ماذا يعني توافق الحكومة والمعارضة في تركيا حول ملف اللاجئين السوريين؟ | سياسة
إسطنبول- في تصريحات غير مألوفة، كشف رئيس حزب الشعب الجمهوري المعارض أوزغور أوزيل، الأسبوع الماضي، عن خطة جديدة يسعى الحزب لتبنيها خلال الفترة القادمة لمعالجة وضع اللاجئين السوريين المقيمين في تركيا.
وأوضح، في مقابلة صحفية، نيّة الحزب بدء مفاوضات مع النظام السوري بمشاركة الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، بهدف تحسين فرص العمل وتوفير الغذاء والسكن للعائدين من تركيا، وعدم الاكتفاء بتوفير المنازل التقليدية من الطوب.
وأشار إلى عدد من الامتيازات الإيجابية التي سيحظى بها مليون و500 ألف طفل سوري وُلِدوا في تركيا، والتي تشمل إمكانية دخولهم إلى تركيا بجواز سفر فقط دون الحاجة لتأشيرة دخول، وإعطائهم الأولوية في القبول للتعليم الجامعي. كما تشمل الامتيازات تخفيف الرسوم السياحية وتوفير الدعم اللازم في تأمين السكن الطلابي.
تغير السياسة
نهاية شهر أبريل/نيسان الماضي، بدأت بعض البلديات التركية التابعة للمعارضة بإزالة اللافتات وقائمات الطعام المخطوطة باللغة العربية من المحال التجارية، بحجة أنها تخالف المعايير التي حددها معهد المعايير التركي. وأثار ذلك -حينها- غضبا بين الأوساط التركية والعربية بسبب اقتصار الحملة على اللافتات المكتوبة بالعربية دون غيرها.
وقال رئيس حزب الشعب الجمهوري المعارض أوزغور أوزيل إن إزالة اللافتات العربية تنطوي على مشكلات كثيرة، من بينها البعد العنصري المتمثل في عدم إزالة لافتات بلغات أخرى، وكذلك البعد المتعلق بالإسلام كون العربية لغة القرآن.
كما تحدث عن مخالفة القانون التركي الذي يسمح باستخدام لغات أخرى في اللافتات شرط أن تشكل هذه النصوص نسبة 25% من اللافتة، وأن يُكتب الباقي باللغة التركية. وخلال تصريحاته، أمس الاثنين في مؤتمر صحفي للحزب في مدينة مانيسا، شدد أوزيل على موقفه قائلا “نحن لسنا أعداء للاجئين، إنما نعارض السياسات التي تجبر الناس على اللجوء”.
وحذر من الانزلاق نحو استخدام خطاب تمييز ضد العرب، مشددا على أن كلمة “العربي” لا ينبغي أن تُستخدم كشتيمة. وأكد أن رؤساء بلديات المعارضة لن يشاركوا في الممارسات الشعبوية المعادية للأجانب. وأضاف أوزيل أن اللغة الأم لنحو 6 ملايين مواطن من أصول عربية في تركيا، هي العربية، وأن عدم احترامها يعني عدم احترام هؤلاء الأشخاص.
من جانبه، قال الرئيس السابق لفرع الشباب في حزب الشعب الجمهوري جوكشان علوكوش للجزيرة نت، إن السياسة التي يتبعها رئيس الحزب أوزيل تُعتبر مسارا جديدا في تاريخ الحزب، حيث لم يسبق للمعارضة وحزب العدالة والتنمية الحاكم أن توافقا على أمر بهذا الوضوح.
وبحسب علوكوش، فهناك الكثير من أعضاء الحزب، بينهم أسماء بارزة، غير راضين عن سياسة أوزغور وتقاربه مع أفكار الحزب الحاكم. وخير دليل على ذلك، يضيف، الانتقادات الحادة التي وجهها الرئيس السابق للحزب، كمال كليجدار أوغلو، الذي بعث رسالة قوية مفادها أن القصر الرئاسي “يجب أن يُحارَب بدلا من التفاوض معه”.
