لماذا يتخوف المصريون من قانون تأجير المستشفيات الحكومية؟ | سياسة
القاهرة- لاقى تمرير الحكومة المصرية ونواب الأغلبية البرلمانية لحزب “مستقبل وطن”، الاثنين الماضي، قانون “تنظيم إدارة وتشغيل وتطوير المنشآت الصحية” المعروف إعلاميا بـ”تأجير المستشفيات الحكومية”، إشادة رسمية واسعة، في حين رفضته نقابة أطباء مصر “بسبب عدم إجراء حوار مجتمعي بشأنه”، وطالب حقوقيون الرئيس عبد الفتاح السيسي بعدم التصديق عليه.
وأوضح وزير الصحة خالد عبد الغفار أن السماح للقطاعين الخاص والأهلي بالمشاركة في تقديم خدمات الرعاية الصحية ليس انسحابا حكوميا من دورها، وإنما يسهم في التطوير وتقديم خدمات أفضل، وتحفيز بيئة الاستثمار.
وأكد أن طرح المنشآت الصحية على القطاع الخاص سيكون عبر قنوات كثيرة، تنتهي بإصدار عقد التزام بقرار من مجلس الوزراء، ولن يكون مسؤولية الوزير المختص بمفرده.
تفاصيل القانون
تقول الحكومة -في بيانات رسمية- إن القانون يأتي في إطار المادة (18) من الدستور، التي تنص على أن “تكفل الدولة الحفاظ على مرافق الخدمات الصحية العامة التي تقدم خدماتها للشعب ودعمها والعمل على رفع كفاءتها وانتشارها الجغرافي العادل”.
ويقنن القانون جواز منح إدارة المرافق الطبية العامة للمستثمرين المصريين أو الأجانب، سواء أكانوا أشخاصا طبيعيين أم اعتباريين، وتنظيم آلية المنح، في حين يحظر منح الإدارة على بعض المنشآت والخدمات الصحية الإلزامية التي تقدمها الدولة للمواطنين.
كما يحظرها على الخدمات التي لها بعد أمن قومي ومراكز ووحدات الرعاية الصحية الأساسية وصحة الأسرة وجمع الدم وتجميع البلازما، أو الانتقاص من الخدمات المقدمة للمواطنين، خاصة الوقائية من تطعيمات وغيرها والخدمات الإسعافية المجانية، أو الإخلال بحقوق المنتفعين بأحكام قانون التأمين الصحي الشامل.
ويلزم القانون المستثمر بمواصلة تشغيل نسبة لا تقل عن 25% كحد أدنى قابل للزيادة من العاملين بالمنشأة الصحية، في حين يقيد حق المنشآت الصحية في الاستعانة بأطباء وأفراد هيئة تمريض وفنيين أجانب، بحيث لا يتجاوز عددهم 15% في حد أقصى من إجمالي عدد العاملين بالمنشأة.
وبلغت مخصصات الصحة في الموازنة العامة الجديدة (2024- 2025) 200 مليار جنيه، بتراجع في الإنفاق الحكومي على الصحة من 1.24% إلى 1.17%، وفق تقديرات مؤسسة المبادرة المصرية للحقوق الشخصية (جهة حقوقية مستقلة).
واعتبر رئيس مجلس النواب حنفي جبالي القانون متوازنا يحقق أهدافه ويخلق حالة توازن بين مصلحة الدولة في جذب مستثمرين، وبين عدم المساس أو الانتقاص من الخدمات المقدمة للمواطن، وعدم الإضرار بالطواقم الطبية.
وثمّن -في كلمته بالبرلمان- “سعي الحكومة إلى تطوير المنظومة الصحية وتحسين جودة خدمات الرعاية الصحية المقدمة للمواطن”.
فرصة
في السياق، اعتبر رجل الأعمال محمد أبو العينين، نائب رئيس حزب الأغلبية البرلمانية “مستقبل وطن” ووكيل مجلس النواب، القانون فرصة لتحويل مصر إلى مركز عالمي للخدمات الصحية والعلاجية وجذب المستثمرين العالميين.
وأكد -في بيان له- أن القانون يعد فكرا اقتصاديا خارج الصندوق، يخاطب الشركات العالمية لتوطينها وإقامة مستشفيات كبرى في مصر، حسب تقديره.
في المقابل، أعربت مها عبد الناصر عضو مجلس النواب ونائب رئيس الحزب المصري الديمقراطي (معارض) للجزيرة نت عن قلقها الكبير من تبعات القانون، على الفقراء ومحدودي الدخل، مؤكدة أنه بمنزلة “تخلٍ صارخ من الدولة عن تقديم حق الصحة للمواطنين”.
