على وقع تهديدات إسرائيلية.. ماذا يعني تلويح إيران بمراجعة عقيدتها النووية؟ | سياسة
طهران- على وقع الردود المتبادلة بين إيران وإسرائيل، وتزايد المخاوف من أن يتحول التوتر بينهما إلى كارثة نووية في ظل العمليات التخريبية التي استهدفت منشآت نووية في إيران خلال الأعوام الماضية، هدّدت طهران “بإمكانية مراجعة عقيدتها النووية”.
وقال قائد هيئة حماية المنشآت النووية في إيران، العميد أحمد حق طلب، الخميس الماضي، إنه “إذا أراد الكيان الصهيوني التهديد بمهاجمة المراكز النووية الإيرانية، فإن من المرجح مراجعة العقيدة والسياسات النووية الإيرانية والعدول عن الاعتبارات المعلنة في السابق”، مضيفا أن “أيادينا على الزناد وقد تم تحديد المنشآت النووية الإسرائيلية”.
وبعد أن أعرب مدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروسي، الاثنين الماضي، عن “قلقه” من احتمال استهداف إسرائيل المنشآت النووية الإيرانية، أكد، أمس الجمعة، عدم وقوع أي ضرر في المواقع النووية الإيرانية في الهجوم الذي يُعتقد أن إسرائيل شنته على مدينة أصفهان وسط الجمهورية الإسلامية.
مواقف متباينة
يذكر أن إيران شنت أول هجوم عسكري مباشر في تاريخها على إسرائيل في 13 أبريل/نيسان الجاري، وأطلقت عليه تسمية “الوعد الصادق” ردا على استهداف إسرائيل للقنصلية الإيرانية في دمشق في الأول من أبريل/نيسان الجاري، ما أدى إلى مقتل عدد من القادة العسكريين الإيرانيين.
ويُعتبر تهديد طهران هذه المرة بمراجعة عقيدتها النووية والانحراف عن الاعتبارات السابقة، الثاني من نوعه؛ إذ سبق وحذر وزير استخباراتها السابق محمود علوي عام 2021 من أن الضغط الغربي قد يدفع بلاده إلى السعي للحصول على أسلحة نووية.
وبعد رفض أكثر من مسؤول سياسي وبرلماني إيراني الرد على سؤال الجزيرة نت والتعليق على التهديد بإعادة بلادهم النظر في سياستها النووية، رصدت الجزيرة نت تباينا في تفاعل الأوساط الإيرانية مع هذا التهديد.
وفي حين ذهبت شريحة من الإيرانيين إلى أن التلويح بإعادة النظر في العقيدة النووية يرمي للتهديد بالانسحاب من الاتفاق النووي المبرم عام 2015، وتجميد المفاوضات النووية، والخروج من معاهدة حظر الانتشار النووي، والتخلي عن كل القيود التي تلتزمها طهران في أنشطتها النووية، يرى آخرون في موقف بلادهم “تحذيرا صريحا للقوى الكبرى من مغبة عدم كبح المغامرات الإسرائيلية”.
من ناحيته، يعتبر الدكتور بجامعة طهران محسن جليلوند الذي يُعرف بمتابعته لبرنامج طهران النووي، أن الاتفاق النووي أمسى في خبر كان ولم يبق منه سوى جثة هامدة وأن التهديدات بالتخلي عن المواثيق والمعاهدات النووية توحي باستشعار خطر وجودي يبرر للدول المستهدفة اتخاذ قرارات رادعة.
وفي حديث للجزيرة نت، يرى الأكاديمي الإيراني أن التهديد بمراجعة طهران عقيدتها النووية يرمي إلى إرسال رسائل واضحة للدول الغربية والشرقية والإقليمية “مفادها أن طهران قد تضطر إلى ذلك إذا استشعرت تهديدا وجوديا، وتحث تلك الدول على لجم إسرائيل فضلا عن مواجهة الحرب النفسية التي تشنها الأخيرة”.
