معركة اليرموك.. فاتحة الإسلام في الشام وكبرى هزائم الروم | الموسوعة
معركة وقعت بين المسلمين والروم البيزنطيين قرب نهر اليرموك في غور الأردن، يوم الاثنين 12 أغسطس/آب 636م، الموافق 5 رجب عام 15هـ. وتصنف بأنها واحدة من أكبر المعارك حسما في التاريخ، وقد وُصفت بأنها “معركة القرن” و”أهم المعارك المحورية في تاريخ العالم”، ووُصف قائدها خالد بن الوليد في بعض المصادر الغربية بأنه “أعظم عقلية عسكرية في تلك الحقبة”.
بدأها الروم بسبب خساراتهم المتلاحقة لعدة أراض لصالح المسلمين، كانت آخرها بعلبك الحامية الرئيسية للروم ثم حمص، فجهزوا لملاقاة المسلمين أكثر من 200 ألف من الجنود، ولاقاهم المسلمون بـ46 ألفا يقودهم خالد بن الوليد، واستمر القتال 6 أيام حتى هُزم الروم، ودخلت بلاد الشام في الإسلام.
سُميت المعركة معركة نهر اليرموك وجابية اليرموك، وأخذت اسمها من نهر اليرموك في غور الأردن الذي ينبع من جبال حوران، ويجري قرب الحدود بين سوريا وفلسطين، ثم يصب في غور الأردن في البحر الميت.
الأسباب
فور تولي أبي بكر الصديق الخلافة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وجه فتوحاته نحو الشام وعيّن على رأس الجيش خالد بن الوليد، الذي هزّ جيشه أوساط البيزنطيين، فهزمهم في أجنادين عام 634م، ثم عين عمر بن الخطاب بعد توليه الخلافة أبا عبيدة بن الجراح واليا على الشام.
وفي زمن عمر بن الخطاب فُتحت دمشق عام 634م، وهزم البيزنطيون في فلسطين بمعركة فحل بعدها بعام (13هـ)، ثم فتحت حمص العام التالي.
وقد تكبد الروم -وعلى رأسهم هرقل- خسائر كبيرة، حيث خسروا مدن الشام مدينة تلو أخرى، حتى رأوا الشام تخرج من أيديهم إلى أيدي المسلمين.
قرر هرقل -الذي كان حينها يقيم في أنطاكية– حشد ما يستطيع من مقاتلي القسطنطينية والشام وروما، وتجهّز للمعركة الفاصلة التي هدف منها إلى إيقاف المد الإسلامي عن الأراضي الشامية. فأمر بتجنيد كل من بلغ الحلم من سكان إمبراطوريته وجمع متطوعين من أرمينية وأنطاكية والقسطنطينية؛ فاستطاع حشد نحو 240 ألفا من الجنود من جميع أنحاء مملكته، وجمعهم في وادي اليرموك بالشام.
ولمّا وصلت أنباء تجهيزات جيش البيزنطيين إلى أبي عبيدة بن الجراح الذي كان حينها في حمص، اجتمع مع قادة المسلمين، وقرروا بعد المشاورة أن تخرج القوات الإسلامية من المدن التي فتحتها وتتمركز كلها في موقع قريب من بلاد الحجاز حتى يعدّوا جيشا واحدا لملاقاة الروم، ثم يرسلوا إلى الخليفة عمر بن الخطاب لطلب المدد منه.
تشكيلة الجيشين
كانت جيوش المسلمين سابقا تعتمد في تشكيلتها ما يسمى “تنظيم الخميس”، ولم تكن تعرف تنظيم الكراديس (الكتائب)، فرأى خالد بن الوليد أن جيشه بحاجة إلى تنظيم جديد، ولا أفضل في مواجهة الروم من مواجهتهم بتنظيمهم، فاعتمد لأول مرة في تاريخ الحروب الإسلامية “تنظيم الكراديس” بجانب تنظيم الخميس، وهو ما سُمِّي “التعبئة الخالدية”.