وبرأي عبد الناصر، فإن الأمور كانت مرتبة قبل إقرار القانون، معللة ذلك بإعلان وزير الصحة -فور إقراره- وجود مستشفيات جاهزة لتفعيله، “وكأنها اتفاقات مسبقة”.
وكشفت عن سعيهم إلى ممارسة الرقابة البرلمانية على المستشفيات التي ستنضم لتطبيق هذا القانون، والدعوة إلى رقابة شعبية شاملة على كافة مجريات التنفيذ “خاصة مع شكها في نجاح رقابة وزارة الصحة على أرض الواقع لعدم وجود نجاح سابق بهذا الشأن”.
من جهته، وصف أمين صندوق النقابة العامة لأطباء مصر، أبو بكر القاضي، تمرير القانون من دون استجابة لمطالبهم بأنه “أمر يثير الإحباط والحيرة”، وقال إن النقابة كانت واضحة وتوجهت -بخطابات رسمية- للبرلمان لرفض تمريره.
وأوضح للجزيرة نت أن القانون يضر بالمريض، خاصة محدودي الدخل، الذين سيواجهون مستثمرا يريد الربح، كما أنه يهدد استقرار 75% من الطواقم الطبية بالمستشفيات ويجعلهم تحت رحمة مصالح المستثمر، مما يهدد ظروفهم الاجتماعية والاقتصادية.
وكشف القاضي عن أن النقابة ستواصل دورها “رغم الإحباط مما حصل” في الرقابة على تنفيذ القانون وإيجاد ضمانات لعدم حدوث ما حذرت منه في لائحته التنفيذية، إلى جانب دعم الطواقم الطبية في مواجهة أي تجاوزات قد يرتكبها المستثمرون.
فشل حكومي
وأرسل نقيب أطباء مصر أسامة عبد الحي خطابا رسميا -اطلعت الجزيرة نت عليه- السبت الماضي إلى مجلس النواب، يؤكد فيه رفض مشروع القانون المقدم من الحكومة، ويحذر من تبعات تأثير تأجير المستشفيات الحكومية التي تقدم خدماتها للمواطنين، خاصة محدودي الدخل.
من جانبها، حددت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية (جهة حقوقية مستقلة) 5 أسباب لرفض القانون، وطالبت رئيس الجمهورية بعدم التصديق عليه “لخطورته على الحق في الصحة”.
وحسب هذه “المبادرة”، فإن القانون يعطل تنفيذ قانون التأمين الصحي الشامل، ويحوّل المنشآت الصحية المملوكة للدولة من هيئات لتقديم الخدمة العامة إلى كيانات هادفة للربح. كما يكرس -برأيها- لانسحاب الدولة، ولا يتضمن أي ضمانات تكفل حق المواطنين في الصحة، وتم تمريره باستعجال من دون حوار مجتمعي أو وجود قدرة رقابية لوزارة الصحة عليه.
بدورها، قالت النقابية والحقوقية المهتمة بملف الصحة منى مينا -للجزيرة نت- “إن كل الدعاية الحكومية للقانون لا تنطلي على طفل صغير، لأنها أعطت مستشفيات الدولة المشيدة بأموال المواطنين على طبق من ذهب للمستثمرين من دون مقابل، من أجل الإدارة والربح، ولا يستطيع أحد الوثوق بمراقبتها لهم”.
وعدّت مينا القانون إقرارا بفشل الحكومة في إدارة المستشفيات وهو ما يعني ضرورة إقالتها أو استقالتها، حسب تصريحها. وأكدت أنه لا مجال لتأجير المستشفيات للقطاع الخاص، معربة عن قلقها من السماح للأجانب بالدخول في هذا المسار، “خاصة المحسوبين على إسرائيل، في ظل سيطرة الشركات العابرة للحدود على هذا المجال”.
وبرأي الحقوقية مينا، فإن الحكومة المصرية أعادت أطروحات قديمة مشابهة سبق أن تم طرحها ورفضها نقابيا ووطنيا عام 2008، كما أعادت “سيناريو خصخصة سوق الدواء المصري وهدم شركات الأدوية الوطنية”. وتوقعت أن يسهم القانون في الإضرار بالخدمة الصحية للمواطنين البسطاء والطواقم الطبية، “وهو ما يتنافى مع ثوابت الأمن القومي المصري”.