العتبة النووية
ولدى إشارته إلى أن بلاده قد أكدت أكثر من مرة بلوغها العتبة النووية مستدركة أنها لا تعتزم صناعة القنبلة الذرية بناء على فتوى المرجعية الدينية، يرى جليلوند أن الجمهورية الإسلامية قادرة بالفعل على تنفيذ تهديدها هذا خلال سويعات أو أيام معدودة.
ووفق المعلومات المتوفرة لديه فإن طهران لم تستهدف في هجومها المباشر على إسرائيل أيا من المنشآت النووية الإسرائيلية لكنها تعمدت استهداف قاعدة جوية قريبة من مفاعل ديمونة، لتبرهن على قدرتها باستهداف الأخيرة في حال غامرت تل أبيب باستهداف المنشآت النووية الإيرانية.
وخلص جليلوند إلى أن التهديد بإعادة النظر في عقيدة طهران النووية ورد على لسان قيادي عسكري لا مسؤول سياسي وأن السلطات الرسمية تتعمد عدم التعليق عليه لتترك المجال أمام تفسيرات متباينة.
وكان رئيس المجلس الإستراتيجي للسياسات الخارجية في إيران، كمال خرازي، قد أكد عام 2022 -في حوار مع قناة الجزيرة- أن بلاده لديها القدرات الفنية لصناعة قنبلة نووية، مستدركا أنه لا قرار بعد في طهران بتصنيع القنبلة.
في المقابل، يذهب طيف من المراقبين الإيرانيين إلى أن الموقف المعلن بشأن تغيير العقيدة النووية مدروس ومنسق، ويعزز أصحاب هذا الاتجاه تحليلهم بالتغطية الإعلامية التي حظيت بها تصريحات العميد حق طلب وعدم رفض السلطات الرسمية ما ورد على لسانه.
ويشير الباحث الإستراتيجي علي رضا تقوي نيا، إلى أن بلاده لأول مرة تهدد بتغيير عقيدتها النووية على لسان مسؤول رفيع بالحرس الثوري، وعلى إسرائيل -قبل غيرها- أن تأخذ هذه التصريحات على محمل الجد.
وقال في حديثه للجزيرة نت إن الأمن القومي يمثل الخط الأحمر الأساس للجمهورية الإسلامية، وإنها ستكون محقة بتغيير عقيدتها النووية في حال استشعرت تهديدات بزعزعة أمنها وضرب مصالحها الوطنية التي قد تعجز تسليحاتها التقليدية عن ردعها.
ولدى إشارته إلى التهديدات الإسرائيلية بضرب المنشآت النووية الإيرانية، يستذكر تقوي نيا المثل القائل “من كان بيته من زجاج فلا يرمي الناس بالحجارة”، مؤكدا قدرة بلاده على أن تصبح القوة النووية العاشرة بالعالم في حال إقدامها على تغيير سياستها النووية بأمر من المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي.
فتوى المرشد
وأوضح الباحث نيا أن بلاده تمتلك صواريخ بعيدة المدى، فضلا عن التكنولوجيا النووية ومقادير كافية من اليورانيوم عالي التخصيب، مؤكدا أن بلاده قد اتخذت جميع الاحتياطات قبيل هجومها المباشر على الكيان الصهيوني كون الأخير قوة نووية.
ورغم التباين في قراءة الأوساط الإيرانية بشأن احتمالات التغيير في العقيدة النووية، هناك إجماع على أن أي تحرك نحو صناعة القنبلة النووية واستخدامها يتعارض وفتوى المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي بتحريم الأسلحة النووية.
وكان المرشد الإيراني قد أكد في أكثر من مناسبة آخرها عام 2019 أن “بناء وتخزين القنابل النووية أمر خاطئ واستخدامها حرام.. على الرغم من أن لدينا التكنولوجيا النووية، فقد تحاشت إيران ذلك تماما”.
وبذلك يبقى التغيير في عقيدة طهران النووية رهن إشارة المرشد الأعلى كونه رأس هرم السلطة وأعلى مرجعية دينية في إيران، لكن في الوقت ذاته، ينقسم الإيرانيون بين مَن يرى أنه لا نقاش في الفتوى الدينية وآخرين يرون أن الفقه الشيعي مبني على أسس دينامية وحيوية.