هل نجحت ماكدونالدز ماليزيا في الالتفاف على المقاطعة؟ | سياسة
تعرّضت سلسلة مطاعم الوجبات السريعة ماكدونالدز في ماليزيا لضربة قوية بعد حملة المقاطعة الشعبية لمنتجاتها؛ نتيجة الدعم والخصومات والمساندة التي قدمتها سلسلة مطاعم ماكدونالدز في إسرائيل لجيش الاحتلال وقواته خلال حربه على قطاع غزة.
وفيما حاول وكيل ماكدونالدز في ماليزيا منذ بداية الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة تأكيد رفضه للصراع، ووقوفه إلى جانب الطرف الفلسطيني، وتأكيد أن امتيازَ الشركة ذو إدارة محلية كاملة ولا صلة له بماكدونالدز إسرائيل، بل ونشر بيانًا في الثامن عشر من أكتوبر/تشرين الأول 2023، يؤكد تبرعه بمليون رينجت ماليزي، ما يعادل 210 آلاف دولار، للصندوق الإنساني الفلسطيني الذي تمّ إطلاقه تحت إشراف رئيس الوزراء الماليزي أنور إبراهيم؛ لمساعدة المتضررين من الحرب.
غير أن ذلك لم يترك ماكدونالدز ماليزيا بمنأى عن حملة المقاطعة الشاملة التي طالت منتجات وشركات أظهرت دعمها لإسرائيل وحربها، ما تسبب بتراجع كبير في مبيعات الشركة التي كانت تطمح لافتتاح أكثر من 205 فروع جديدة بحلول عام 2026، فيما أظهرت بيانات الشركة الأمّ في الخامس من فبراير/شباط، أن نموَّ المبيعات في الربع الأخير من عام 2023 تراجعَ بنسبة 16.5%، كما سجّلت أسهم الشركة خسائر بقيمة 7 مليارات دولار.
وانطلقت مقاطعة الماليزيين سلسلةَ المطاعم السريعة من مبدأين؛ الأول: هو أن جزءًا من إيرادات السلسلة في ماليزيا يحوّل إلى الشركة الأميركية الأمّ التي لم توضح موقفها من الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، والمبدأ الثاني: هو أن الشركة الأمّ متواطئة مع الفرع الإسرائيلي؛ نتيجة صمتها عن دعمه لجنود الاحتلال في الحرب، بل وتجاهلها فرض أيّ عقوباتٍ عليه أو توبيخٍ، أو أن تُعلن أن سياستها العامة هي عدم الانحياز إلى أحد الأطراف بدلًا من ترك الوكيل الإسرائيلي يتصرّف على هواه.
على وتر الدين والعاطفة
أمام هذا الوضع حاولت ماكدونالدز ماليزيا اتباع إستراتيجية متوائمة مع الشركة الأم، تقوم على استعطاف الجماهير لإعادتهم لمنافذ المطاعم وفروعها، من خلال نشر قصص عن العمال والموظفين المحليين في فروع الشركة، والتأكيد على الأثر الاقتصادي والاجتماعي للمقاطعة على حياتهم وأسرهم.
وعرضت ماكدونالدز ماليزيا في وسائل الإعلام المختلفة قصصًا إنسانية تشير إلى تشهيرٍ متزايد يتعرض له موظفوها الذين يبلغ عددهم أكثر من 21 ألف شخص، وإلى حالة النفور الشعبية التي تظهر أثناء ارتدائهم قمصانًا تحمل علامة ماكدونالدز، حيث تم وصفهم باليهود، وأنهم يقومون بتحويل الأموال لدولٍ أخرى، وتعرضوا لإهانات ومضايقات مختلفة.
