المفكر الفرنسي أوليفييه روا: علمانية فرنسا سيئة وأوروبا لم تعد مسيحية | ثقافة
في حواره مع الجزيرة نت انتقد المفكر الفرنسي الكبير أوليفييه روا مسار تطور العلمانية وأثرها السلبي على الدين والممارسة الدينية المسيحية؛ حيث يرى مؤلف “الجهل المقدس” إن العلمانية لم تعنِ في البدء اختفاء الدين بل تراجع تأثيره في الحياة اليومية والسياسات العامة، مثل التعليم والصحة.
إلا أن روا -الذي عمل مدير أبحاث مركز البحوث العلمية ومدير دراسات المدرسة العليا للعلوم الاجتماعية الفرنسي- يرى أنَّ المبادئ المسيحية واجهت تحديات أكبر مع تغير القيم حول الأسرة خاصة، وذلك بعد الستينيات، أي مع الثورة الثقافية التي تبنت حقوق المثليين وقضايا أخرى مثل الإجهاض، وهو ما أدى إلى تناقص تأثير الكنيسة، حتى في بلدان مثل بولندا التي كانت تُعتبر معاقل كاثوليكية.
كما أن العلمانية حسب أوليفييه روا لم تتوقف في فرنسا في القانون الفاصل بين الكنيسة عن الدولة، بل تطورت لتشملَ ممارسات دينية أخرى خصوصا بظهور الإسلام في المجال العالم الفرنسي، ليتحول النقاش الفرنسي ليس فقط نحو الإسلاموفوبيا بل حول معاداة الدين بشكل عام، وهو ما يشير إلى تعقيد الوضع الفرنسي مقارنة بدول أوروبية أخرى حيث الدين لا يزال جزءا من الحياة العامة.
هذه المعطيات جعلت من حقبة الرئيس إيمانويل ماكرون حسب المفكر أوليفييه روا مليئة بالصدمات مع الإسلام والمسلمين، لأنها تجسدُ أعلى مراتب الاستهداف للتعابير الدينية في الأماكن العامة وهو ما يؤدي إلى تفاقم استعداء المسلمين في فرنسا، فإلى الحوار:
-
هل أوروبا ما زالت مسيحية؟ وهل لا تزال القيم المسيحية المرتبطة بالأسرة والفضاءات الخاصة قائمة داخل المجتمعات الأوروبية في الحقبة العلمانية؟
من الناحية الثقافية ومن الناحية التاريخية، ومن زاوية النظر المؤسساتية كذلك كانت الكنيسة الكاثوليكية، على سبيل المثال، في العصور الوسطى، المؤسسة الأوروبية، بحكم التعريف، وكان الجميع أعضاء في الكنيسة الكاثوليكية، من أيرلندا إلى إيطاليا وألمانيا. لذلك لا يمكننا نفي ولا تجاهل هذا التراث، إلا أن ثمة شيئا حصل، كما تعلمون، في حوالي القرن الـ18 في فرنسا، والذي امتد إلى سائر أوروبا إلى حدود القرن الـ20؛ وهو متمثل في “العلمانية” (secularism).
العلمانية لا تعني أن الناس سيصبحون ملاحدة أو ضد الدين، يعني فقط أن الدين ليس مهما جدا لهم؛ يعني أن الناس يتوقفون عن الذهاب بانتظام للكنيسة، يتوقفون عن توريث الكنيسة لثرواتهم بعد وفاتهم، وهو ما بدأ يتناقصُ شيئا فشيئا في إعطاء أموالهم ومنازلهم للكنيسة.
و”الدولة” أنشأت أنظمة تعليم علمانية وأنظمة صحة علمانية؛ لذلك لم تعد الكنيسة مهمة جدا لحياتهم اليومية. الكنيسة توقفت عن احتكار الجامعات والمستشفيات وغيرها من المؤسسات هذا الإنتقال يجعلُ من علاقة الدولة بالكنسية ظاهرة ثقافية واجتماعية امتدت على مدار قرنين أو 3، تتسم بغير التكافؤ.
ربما تكون فرنسا الدولة الأوروبية الأكثر علمنة، ربما تكون بولندا الدولة الأوروبية الأكثر كاثوليكية، وكانت أيرلندا الأكثر كاثوليكية جدا قبل 50 عاما، وفجأة تمَّ علمنتها خلال جيلٍ واحد.