قسم خالد جيشه إلى ما بين 36 و40 كردوسا (كتيبة)، في كل كردوس منها ما بين 600 وألف مقاتل، وأضاف إليها فِرَقًا بها ما بين عشرة وعشرين كردوسا موزعة على حسب التجمعات القبلية، وقسمها إلى 3 جوانب: ميمنة وقلب وميسرة، وجعل على كل واحدة منها أميرا.
كان أبو عبيدة بن الجراح على وسط الجيش ومعه عكرمة بن أبي جهل والقعقاع بن عمرو و16 كردوسا، وعلى الميمنة عمرو بن العاص مع 10 كراديس، وجعل يزيد بن أبي سفيان على الميسرة. وفي المقدمة قباث بن الأشيم مع فرقة مراقبة واستطلاع للعدو، وفي المؤخرة سعيد بن زهير مع 500 فارس لقيادة النساء وحمايتهن، وبقي خالد مع 4 آلاف من الخيالة في ظهر الجيش يتحركون حسب معطيات المعركة، وجعل النساء بظهر الجيش.
وقاد جيش الروم الأرميني فاهان، وهو من أبناء فارس وكان قد تنصر ولحق بالروم، وكان في جيشه وحدات بيزنطية من أنطاكية وقنسرين وحلب، وقيل إنهم من النصارى غير العرب. إضافة إلى 12 ألف مقاتل من رجال القبائل العربية المتنصرة المقيمة في بلاد الشام وعلى رأسهم الأمير الغساني جبلة بن الأيهم.
وعين فاهان الأمير السلافي قناطر على ميسرة جيشه، وجعل جبلة بن الأيهم على وسط الجيش، ووضع ديرجان قائدا للأرمينيين، وأما غريغوري فقاد قوات المشاة اليونانية على الجناح الأيمن، وجعل فرقا من الرماة خلف كل فرقة مشاة.
وقد وقعت المعركة في منطقة تابعة للغساسنة الذين كانوا غير راضين عن حكم المسلمين، فتطوعوا للقتال مع البيزنطيين، ومن القبائل العربية التي شاركت لخم وجذام والقين وبلي وعاملة.
وكان كل كردوس في جيش الروم يتألف من 600 وفي كل فرقة 10 كراديس، ورتبها فاهان في ثلاثة خطوط، أربعة كراديس في الخط الأول وثلاثة في الخطين الثاني والثالث، وجعل الرماة على المقدمة والخيالة على الجناحين، وقيل في ظهر الجيش، ورتب قلب الجيش في 30 خطا أمام كل خط قساوسة يحملون الصلبان. وقيل إنه ربط أرجل 30 ألفا من الجنود بالزناجير كي لا يهربوا من أرض المعركة.
التجهيز للمعركة
طلب أبو عبيدة من جيوش المسلمين في المناطق التي فتحوها الانسحاب والتجمهر في دمشق، وأمر بردّ أموال الجزية إلى أصحابها معلّلًا ذلك بقوله لعامل الخراج: “أردد على القوم الذين صالحناهم من أهل البلد ما كنا أخذنا منهم، فإنه لا ينبغي لنا إذا لم نمنعهم أن نأخذ منهم شيئا، وقل لهم نحن على ما كنا عليه فيما بيننا وبينكم من الصلح لا نرجع فيه إلا أن ترجعوا عنه، وإنما رددنا عليكم أموالكم أنّا كرهنا أن نأخذ أموالكم، ولا نمنع بلادكم، ولكنا نتنحى إلى بعض الأرض، ونبعث إلى إخواننا، فيتقدموا علينا ثم نلقى عدونا فنقاتلهم، فإن أظفرنا الله بهم وفينا لكم بعهدكم إلا أن لا تطلبوا ذلك”.
فرد المسلمون أموال الجزية التي كانوا قد أخذوها من أصحاب الأرض، إذ كان الاتفاق بينهم أن يحموهم بها، فلما خرجوا فُضَّ الاتفاق، فأعادوا إليهم أموالهم وفاءً بهذا العهد. وكان الخليفة عمر قد أَلِم من ترك البلاد التي فتحوها خوفًا من أن يعود إليها البيزنطيون، لكنه عند ما وصل إليه إجماع القادة على ذلك من أبي عبيدة اطمأن وأمدهم بقوة عسكرية إضافية على رأسها سعيد بن عامر.