وتحت عنوان: “لا تهاجموهم، فهم يحاولون فقط كسب لقمة العيش”، تحدث المدير الإداري لماكدونالدز ماليزيا وشريك التشغيل المحلي، أزمير جعفر، عن أن عددًا من موظفي مطاعم الوجبات السريعة يواجهون ضغوطًا نفسية شديدة بفعل المقاطعة، موجهًا نداءَه للجمهور الماليزي؛ لإيقاف المقاطعة والحد منها، لأنها وفق قوله تؤثر بالدرجة الأولى على الموظفين، وهم أفراد وأزواج لديهم عائلات وأطفال والتزامات يحتاجون إلى العمل للوفاء بها شهريًا، وجميعهم مواطنون ماليزيون بنسبة 100%.
وهو الأسلوب العاطفي نفسه الذي حاولت المنتجات المندرجة في إطار المقاطعة استخدامه، بل وصل إلى حد تقريع الجمهور على مقاطعته من قبل وكيل ستاربكس، معتبرًا أن الخاسر الأكبر هو الاقتصاد الماليزي في هذه المقاطعة.
رغم ذلك لم تُسهم هذه المناشدات بأي تغيير يُذكر في حملة المقاطعة ضدها، بل تشدّد الجمهور الماليزي في مقاطعته، وشهدت العلامات التجارية المحلية ازدهارًا غير مسبوق أمام حالة الهجر المتصاعدة للمنتجات العابرة للحدود والتي شملتها المقاطعة، ومنها ماكدونالدز وستاربكس ودومينوز بيتزا وبرغر كينغ.
وفي ضوء استمرار الإبادة الجماعية واصل الجمهور الماليزي مقاطعته الصارمة، ما دفع ماكدونالدز للاستعانة بمفتي ولاية بينانغ (وان سالم وان محمد نور) لإصدار تصريحات تدعو الجمهور لإعادة النظر في مقاطعته ماكدونالدز، معتبرًا أنه “لا يوجد سبب لمقاطعة ماكدونالدز”، داعيًا إياهم للاستناد في مقاطعتهم إلى حقائق واضحة وأدلة مقنعة.
ومشيرًا في الوقت ذاته، إلى أن ماكدونالدز تقوم بدفع الزكاة عبر مكاتب إدارة الزكاة في عدة ولايات، وأن الدفاع عمن يتعرض للاضطهاد يجب ألا يتضمن اضطهاد أُناس آخرين، وكان المفتي قد دعا الجمهور الماليزي سابقًا لإبداء التعاطف والتضامن مع معاناة شعب فلسطين من خلال مقاطعة أية شركات ومنتجات مرتبطة بإسرائيل.
اللجوء للقضاء
وأمام استمرار صلابة الماليزيين ومقاطعتهم، لجأت ماكدونالدز ماليزيا لرفع دعوى قضائية تستهدف فيها رؤساء ومسؤولي حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على BDS في ماليزيا، ملقية على حركة المقاطعة العالمية باللوم لحجم الخسائر التي أصابت فروعها، ومعتبرة أنها السبب في المقاطعة الشعبية من خلال تشجيعها المواطنين ونشر بيانات تربط ماكدونالدز، زورًا وبهتانًا بالحرب الإسرائيلية على غزة، ومتهمة إياها أيضًا بالتحريض على الفتنة داخل المجتمع الماليزي.
وتضمنت الدعوى مطالب باعتذارٍ علني، يتم نشره على جميع منصات حركة المقاطعة، وبتعويض يصل إلى 5% من الخسائر السنوية، بقيمة 6 ملايين رينجت ماليزي ما يقدر بـ 1.31 مليون دولار، لشركة (جربانج ألاف)، تتضمن خسارة الإيرادات بمبلغ 3 ملايين رينجت ماليزي، وتعويض الموظفين الذين تم تسريحهم بمبلغ 1.5 مليون رينجت ماليزي، وتعويض انتهاء صلاحية المواد 1.5 مليون رينجت ماليزي.