العلمنة لا تعني “محاربة المسيحية” بالضرورة؛ المسيحية على سبيل المثال، في القرن الـ19، تشهدُ أن الناس لا يذهبون دائما إلى الكنيسة، تتوقف عن التفكير عن الدين يوميا، لكن قيم وأعراف المجتمع تظل مسيحية، ولكن حدث شيء آخر، في أواخر القرن الـ20 وهو ما أسميه “نزع المسيحية”؛ ولا يعني فقط أن الناس لم تعد تذهب إلى الكنيسة أو التوقف في القيام بالأعمال التدينية، بل يعني أن القيم تغيرت، أن القيم الأخلاقية (تعريف العائلة ومفهوم الحياة الجنسية) أصبحت معادية للقيم المسيحية التقليدية
لكن العلمنة لا تعني “محاربة المسيحية” بالضرورة؛ المسيحية على سبيل المثال، في القرن الـ19، تشهدُ أن الناس لا يذهبون دائما إلى الكنيسة، تتوقف عن التفكير عن الدين يوميا، لكن قيم وأعراف المجتمع تظل مسيحية، على سبيل المثال، كما تعلمون، تعريف الأسرة، النظرة للحياة الجنسية تظلُ وفقَ المنظور المسيحي إلى حدود آخر 60 عاما الأخيرة؛ والمثلية كانت ممنوعة ومجرمة في معظم الدول الأوروبية، والأطفال الذين يولدون خارج رباط الزوجية لم تكن أجهزة الدولة تعترفُ بهم، وعليه فإن القيم والمبادئ في أوروبا كانت تنتمي إلى القيم العلمانية المسيحية والوضع ذلك على حاله إلى الخمسينيات وأوائل الستينيات من القرن الـ20.
هذا الاختلاف بين المسيحية والثقافة الأوروبية حدثَ في آخر 60 عاما الأخيرة فقط، إلا أننا شهدنا منذ ذلك الوقت تسريعا لهذا الاختلاف، وبعد هزيمة الكنيسة الكاثوليكية في بولندا انضمت بولندا إلى الاتجاه السائد، والآن لا نملكُ أي حكومة تتبعُ القيم والمبادئ المسيحية
ولكن حدث شيء آخر، في أواخر القرن الـ20 وهو ما أسميه “نزع المسيحية”؛ ولا يعني فقط أن الناس لم تعد تذهب إلى الكنيسة أو التوقف في القيام بالأعمال التدينية، بل يعني أن القيم تغيرت، أن القيم الأخلاقية (تعريف العائلة ومفهوم الحياة الجنسية) أصبحت معادية للقيم المسيحية التقليدية، وهذا لا يمثل الذروة إلا أنه أمسى واضحا واضحا في عام 1968، حينما شهدنا نمو حركة الحرية في الستينيات، وليس داخل الهيبيز فقط، ولكن داخل سائر المجتمع حينما كان البابا بولس السادس كتب رسالة عامة بعنوان “الحياة البشرية” (HUMANAE VITAE) تذكر المسيحيين بأن ثمة هناك قيم ومعايير أخلاقية للكنيسة، تُعنى بالأسرة والحياة الجنسية والتي لا يمكن تجاهلها، بل يجبُ تتبعها، هذا الاختلاف بين المسيحية والثقافة الأوروبية حدثَ في آخر 60 عاما الأخيرة فقط، إلا أننا شهدنا منذ ذلك الوقت تسريعا لهذا الاختلاف.
معظم البرلمانيين الأوروبيين هم مع زواج المثليين وهو ما لم يكن قابلا للتفكير فيه قبل 60 عاما، والمثليون أنفسهم لم يكونوا يطالبون بـ”حق الزواج”، بل طالبوا فقط بالحرية الجنسية، ولكنهم لم يطالبوا بأن يتم الاعتراف بعلاقاتهم قانونيا، والكنيسة الكاثوليكية حاربت هذا النهج المتمثل في “التحول الثقافي”، والبابا بولس السادس والبابا بنديكتوس السادس عشر، سعيا لإحداث ضغطٍ سياسي على الأحزاب السياسية لإيقاف تمدد الاختلاف بين القيم القانونية والقيم المسيحية، لكن الكنيسة فشلت في ذلك، وآخر حالة كانت بولندا التي تكبدت فيها الكنيسة الكاثوليكية هزيمة نكراء في الانتخابات البرلمانية الأخيرة. وساندت الكنيسة الكاثوليكية حزب القانون والعدالة الشعبوي الذي كان في السلطة مدة 8 سنوات خلالها تمكنت الكنيسة الكاثوليكية من فرض حظر على الإجهاض، وبعد هزيمة الكنيسة الكاثوليكية في بولندا انضمت بولندا إلى الاتجاه السائد، والآن لا نملكُ أي حكومة تتبعُ القيم والمبادئ المسيحية.