ورأى المسلمون أن في مسار الروم حركة التفاف قُصد بها خط الرجعة عليهم، فخرجوا من دمشق باتجاه الجابية حيث سيلتقون بجيش عمرو بن العاص في فلسطين، ومنها ينتظرون مدد الخليفة عمر بن الخطاب.
وقيل إن سبب خروج جيش المسلمين للجابية نقض بعض سكان الأقاليم المفتوحة عهدهم مع المسلمين، وإثارتهم اضطرابات عليهم؛ مما أثر في الوجود الإسلامي في الأردن وفلسطين، فرفع عمرو بن العاص إلى أبي عبيدة تقريرا بذلك، فقرر القادة بعد عقدهم اجتماعا الخروج إلى الجابية.
ولمّا تقدمت جيوش الروم إلى نهر الأردن باتجاه المسلمين في الجابية، تراجع المسلمون إلى اليرموك خشية أن يحاصرهم الروم ويقطعوا خط إمداداتهم ويحولوا بينهم وبين شمال الأردن والبلقاء التي تربطهم بالحجاز.
وفي هذه الأثناء فوّض أبو عبيدة سلطانه لخالد بن الوليد الذي اختار اليرموك مركزا لتجمع القوات، وذلك للابتعاد عن مناطق الإنزال البحري للبيزنطيين الذين كانوا يسيطرون على البحر المتوسط، وللاحتماء داخل البلاد والانسحاب عند الضرورة إلى الصحراء العربية.
وعندما وصلت جيوش المسلمين وجدوا أن الروم قد سبقوهم وتمركزوا غرب وادي الهرير من الضفة الشمالية لليرموك، فانتشر خالد بجيشه شرق الوادي، وامتد عسكره من تل الأشعري عند مجرى اليرموك جنوبا، فصار وادي الهرير من الشرق خلفه، وعلى يساره اليرموك جنوبا، وعلى يمينه طريق مفتوح نحو شمال “نوى”، وبذلك سد على البيزنطيين منفذهم الوحيد إلى الشمال.
أما فاهان فقد وضع المعسكر الرئيسي قرب الياقوصة للدفاع عن طريق واصل بين مصر وسوريا، وجعل وادي الرقاد المتفرع من نهر اليرموك خلفه، ومدّ جيشه على طول الوادي المقابل للرقاد.
ووضع الجيشان خططا ليجهز كل منهما على الآخر، وكل منهما يتربص بالثاني ويراقبه، وقضيا الشهور الأخيرة من فصل الربيع وأوائل الصيف في ذلك تمهيدا لليوم الفاصل.
وتذكر المصادر الغربية أن الروم لم يكونوا على عجلة من أمرهم، وجاءتهم أوامر بالمماطلة قدر الإمكان، ومحاولة دفع المال للمسلمين لحثهم على العودة إلى جزيرة العرب، أو المماطلة بالمفاوضات حتى يستعد الساسانيون الفرس لمهاجمة العراق، لكن تأخيرهم هذا كان فرصة لتجهّز المسلمين ووصول المدد الذي أمدّهم به الخليفة عمر بن الخطاب.
شعر قائد الروم فاهان بالقلق خوف فقدانهم التفوق العددي بعد وصول المدد إلى المسلمين، فذهب لملاقاة خالد بن الوليد بنفسه، وكان يرى أن العرب ليسوا سوى قوم جائعين تعساء فقراء، فعرض عليهم في هذا اللقاء الطعام والذهب على أن يغادروا، فقال خالد “لم يأت بنا الجوع إلى هنا”، ودعاه إلى الإسلام مقابل السلام وإلا فالحرب، وقال له “إنك ستواجه رجالا يحبون الموت كما تحب أنت الحياة”، فرد فاهان “حاول رجال أفضل منكم الاستيلاء على أراضينا فهزموا جميعا”، وهكذا انتهت المفاوضات.
