا ومر على ذلك 30 شهرا، وكلف وكلاء وزارات وبلا رئيس وزراء، حيث سمى موظفا بلغ سن التقاعد بمهام وزارة شؤون مجلس الوزراء، لأنه يريد أن يمسك كل الخطوط ويكرس كل السلطات في يده.
فهناك ضرورة، وفق آدم، لرئيس وزراء فاعل وحكومة مدنية تخاطب العالم بشأن حل الأزمة السودانية والتصدي لقضايا المواطنين الإنسانية وتحسين الخدمات وإصلاح الاقتصاد، لأن غياب الحكومة كان لمصلحة قيادة الجيش المسؤولة عن إدارة الحرب والدولة، مع غياب دور الدولة السياسي والخطاب الإعلامي.
ويرجح الباحث أن يتجه البرهان خلال الأسابيع المقبلة إلى تغيير غالبية الوزراء المكلفين، ويستبعد تسمية رئيس وزراء حسب إعلان ياسر العطا، لأن البرهان يريد أن يكون مركز السلطة، مع حرصه في الوقت نفسه على توجيه رسالة إلى المجتمع الدولي بأنه لا يسعى إلى حكم شمولي، وأن الحكومة الحالية مؤقتة ستنتهي مهامها بنهاية الحرب.