الثورة الفرنسية لم تكن مناهضة للدين، حيث كان ذكر وجود الله في الدساتير مثلا، لكن الثورة الفرنسية كانت ضد الكنيسة الكاثوليكية كمؤسسة؛ وعليه فإن الصراع بين الجمهورية والكنيسة الكاثوليكية كان صراعا سياسيا بين مؤسستين
-
هناك من يرى أن هناك أنواعا مختلفة للمسيحية، وفرنسا بحد ذاتها تجسّد نموذجا خاصا للعلمانية أو كما يُعرف تسميتها بـ”اللائكية” (Laïcité)، هل تتفق مع وجود هذا الاختلاف؟ ولماذا؟
“اللائكية” في فرنسا بدأت مع الثورة الفرنسية، وهنا أشيرُ إلى أن الثورة الفرنسية لم تكن مناهضة للدين، حيث كان ذكر وجود الله في الدساتير مثلا، لكن الثورة الفرنسية كانت ضد الكنيسة الكاثوليكية كمؤسسة؛ وعليه فإن الصراع بين الجمهورية والكنيسة الكاثوليكية كان صراعا سياسيا بين مؤسستين، معظم البروتستانت واليهود، على سبيل المثال، في ذلك الوقت، دعموا الجمهورية ضد الكنيسة الكاثوليكية، وفي غضون ذلك سُمح للناس بالذهاب للكنيسة، لذلك كان صراعا سياسيا، وهو أمر معتاد في فرنسا، استمر طوال القرن الـ19، لتنتصر الجمهورية في نهاية المطاف، وفي 1905 قامت الجمهورية الفرنسية وأصدر “قانون 1905” والذي جسد فصلا تاما بين الدولة والكنيسة، في البداية كان يمكن القول إن الأمر كان مجرد تجسيد لمشكلة سياسية وقانونية، لم تكن حول القيم، والنقاش القانوني الوحيد المطروح كان حول علاقة الكنيسة بالدولة، ولم يكن مطروحا حول قضايا قيمية مثل ما ذكرت في السابق (المثلية الجنسية – الاجهاض..) ، لم تعط مثلا الجمهورية حق التصويت للنساء إلى حدود أواخر الأربعينيات في القرن الـ20، ومنه ما بدأ كصراع سياسي بين الدولة والكنيسة باعتبارهما مؤسستين تحول إلى صراع ايديولوجي، وأنا أقول إن “اللائكية” الفرنسية تحولت إلى علمانية مناهضة للدين على عكس ما بدأت عليه؛ ولم تعد الفكرة فقط حول مجرد حياد الدولة، وهو معطى كان مقبولا عند الكنيسة باستثناء المتشددين.
لكن النقاش يدور الآن حول ظهور الدين في المجال العام، والأمر لا يتعلق بالمسيحية فقط، بالإسلام أكثر، لسبب وجيه متمثل في كون أنَّ الدين الأكثر ظهورا والمعروف في الفضاء العام الفرنسي هو الإسلام.
الكاثوليكية قبل 50 أو 60 عاما حينما كنتُ صبيا كنا نرى القساوسة في الشوارع بزيهم الديني الأسود ولدينا راهبات محجبات، وهو ما لم يكن يشكل مشكلة. وفي مطلع الستينيات تم انتخاب قسيسين فرنسيين لعضوية البرلمان وجاؤوا للبرلمان بزيهم التقليدي الديني ووشاح يحمل ألوان فرنسا ولم يشكل هذا أي مشكل، لكن رؤية الممارسات المسيحية اختفت في الفضاء العام الفرنسي، القساوسة توقفوا عن ارتداء زيهم الديني، واكتفوا بوضع علامة في رباط العنق، ولم يعودوا يظهرون في الشوارع لأن المجتمع الفرنسي تم نزعُ مسيحيته، ثم في أواخر الثمانينيات، الفتيات والنساء المسلمات الفرنسيات، بدأن بارتداء شكل حديث للحجاب لا يشبه الحجاب التقليدي المتعارف عليه في الجزائر أو المغرب وأردن الذهاب به للمدارس، وهو الأمر الذي تم انتقاده بشدة، حيث ظهر اختلاف كبير في المجتمع في 1989. وقانون 2004 منع الحجاب في المدارس، والآن النقاش حول الحجاب في الشارع وفي أماكن العمل وإلى غير ذلك.