بداية المعركة
وبدأت مبارزة بين الطرفين في اليوم الأول، فخرج من المسلمين عبد الرحمن بن أبي بكر، لملاقاة أقوى رجال الروم، فأجهز عليه وعلى 4 آخرين، فقرر فاهان بدء المعركة خوفًا على معنويات جيشه الذي شاهد النزال الخاسر، وبدأت بعدها المعركة.
بدأ الروم زحفهم نحو المسلمين، وقيل إن صوت زحفهم كان له دوي كدوي الرعد، فلما رأى خالد ذلك، أمر جنوده بالثبات ما أمكن حتى تنكسر شوكة العدو ويضعف هجومهم، فيبدأ حينها هجومه المضاد، إذ رأى ألا ينهك قواته في معارك جانبية، وأراد التركيز على فصل الجيش البيزنطي عن قواعده وقطع إمداداتهم.
حاول خالد استدراج البيزنطيين جنوبا باتجاه الطريق المفتوحة للمسلمين لضمان استمرار إمداداتهم والانسحاب إذا خسروا المعركة، ونجح في ذلك حيث أبعد البيزنطيين عن طريق إمداداتهم الآتية من الشمال، واستدرجهم إلى أودية صغيرة ضيقة شديدة الانحدار حماية لجنوده. وانتهى اليوم بإصابات شديدة في المسلمين من نبال الروم.
اليوم الثاني
في اليوم الثاني حاول الروم مباغتة المسلمين أثناء أدائهم صلاة الفجر، وهاجموا ميمنة المسلمين بقوة فأجبروهم على التراجع حتى المعسكر، وهناك تدخلت نساؤهم وقاتل بعضهن معهم، ووزعن الجمال حول المعسكر وربطنها، فتوقفت أحصنة الروم عن التقدم لما شمت رائحة الجمال الهائجة، فعرقل ذلك تقدم الروم.
وفي الميسرة عانى جناح يزيد بن أبي سفيان وأجبر على التراجع إلى المعسكر، وخرجت النساء هناك أيضا وتدخلن في القتال، وكنّ يشجعن رجالهن على الثبات والقتال، وقد استغل الروم ذلك، إذ انشغل خالد بن الوليد بالميمنة فظنوا أنهم تمكنوا منهم حتى ظهرت خيالة خالد الذي كان يتوقع مجريات المعركة، وأرسل فرقة لمهاجمة وسط جيش الروم واستمر في طريقه إلى الميسرة وهناك قطع المدد عن الأعداء.
وكان القتال هذا اليوم شديدا على المسلمين، وتدخل خالد في الميمنة والميسرة وحاصر المشركين هناك حتى أجبرهم على التراجع وأعاد ضبط المعركة لصالحه. وقد تأثر جيش المسلمين في البداية وخاصة ميمنته من جيش الأرمن المدعوم بالخيالة العرب المسيحيين، لكن تدخل خالد قلب موازين المعركة يومها فضعفت معنويات الروم لما أحسوا أنه طوّقهم.
اليوم الثالث
في هذا اليوم حاول فاهان إعادة الهجوم على المسلمين، وكان خالد حينها قد أعاد تنظيم خطته لما وجد فيها بعض الثغرات، وكان فاهان مركزا في معركته هذه على الجناح الأيمن معتمدا فيه على سلاح الفرسان الثقيل بقيادة قناطير ويظن أنه عبر ذلك سيحدث ضررا أكبر.
أظهر الروم تقدما كبيرا بقيادة قناطير الذي يقود السلافيين على الميسرة، وجبلة الذي يقود العرب الغساسنة، فاضطر الجناح الأيمن إلى التراجع وكذا جزء من الوسط، فتدخل خالد عبر الثغرة قاصدا فرق جبلة وحاصرها، فقتل فيها كثيرًا من الروم الذين انسحبوا من فورهم بلا تنظيم، ولما رأى قناطير ذلك تقهقر مع جنده، فأوقف خالد بذلك المعركة يومها لصالحه.