سياسة ناعمة
في لقاء نادر يُعد الأول من نوعه منذ قرابة 8 سنوات، استقبل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الأسبوع الماضي، رئيس حزب الشعب الجمهوري، أوزغور أوزيل في مقر الحزب الحاكم الرئيسي بأنقرة، مما أطلق مرحلة جديدة في العملية السياسية التركية وُصفت بمرحلة “السياسة الناعمة” و”التطبيع”.
برأي الباحث في الشأن التركي أحمد أوزغور، فإن اللقاءات الأخيرة بين قادة الأحزاب السياسية تختلف كليا عن المشهد الذي كان سائدا بعد محاولة الانقلاب في 2016، كما أنها تأتي في ظروف مستقرة وخالية من الأزمات الكبرى، وهو ما يضفي أهمية بالغة عليها.
وقال أوزغور للجزيرة نت إن الأوساط السياسية التركية باتت تنظر إلى أوزيل بأنه يمثل تيارا جديدا يسعى لتحقيق التوافقات السياسية بعيدا عن التقلبات والخلافات السابقة، إذ يفضل تبني نهج يركز على احترام المنصب والتعاطي البنّاء بدلا من الاستمرار في الجدال حول شرعية الرئيس، مما يعزز فرص حزب الشعب الجمهوري في أن يصبح بديلا قويا للسلطة الحالية مستقبلا، حسب تقديره.
وأكد الباحث أوزغور أن التحول نحو مرحلة جديدة من التهدئة قد يغير المشهد السياسي في تركيا، مما يسمح بنقاشات أوسع حول القضايا الرئيسية بطريقة تتجاوز ما نعته بالجمود السياسي الحالي.
وبلغ عدد اللاجئين السوريين المقيمين تحت بند “الحماية المؤقتة” في تركيا، 3 ملايين و115 ألفا و844 شخصا، بحسب البيانات الصادرة عن دائرة الهجرة التركية مطلع شهر مايو/أيار الجاري.
فوائد
وفي تصريحاته الأخيرة، دافع نعمان كورتولموش، رئيس البرلمان التركي، بشدة عن قضية وجود اللاجئين السوريين في تركيا، معتبرا ذلك الخيار الوحيد المتاح لهم “لضمان البقاء على قيد الحياة”.
كما أكد أن تركيا تستضيف أكبر عدد من المهاجرين في العالم منذ عام 2014، وأن هذا يعكس الدور الكبير الذي تلعبه البلاد في مجال المساعدات الإنسانية، خصوصا تجاه اللاجئين.
تتسم السياسة التركية بالترحيب باللاجئين السوريين، وهو ما جدد تأكيده الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في عدة تصريحات، منتقدا المحاولات التي تسعى لاستغلال قضية اللاجئين من أجل مكاسب شخصية.
وتعهد أردوغان في خطابه -الأسبوع الماضي- باتخاذ إجراءات أكثر حزما وردعا لمواجهة جرائم الكراهية في البلاد، وقال “الوطنية لا تعني قمع المضطهدين الذين لجؤوا إلى بلدنا، حماية الوطن لا تعني التمييز أو تحويل السياح والطلاب واللاجئين الأجانب إلى أهداف للكراهية”.
من جانبه، أوضح المحلل السياسي جوكهان بولوت للجزيرة نت، أن المرحلة الحالية من التقارب السياسي قد تعود بفوائد جمة على اللاجئين السوريين المقيمين في تركيا.
وبرأيه، فإن الحكومة التركية تبذل جهودا ملموسة لتحسين الظروف المعيشية لهؤلاء اللاجئين، بينما تبدو المعارضة مستعدة للتخلي عن سياسات التضييق المفروضة عليهم بهدف دعم أجندتها الخاصة.
وحذر بولوت من وجود معارضين للسياسات الحالية داخل حزب الشعب الجمهوري ومن زعماء أحزاب أخرى، مما قد يؤدي إلى نتائج غير مرغوبة بما في ذلك إطلاق حملات إلكترونية جديدة تستهدف اللاجئين السوريين في المستقبل القريب.