هنا يمكنُ الحديث حول بعدين؛ البعدُ الأول كما هو واضح متمثل في “الإسلاموفوبيا”، والنابع كما هو معروف من التيار اليميني الذي لا يريدُ رؤية الإسلام في الفضاء العام، إلا أن الموقف اليساري أكثر تعقيدا؛ اليسار لا يريد أن يصبح أي دين مريئا في الفضاء العام؛ وسيكون بالنسبة للقساوسة القدوم للبرلمان وهم يرتدون الزي الكاثوليكي التقليدي أمرا مستحيلا تماما الآن، وذلك رغم عدم وجود قانون يمنعُ ذلك.
ظاهرة “الإسلاموفوبيا” سرّعت وتيرة “معاداة الدين” في فرنسا، فالمحافظون حينما يرون ضرورة إزالة كل الرموز الدينية المسلمة؛ لا يمانعون في الوقت نفسه من سلك منحى المسيحية الكاثوليكية، وكمثال على ذلك فإننا نجدهم يضعون رموز عيد الميلاد المسيحي (Nativitis) على جدران بنايات البلديات وهو أمر مخالفٌ للقانون، وتحتج ضده المنظمات اليسارية والماسونية والعلمانية وتقر المحاكم بضرورة عدم وجود علامات دينية مسيحية في الفضاء العام. هذا هو تعقيد الواقع في الحالة الفرنسية
وعندما أشعل الرئيس ماكرون، على سبيل المثال شمعة “عيد الأنوار اليهودي” في الإليزيه، تم اعتبارها على أنها فضيحة، كما أنه لا يستطيع الذهاب للكنيسة رغم عدم وجود قانون يمنعُ ذلك. وباعتباره رئيسا، هناك موافقة، لذا فإن اندماج عنصرين الأول معاداة الدين الذي بدأ باعتباره معاداة للكاثوليكية في فرنسا والثاني هو العداء للإسلام (الإسلاموفوبيا)؛ والمفارقة أن ظاهرة “الإسلاموفوبيا” سرّعت وتيرة “معاداة الدين” في فرنسا، فالمحافظون حينما يرون ضرورة إزالة كل الرموز الدينية المسلمة؛ لا يمانعون في الوقت نفسه من سلك منحى المسيحية الكاثوليكية، وكمثال على ذلك فإننا نجدهم يضعون رموز عيد الميلاد المسيحي (Nativitis) على جدران بنايات البلديات وهو أمر مخالفٌ للقانون، وتحتج ضده المنظمات اليسارية والماسونية والعلمانية وتقر المحاكم بضرورة عدم وجود علامات دينية مسيحية في الفضاء العام. هذا هو تعقيد الواقع في الحالة الفرنسية.
ما يميز فرنسا ليس الإسلاموفوبيا التي يمكن إيجادها في كل مكان، ما يميز علمانية فرنسا هي معادة الدين، التي نجدها منتشرة بشكل قوي عند عامة الناس في فرنسا؛ فحسب استطلاعات الرأي فإن 70% من الفرنسيين يدعمون “اللائكية الفرنسية”؛ والشعبويون في فرنسا، توقفوا عن المطالبة بأن يكونوا مسيحيين بل يدعمون “اللائكية الفرنسية”، وذلك على عكس مطالب العديد من الشعبويين في أوروبا الذين يروجون لأطروحة رغبتهم للعودة إلى أوروبا التقليدية، إلى القيم التقليدية، إلى المسيحية
في المقابل فإن الوضع في ألمانيا أو ايطاليا فإن الوضع مختلف مثلا؛ في ألمانيا الرئيس مسيحي ويُقِّرُ بمسيحيته، يصلي علانية دون أي أشكال، في إيطاليا الأساقفة جزء من الحياة السياسية دون أي إشكال؛ إذن ما يميز فرنسا ليس الإسلاموفوبيا التي يمكن إيجادها في كل مكان، ما يميز علمانية فرنسا هي معادة الدين، التي نجدها منتشرة بشكل قوي عند عامة الناس في فرنسا؛ فحسب استطلاعات الرأي فإن 70% من الفرنسيين يدعمون “اللائكية الفرنسية”؛ والشعبويون في فرنسا، توقفوا عن المطالبة بأن يكونوا مسيحيين بل يدعمون “اللائكية الفرنسية”، وذلك على عكس مطالب العديد من الشعبويين في أوروبا الذين يروجون لأطروحة رغبتهم للعودة إلى أوروبا التقليدية، إلى القيم التقليدية، إلى المسيحية.