اليوم الرابع
في اليوم الرابع، استمر فاهان في هجومه وأمر قناطير وجبلة ببدء المعركة، وتعرض المسلمون لضغط شديد هناك، ثم أمر فاهان بتقدم قواته الأرمينية واليونانية ببطء، فقلق خالد من هجوم شامل قد لا يقدر على صده بعدما استشهد كثير من جنده، لذا أمر أبا عبيدة بن الجراح بالتقدم ومهاجمة فاهان ومن معه لتأخيرهم عن الوصول إلى خط المواجهة.
حاول خالد بن الوليد تخفيف الضغط على ميمنة جيشه حينها فناور مناورات ذكية أدت إلى تراجع الأرمن، فتراجع جيش بيزنطة من هناك، أما في جانب أبي عبيدة بن الجراح فقد اشتدّ القتال حتى فقد كثير من المسلمين أبصارهم بضرب النبال، فتراجعوا قليلا لتفادي السهام، وسُمي ذلك اليوم “يوم فقء العيون”.
رأت النساء في المعسكر الأيسر تراجع قوات يزيد إثر تقدم قوات الروم، فخرجن بأسلحتهن وانضممن إلى القتال، فزاد ذلك من قوة المسلمين المجاهدين لما رأوا نساءهم يقاتلن ويدعونهم إلى القتال وعدم التراجع، وكان للنساء في معركة اليرموك دور بارز في دعم المجاهدين، وتسببت تدخلاتهن الذكية في قلب الموازين حينها.
بعدما اشتد القتال في اليوم الرابع، ولاحت للمسلمين علامات انهزام، نادى عكرمة بن أبي جهل جيش المسلمين طالبًا من يبايعه على النصر أو الشهادة، فخرج معه 400 مجاهد، قاتلوا الروم وأوقفوا زحفهم وكبدوهم خسائر كبيرة، واستشهدوا جميعا، ولما اطمأن عكرمة للنصر، حمد الله مرتاحا ثم استشهد متأثرا بجروحه.
اليوم الخامس
في اليوم الخامس فاوض الروم المسلمين على هدنة، فاجتمع قادة المسلمين، ورأى بعضهم الهدنة نصرا، ورأى آخرون الاستراحة والعودة في يوم آخر؛ فالجنود مصابون ومنهكون، لكن خالد بن الوليد أقنع قائد جيش المسلمين (أبا عبيدة بن الجراح) برفض الهدنة؛ إذ أدرك أن الروم لم يعودوا قادرين على النزال، ورأى حسم المعركة لا التنازل، وقرر تحويل الإستراتيجية من الدفاع إلى الهجوم، وأجرى تغييرات على فرق الخيالة، وجعلها كلها تحت قيادته.
قرر خالد حينها عزل الفرسان عن المشاة في جيش الروم، لتبقى نواة جيشهم بلا حماية، وأن يهجم في الوقت ذاته على ميسرة جيشهم لإخراجها نحو الغرب. وأرسل فرقة مناورة للاستيلاء على الجسر الحيوي عبر ممر رقاد الذي كان خطا رئيسا بين الجيش البيزنطي ومعسكره. وجعل خلف جميع فرق المشاة فرسانا ليوهم الروم أن التشكيلة لم تتغير، وأبقى فرقة من الفرسان مخبأة بين منخفضات السهول.
اليوم السادس.. نهاية المعركة
بقي قلب جيش المسلمين صامدا ومن ورائه فريق أبي عبيدة بن الجراح، وعلى مدار خمسة أيام غير متتالية شاركوا في سلسلة معارك شرسة، أنهوها بمعركة “الواقوصة” يوم 12 أغسطس/آب 636م.