وهي الإستراتيجية التي تسببت في تصاعد غضب الماليزيين من ماكدونالدز، وإطلاق حملة عنوانها: “لقد خسرت عميلًا مدى الحياة”، ورفعت من شعبية حركة المقاطعة BDS في ماليزيا ووصولها للجمهور، إلى درجة دفعت مكتب حركة المقاطعة في ماليزيا لنشرِ بيانٍ يشكر فيه ماكدونالدز على رفعها دعوى بحقه.
وهو ما حدا بماكدونالدز للإعلان “صحفيًا” تنازلَها عن الدعوى القضائية وإعلان سحبها بعد عملية وساطة بين الطرفين، فيما أشادت حركة المقاطعة بقرار سحب الدعوى، معتبرة أنه تأكيد على أنها تخلو من وجود أساس قانوني لها، وأنها تفتقر إلى الصحة، بل وأصدرت بيانًا أكدت فيه أن مقاطعة سلسلة الوجبات السريعة مستمرة ما دامت لم تتوقف الإبادة الجماعية بحقّ الفلسطينيين.
لتعود حركة المقاطعة مرة أخرى وتصدر بيانًا في الخامس عشر من أبريل/نيسان الماضي، تكشف فيه عن تلاعب ماكدونالدز بمقصدها من “سحب الدعوى”، وأنها لم تُبلغ قانونيًا بأي إجراء مشابه، بل إن المثول أمام القاضي للتحكيم ما زال قائمًا، كاشفة أن جهود الوساطة التي ادعت ماكدونالدز إجراءها، قامت على طلبٍ من حركة المقاطعة لصاحب الامتياز المحلي شركة (جربانج ألاف)، بإصدار بيان أو تصريح إدانة لجرائم الإبادة الجماعية التي تمارسها إسرائيل في غزة، وهو ما رفضته الشركة.
الالتفاف على المقاطعة.. عالميًا
أمام فشل مختلف إستراتيجيات ماكدونالدز ماليزيا في تجاوز حملة المقاطعة ضدها، ومع استمرار الزخم الشعبي الداعم لفلسطين والمتصاعد عالميًا وشعبيًا، كانت الحركة الأخيرة من نصيب الشركة الأميركية الأمّ، إذ نقلت وسائل الإعلام أنباء شرائها فروع ماكدونالدز من وكيلها الإسرائيلي الذي أشرف على عملية توزيع الوجبات المجانية للجنود وحملات الدعم للإبادة الجماعية للفلسطينيين في قطاع غزة.
حيث اشترت الشركة مطلع أبريل/نيسان الماضي 225 مطعمًا لها يعود امتيازها لشركة ألونيل الإسرائيلية، في محاولة أخيرة لوقف نزيفها الاقتصادي ووضع حد لتأثير المقاطعة المتزايد على أسواقها، لا سيما في البلدان العربية والإسلامية.
وليس من الواضح إلى أي درجة ستكون تلك الخطوة كافية لإنهاء المقاطعة أو تخفيفها، لا سيما أن الجمهور المقاطع يُطالب ماكدونالدز والشركات المستحوذة على امتيازها عربيًا وإسلاميًا ودوليًا بتصريح واضح لا لبس فيه يدين ويرفض الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وهو ما يضع ماكدونالدز – باعتبارها وجهًا من وجوه العولمة تتجاوز الاعتبارات والثقافات المحلية – في زاوية ضيقة تتجاوز مرونتها التي تُميز قائمة طعامها الخاصة بكل بلد.
والحال كذلك، يبقى الرهان قائمًا ما بين تغيير الأوضاع على الأرض ووقف الحرب على قطاع غزة، وبين الجمهور ووعيه بأهمية المقاطعة كأداة ضغط ناجعة ليست فقط على الشركات العابرة للقارات والحدود، وإنما على الدول العظمى ذات السياسات المهيمنة على الدول الأخرى، فإن كانت قوة الدول تُقاس بسلاحها وعتادها العسكري، فإن قوة الشعوب اليوم تُقاس بمقاطعتها والتزامها الحديدي بالتضامن مع الشعب الفلسطينيّ في نضاله وصموده.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.