هنا لدينا شيئا مهما للغاية وهو أن العديد من الشعبويين في أوروبا يقولون إنهم يريدون العودة إلى أوروبا التقليدية، إلى القيم التقليدية، إلى المسيحية، على غرار مساعي سالفيني في إيطاليا، وحزب فوكس في إسبانيا، وحزب القانون والعدالة القومي الشعبوي في بولندا ماريون ماريشال لوبان وإيريك زيمور في فرنسا، لكن مشكلة الشعبويين هي الشيء الوحيد المشترك الذي يمتلكونه؛ وهو الإسلاموفوبيا؛ كلهم ضد الإسلام وكلهم ضد المهاجرين؛ من السويد إلى إيطاليا ومن بريطانيا إلى بولندا، لكنهم يختلفون بشدة حول ماهية القيم الأوروبية؛ إذا رأينا خيرت فيلدرز في هولندا الذي فاز بالانتخابات في ديسمبر/كانون الأول الماضي ربما يكون أقوى مناهض للإسلاموفوبيا في أوروبا؛ يرغب بحظر القرآن ويغلق المساجد، إلى غير ذلك لكنه يناصر زواج المثليين والحرية الجنسية والنسوية، ولا يقدم نفسه على أنه مسيحي على الطلاق، إنه منتج نقي لحقبة الستينيات.
الشعبويين موحدون بالإسلاموفوبيا لكنهم منقسمون في نظرتهم للمسيحية، وأغلب المحافظين هم في الواقع الليبراليين من حيث المعايير والقيم، وبالتالي هم غير قادرين على الدفاع عن عودة القيم الأوروبية المسيحية لأوروبا، وهذا هو مشكل الكنيسة التي تودُ إعادة القيم المسيحية الأوروبية، إلا أن الكنيسة لها مشكلتان؛ الأولى هي أن معظم الشعبويين ليسوا بالمسيحيين الصالحين على الإطلاق، والثانية أن الكنيسة لا تريد التورط مع التطرف والإسلاموفوبيا، لذلك ترى أن المشهد معقد في أوروبا.
في المقابل في إيطاليا، هناك رجل مثل سالفيني، يدعي أنه كاثوليكي وأنه ضد زواج المثليين ولكن حتى سالفيني لا يذهب إلى القداس كل يوم أحد، نموذج الحياة عند سالفيني ليس النموذج المسيحي، فهو يتمتع بالحرية الجنسية، وهو ما لا يمثل مُثُلَ المسيحي المحافظ. وفي فرنسا مارين لوبان في الانتخابات الأخيرة قالت إن هوية فرنسا هي العلمانية لم تقل إنها المسيحية؛ وعليه فإن الشعبويين موحدون بالإسلاموفوبيا لكنهم منقسمون في نظرتهم للمسيحية، وأغلب المحافظين هم في الواقع الليبراليين من حيث المعايير والقيم، وبالتالي هم غير قادرين على الدفاع عن عودة القيم الأوروبية المسيحية لأوروبا، وهذا هو مشكل الكنيسة التي تودُ إعادة القيم المسيحية الأوروبية، إلا أن الكنيسة لها مشكلتان؛ الأولى هي أن معظم الشعبويين ليسوا بالمسيحيين الصالحين على الإطلاق، والثانية أن الكنيسة لا تريد التورط مع التطرف والإسلاموفوبيا، لذلك ترى أن المشهد معقد في أوروبا.