في اليوم الأخير خرج أبو عبيدة لمنازلة قائد الجناح الأيمن غريغوري بعدما طلب منه الأخير ذلك، وكان مقاتلا قويا معروفا وذا بنية جسدية ضخمة، وكان أبو عبيدة نحيلا طويلا قد طعن في السنّ. وكلّف أبو عبيدة خالد بن الوليد بخلافته في الولاية إذا قُتل في هذا النزال، وتوجه نحو غريغوري، وبدآ النزال تحت أنظار الجيشين، وحاول القائد الروماني قتل والي المسلمين بالحيلة، لكنه لم يتوقع خطوة أبي عبيدة الذي هجم عليه بسيفه فأصاب عنقه فقتله، فاشتدت حماسة المسلمين وكبروا ليأمر خالد بالهجوم الشامل.
أجهز المسلمون على البيزنطيين في اليوم السادس الذي كان شديد الحرارة مع وجود عاصفة رملية لافحة، وقد رجح خالد أن البيزنطيين سيتجنبون المواجهة في الأيام الحارة، فاستغل الظاهرة الطبيعية التي أرهقت الروم وشتت تركيزهم بعدما ضربت الرمال وجوههم وثقلت أجسادهم من عتادهم وسلاحهم، وارتعبوا من مبادرة المسلمين بالهجوم رغم قلّة عددهم وكثرة خسائرهم.
كان فاهان قائد جيش البيزنطيين يراقب مجريات المعركة وتطورها فلاحظ أن جنوده بدؤوا يخسرون المعركة، ثم ما لبث أن لمح سحابة غبار قادمة من الشمال، وكانت تلك هي الفرقة السرية التي خبّأها خالد لتهاجم البيزنطيين من الخلف، فالتمس فاهان من فوره طريقا عبر الشمال ليفرّ مع 40 ألفا من فرسانه.
وصل خالد فأجهز على من كان هناك، فانسحبت قوات جبلة من المعركة ورأت الطريق مسدودا فتشتت الجند وفر كل واحد منهم بطريق حفظا لنفسه. وعندما انتبه خالد لفرار فاهان الذي كان قاصدا دمشق، لحقه بعدما استأذن أبي عبيدة، واشتبك خالد وفلول الجيش البيزنطي فقُتل فاهان وكثير من جنده.
حوصرت قوات قناطير من كل الجهات، فتسبب ذلك في زعزعة استقرار جيش الروم الذي فقد ترابطه ودفع إلى المنحدرات، فسقط منهم كثير في الجرف دون أن يشعروا، وكان ذلك أهون عليهم من أن يقعوا في أيدي جيش زرع الخوف في أوصالهم، ومنهم من قتل ومن أسر.
ولما انتهت المعركة أرسل والي الشام أبو عبيدة بن الجراح إلى الخليفة عمر بن الخطاب يعلمه بالنصر عبر سفارة صغيرة ترأسها حذيفة بن اليمان، وكان عمر رضي الله عنه لم ينم منذ ثلاثة أيام انتظارًا لخبر من اليرموك، فلما وصلته البشرى خرّ ساجدا شكرًا لله.
نتائج المعركة
تسببت المعركة في خسائر مدوية للروم، وكانت من أعظم المعارك تأثيرًا في الفتوحات الإسلامية.
وبعد المعركة استقر المسلمون في بلاد الشام بعدما فتحوها كلها مدينة مدينة، ثم وصلوا منها إلى الشمال الأفريقي، فكانت فاتحة للتمدد الإسلامي في القرون التالية.
وكان من الأحداث البارزة في المعركة أن أسلم أحد قادة جيش الروم واسمه جرجة بن توذرا، وقد خرج لمبارزة خالد بن الوليد، فدار بينهما حوار قبل النزال، سأله فيه توذرا عن الإسلام، واستأمنه ألا يكذب عليه، فاطمأن قلبه للإسلام، وأعلن إسلامه وقاتل إلى جانب المسلمين واستشهد في المعركة.
الخسائر البشرية
أُصيب من المسلمين 3 آلاف بين قتيل وجريح، وخسر البيزنطيون 70 ألفا، وقال بعض المؤرخين إنهم وصلوا إلى 120 ألفا، وكان من شهداء المسلمين عكرمة بن أبي جهل، وضرار بن الأزور، وهشام بن العاص، وأبان بن سعيد.