Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
خبر عاجل

مفاوضات “حماس” لوقف إطلاق النار إلى أين؟ | سياسة


تخوضُ حركةُ المقاومة الإسلاميّة “حماس”، ومعها فصائل المقاومة الفلسطينية، معركة ضروسًا مع التحالف الصهيو- أميركي في ميدان التفاوض، لا تقلّ ضراوة عن معركتها العسكرية في مواجهة حرب الإبادة الجماعية التي تقودها قوات التحالف الصهيو-أميركي في قطاع غزة، منذ أكثر من ستة أشهر.

تعاقبت جولات التفاوض غير المباشر بين الطرفين، بمساعدة الوسطاء المصريين والقطريين، للتوصل إلى وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، ولكنّها تصل كل مرة إلى طريق مسدود؛ بسبب تشدد حماس في مطالبها الأساسية لإبرام الاتفاق، وقبل يومين قدّمت ردّها على مقترحات الوفد الأميركي، وهي ردود من المؤكد أنها غير مقبولة من التحالف الصهيو-أميركي، ما يعني فشل هذه الجولة، كما فشلت سابقاتها، فأين تكمن المشكلة؟ وما الذي ستصل إليه هذه المفاوضات في النهاية؟

رغم أن طرفي المفاوضات غير متكافِئَين سياسيًا وعسكريًا على الإطلاق، فإن معطيات الواقع الميداني في المعركة أفقدت الطرف الأقوى القدرة على الانتصار حتى الآن، وبالتالي أفقدته القدرة على هزيمة حماس، وفرض شروطه

عقدة المنشار

المفاوضات التي تجري بين الأطراف المتحاربة أو المتنازعة عادة ما تقوم على أحد ثلاثة أسس حاسمة، تتحكّم في نوعية الشروط المفروضة وطبيعة الاتفاق الذي سيتمّ التوصل إليه في النهاية، وهذه الأسس هي:

وجود طرف منتصر، وآخر منهزم، وهذا الأساس يضع المنتصر في موقع يمكّنه من فرض الشروط التي يريدها على الطرف المنهزم، على غرار مع ما فعلته الدول المنتصرة في الحربَين العالميتَين: الأولى والثانية، مع الدول المنهزمة. وتتسم هذه المفاوضات بأنها سريعة، وتكون على شكل إملاءات ملزمة للطرف المنهزم. ويندرج تحت هذا الأساس كذلك، المفاوضات التي جرت عام 1982م بين منظمة التحرير الفلسطينية والكيان الصهيوني، عن طريق الوسطاء للخروج من لبنان، بعد أن خسرت المقاومة الفلسطينية الحرب ضد قوات الكيان الصهيوني، واضطرت منظمة التحرير للقبول بشروط وإملاءات الكيان الصهيوني. وجود طرفين متصارعين على درجة كبيرة من التكافؤ العسكري، ويرغبان في التوصل إلى اتفاق ينهي حالة القتال والعداء بينهما، وهنا لا يستطيع أي من الطرفين أن يفرض شروطه على الآخر، وإنما يعملان على التوصل إلى حلول وسط لكافة النقاط والمشكلات والخلافات الكامنة وراء أسباب الصراع، بما يحقق المصالح المشتركة لكل منهما.

وذلك على غرار ما حدث بين مصر والكيان الصهيوني. وهذا النوع من المفاوضات يستغرق وقتًا طويلًا، حيث ينبري كلا الطرفين للطرف الآخر متسلحًا بكافة الأساليب والوسائل والمستندات التي تمكّنه من التفوّق على الطرف الآخر؛ للخروج بأكبر قدر ممكن من الشروط، والمصالح والضمانات.

وجود طرفين متصارعين وغير متكافِئَين عسكريًا، ويتفقان على إنهاء حالة الحرب والعداء بينهما، وهنا يكون الطرف الأقوى، هو صاحب اليد العليا في المفاوضات، وفرض الشروط على الطرف الأضعف، ولكن مع القبول ببعض مطالبه، والتنازل له عن بعض المكتسبات التي تشجعه على الدخول في المصالحة وإنهاء حالة الحرب، وذلك على غرار ما حدث بين منظمة التحرير الفلسطينية، والكيان الصهيوني في اتفاق “أوسلو”، وكثيرًا ما كان الزعيم ياسر عرفات يردد مقولته الشهيرة: “هم اليد العليا ونحن اليد السفلى”.

وبالرجوع إلى المفاوضات الدائرة حاليًا بين التحالف الصهيو-أميركي وحركة حماس، نجد أن هناك خللًا كبيرًا في الأساس الذي تقوم عليه، حيث يصعب إدراجها تحت أي نوع من الأنواع الثلاثة السابقة، فرغم أن الطرفين غير متكافِئَين سياسيًا وعسكريًا على الإطلاق، فإن معطيات الواقع الميداني في المعركة أفقدت الطرف الأقوى القدرة على الانتصار حتى الآن، لأنه لم يستطع تحرير الأسرى، ولا القضاء على المقاومة المسلحة، رغم مرور أكثر من ستة أشهر على هذه الحرب.

وكل الذي استطاع التحالف الصهيو-أميركي تحقيقه كان القيام بإبادة جماعية شاملة ضد الشعب الفلسطيني في غزة في أبشع صورها، ما أثار عليه شعوب العالم أجمع والغالبية العظمى من الأنظمة السياسية.