-
كما أشرت إلى أن البابا بحد ذاته داعم للمثلية، هل ترى أن البابا والكنيسة فشلا في إعادة إنتاج المسيحية؟
نعم؛ الفارق الكبير هو أن البابا الحالي البابا فرانشيسكو يدرك أن أوروبا لم تعد مسيحية، البابا فرانشيسكو ليس أوروبيا؛ هو من الأرجنتين في أميركا الجنوبية، وبالنسبة له الكاثوليكية ليست دينا أوروبيا؛ بل هو دين عالمي، في المقابل كان الباباوات الثلاث الذين سبقوه: البابا بولس السادس والبابا يوحنا بولس الثاني والبابا بنديكتوس السادس عشر؛ كانوا أوروبيين وأرادوا أن تعود أوروبا للمسيحية، وهم يعتبرون أن أوروبا كانت عالم المسيحية، وكانت الكيان الكاثوليكي في طليعة المسيحية، لذا حاربوا بقوة لإعادة المجتمع للمسيحية الكاثوليكية.
البابا الحالي البابا فرانشيسكو يدرك أن أوروبا لم تعد مسيحية، البابا فرانشيسكو ليس أوروبيا؛ هو من الأرجنتين في أميركا الجنوبية، وبالنسبة له الكاثوليكية ليست دينا أوروبيا؛ بل هو دين عالمي، في المقابل كان الباباوات الثلاث الذين سبقوه: البابا بولس السادس والبابا يوحنا بولس الثاني والبابا بنديكتوس السادس عشر؛ كانوا أوروبيين وأرادوا أن تعود أوروبا للمسيحية، وهم يعتبرون أن أوروبا كانت عالم المسيحية
وكان الملك كلوفيس، قبل 16 قرنا هو أول ملك مسيحي لفرنسا حينما حولها إلى مملكة مسيحية، وهو بالضبط ما أراد البابا يوحنا بولس الثاني فعله مجددا والمتمثل في العودة للمسيحية، وهذا لم يكن مشكلة البابا فرنسيس الذي لم يكن يرى أن التحدي متمثل في إعادة أوروبا للمسيحية وقيمها بل في إعادة “الأفراد” للمسيحية، هي مشكلة إيمان بالنسبة للبابا فرانشيسكو وليست مشكلة ثقافة، من الواضح أن النقاش الكبير يدور حول الهجرة، فالبابا يرى أنه يجب الترحيب بالمهاجرين لأنهم بشر، هم أخواننا وأخواتنا ويجب الترحيب بهم؛ إذا كنت مسيحيا يجب الترحيب بالجميع، في المقابل العديد من الكاثوليك، بما في ذلك العديد من الأساقفة، يقولون: حسنا، ولكن إذا لم يمكن المهاجر مسيحيا فهذا سيشكل مشكلة كبيرة لأوروبا بسبب ارتفاع عدد المسلمين فيها.
وهم يريدون إبقاء أوروبا مسيحية، لكن البابا فرانشيسكو يرى أنه ليس عبر غلق الحدود ستظل أوروبا مسيحية، بل عبر فتح القلوب، حيث يرى أن المسيحي عليه أن يظهر الصلاح في عمله باعتباره “دليل الله” في الأرض، لذلك هناك توترات كبيرة الآن بين الكاثوليك في أوروبا؛ لدينا المحافظون، أو ما يمكن تسميتهم باليمين، هم جزء من الكنيسة الكاثوليكية، التي كانت تعارضُ البابا، والتي تعتبره يخون الكنيسة الكاثوليكية.
الصراع الآن ليس بين المهاجرين المسلمين والمسيحيين الأوروبيين لأن أوروبا لم تعد مسيحية، ولكن تعبير البابا فرانشيسكو نفسه ليس متعلقا بالثقافة، بل بالإيمان والقيم، المشكلة مشكلة إيمان وليست مشكلة هوية، لأن البابا يعارض اعتبار مفهوم الهوية جزءا من مشكلة المسيحية
وعليه فإن الصراع الآن ليس بين المهاجرين المسلمين والمسيحيين الأوروبيين لأن أوروبا لم تعد مسيحية، ولكن تعبير البابا فرانشيسكو نفسه ليس متعلقا بالثقافة، بل بالإيمان والقيم، المشكلة مشكلة إيمان وليست مشكلة هوية، لأن البابا يعارض اعتبار مفهوم الهوية جزءا من مشكلة المسيحية.
-
عودة لفرنسا تنتقدُ سياسة إيمانويل ماكرون المرتبطة تجاه الإسلام “الانفصالية”
مشكلة سياسة الانفصالية التي جاء بها ماكرون، هي كونها تقوم على سياسية أمنية، وهنا الرئيس ماكرون روج لهذه السياسة للرأي العام الفرنسي على أنها طريقة، لمنع الإرهاب، وهذا هراء بالنسبة لي، لماذا؟ لأن غالبية السياسيين والرأي العام يرى أن الإرهاب هو نتيجة للتطرف الديني، بمعنى أن المسلم سيتحول إلى سلفي ومن ثم إلى جهادي ليصبحَ إرهابيا؛ وعليه فإن الطرح قائم على ضرورة وقف التطرف الديني من مراحله الأولى.
وفقا لبحوثي الخاصة، أغلب المسلمين المتطرفين، لم يبدؤوا مسار التطرف بكونهم يسعون ليكونوا أكثر تدينا، بل بدؤوا عبر محاولة أن يكونوا أكثر تطرفا، ولأن الجهاد الآن هو سوق التطرف، بدؤوا يجاهدون، ويكونون شرعية دينية لـتطرفهم، وهو ما أطلقُ عليه اسم “أسلمة التطرف”؛ وعليه فإنهم في البدء يؤسلمون الطرف ومن ثم يقومون بتشكيل وبناء طريقهم الخاصة في التطرف من خلال الجهاد، والتي كانت قوية بشكل خاص في الوقت الذي كانت فيه القاعدة وداعش مهمتين
ووفقا لبحوثي الخاصة، أغلب المسلمين المتطرفين، لم يبدؤوا مسار التطرف بكونهم يسعون ليكونوا أكثر تدينا، بل بدؤوا عبر محاولة أن يكونوا أكثر تطرفا، ولأن الجهاد الآن هو سوق التطرف، بدؤوا يجاهدون، ويكونون شرعية دينية لـتطرفهم، وهو ما أطلقُ عليه اسم “أسلمة التطرف”؛ وعليه فإنهم في البدء يؤسلمون الطرف ومن ثم يقومون بتشكيل وبناء طريقهم الخاصة في التطرف من خلال الجهاد، والتي كانت قوية بشكل خاص في الوقت الذي كانت فيه القاعدة وداعش مهمتين.
في فرنسا المشكلة تكمن أنّ الحكومة الفرنسية افترضت أن المشكلة في التطرف الديني؛ وعليه بنت السلطة الفرنسية سياسة تقوم على ضوئها بفرض تصور علماني على أي شخص يشتبه في أنه قد يكون متطرفا في المستقبل إذا أظهر أي علامة على التدين، وهذا موقف خاطئ يجعل من السلطة السياسية الفرنسية تخطِئ في تعاملها مع الدين الإسلامي بشكلٍ كبير
لقد كانت داعش نموذجا للعديد من الشباب، الذين أرادوا القتال أو الاستشهاد، الآن لم تعد داعش تحمل نفسَ الأهمية، اليوم لدينا انخفاض للتطرف الإسلامي، لأن هناك انخفاض للجهادية، وفي فرنسا المشكلة تكمن أنّ الحكومة الفرنسية افترضت أن المشكلة في التطرف الديني؛ وعليه بنت السلطة الفرنسية سياسة تقوم على ضوئها بفرض تصور علماني على أي شخص يشتبه في أنه قد يكون متطرفا في المستقبل إذا أظهر أي علامة على التدين، وهذا موقف خاطئ يجعل من السلطة السياسية الفرنسية تخطِئ في تعاملها مع الدين الإسلامي بشكلٍ كبير.
وهنا يجب أن نطرح السؤال ما الذي يمكن اعتباره فرنسيا على وجه التحديد في القيم التي اختار الرئيس ماكرون الدفاع عنها: هل اللائكية (laïcité) أم العلمانية (secularism)؟ من شأن مشروع القانون أن يقلل بشكل فعال من إظهار العقيدة الدينية، وليس الإسلام فقط داخل الحياة العامة، وغالبا ما سيكون هذا الأمر على حساب القيم الليبرالية (حرية الدين والفكر والكلام) التي يَقصِد حمايتها.