وفي المقابل، يعتبر العسكريون والإستراتيجيون أن صمود حماس أمام التحالف الصهيو-أميركي حتى اليوم والحيلولة دون تمكينه من تحقيق أهدافه المعلنة للحرب؛ يعتبر بحد ذاته انتصارًا لصالح حماس والمقاومة المسلحة في قطاع غزة. وقد انعكس هذا الوضع على المفاوضات الجارية فيما يأتي:

  • رفض التحالف شرط حماس بالإيقاف الدائم لإطلاق النار، وانسحاب قوات الكيان الصهيوني (الشامل) من قطاع غزة.
  • رفض حماس شرط التحالف بالإيقاف المؤقت لإطلاق النار، وانسحاب قوات الكيان الصهيوني (الجزئي) من قطاع غزة.

وهذا يفتح المجال أمام سيناريوهات تصعيدية جديدة.

أسوأ سيناريوهات التحالف الصهيو-أميركي القادمة، لجوؤه إلى وضع إستراتيجية عسكرية متوحشة تجبر حماس على رفع الراية وإعلان الاستسلام، بعد الانتهاء من معالجة موضوع النازحين، واستيعابهم في مخيمات إيواء جديدة، تحت إشراف الأمم المتحدة، بعيدًا عن ساحة المعركة

السيناريوهات القادمة

هذا التشدّد مع استمرار وتيرة المعركة على ما هي عليه، يضع الطرفين في مرتبة واحدة من الناحية التفاوضية، في حين أنهما من الناحيتين السياسية والعسكرية ليسا كذلك. وهذا يعني أن المفاوضات ستبقى تراوح مكانها، ولن تحقق تقدمًا على صعيد إيقاف إطلاق النار، وسيترتّب على ذلك قيام الطرفين باتخاذ إجراءات من شأنها تغيير الأساس الذي تقوم عليه المفاوضات، لتنتقل من حالة التكافؤ في شروط التفاوض، إلى حالة المنتصر والمنهزم، بحيث يتمكّن أحد الطرفين من إجبار الطرف الثاني على الإذعان لشروطه، وذلك ضمن سيناريوهات محتملة، سيلجأ لها الطرفان بالتزامن، وعلى رأسها اثنان من جهة التحالف، واثنان من جهة حماس، على النّحو التالي:

  • الأول: لجوء التحالف الصهيو-أميركي إلى وضع إستراتيجية عسكرية متوحّشة تجبر حماس على رفع الراية وإعلان الاستسلام، بعد الانتهاء من معالجة موضوع النازحين، واستيعابهم في مخيمات إيواء جديدة، تحت إشراف الأمم المتحدة، بعيدًا عن ساحة المعركة، من أجل تخفيف الاحتجاجات الرسمية والشعبية المطالبة بحماية المدنيين ومراعاة القانون الدولي والإنساني. وهو السيناريو الأرجح من جهة التحالف، في ظلّ الوقائع الجارية على الأرض، وسيكون السيناريو الأسوأ.
  • الثاني: قيام الإدارة الأميركية بتكثيف العمل على إسقاط رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو شعبيًا وسياسيًا، وتشكيل حكومة معتدلة لا تضمّ أحدَ أحزاب اليمين المتطرف، تضع قواعد جديدة للتعامل مع حماس؛ من أجل التوصل إلى حلّ يقبله الطرفان. وهذا السيناريو يتعارض مع توجهات ومصالح الأوساط الإقليمية التي ترفض خروج حماس منتصرة في هذه الحرب.
  • الثالث: لجوء حماس والمقاومة الفلسطينية إلى خطط تكتيكية عسكرية نوعية تركّز على أفراد الجيش الصهيوني أكثر من تركيزها على الآليات العسكرية، بحيث تعمل على الإيقاع بأكبر عدد ممكن من أفراد الجيش بين قتيل وجريح، ما يشكل عاملَ ضغطٍ كبيرٍ على الشارع اليهودي في دولة الكيان الصهيوني وخارجها. إلا أن أكبر مخاطر هذا السيناريو عدم قدرة حماس على مواجهة توحّش العمليات الهجومية المتوقّعة في السيناريو الأول.
  • الرابع: لجوء حماس إلى أساليب تكتيكية جديدة سياسية وعسكرية، شبيهة بتلك التي لجأت إليها حركة طالبان في مفاوضاتها المكوكية مع الإدارة الأميركية.

تتسارع الأيام، وتتفاقم الأزمات الإنسانية، ومؤشر الخسائر البشرية في صفوف المدنيين في صعود لا يتوقف، وما زالت حماس تواجه وحدها مع فصائل المقاومة المسلحة في غزة حرب الإبادة الجماعية الصهيو-أميركية الشاملة، مدعومة من الدول الأوروبية الكبرى، التي تدافع باستماتة عن الكيان الصهيوني، ولا ترى له أي تجاوزات أو انتهاكات للقانون الدولي والإنساني، ومازالت تنكر الإبادة الجماعية الشاملة التي يقوم بها في قطاع غزة.

فهل ستقف حماس عند حدود هذين السيناريوهَين، أم ستنتقل إلى سيناريوهات أخرى تمليها الوقائع الميدانية والمتغيرات المحلية والإقليمية المتوقّعة؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى