في شرح مبسّط.. ما علاقة الدولار الأميركي بالفوضى في الأسواق الناشئة؟ | اقتصاد
هوت عملات الأسواق الناشئة هذا العام مع استمرار ارتفاع قيمة الدولار، فقد تراجع الدولاار التايواني إلى أدنى مستوى له منذ ما يقرب من 8 سنوات هذا الأسبوع، وانخفضت الروبية الهندية إلى مستوى قياسي، واقترب الرينغيت الماليزي من أدنى مستوياته منذ الأزمة المالية الآسيوية في عام 1998، وانخفضت 22 من عملات الدول النامية الرئيسية مقابل الدولار من بين عملات 23 دولة يتتبعها مؤشر بلومبيرغ هذا العام.
وتتوقف قوة عملات الدول على ضخ الدولار الأميركي (عملة التبادل التجاري العالمي والغالبة على الاحتياطيات الأجنبية) في اقتصاداتها سواء نتيجة تصدير سلع وخدمات أو شراء أدوات دين أو استثمارات أجنبية مباشرة.
ما سر ارتفاع الدولار هذا العام؟
يتلخص العامل الرئيسي الدافع لقوة الدولار في “الاستثناء” الذي تتمتع به الولايات المتحدة، وفق وكالة بلومبيرغ، ففي حين أن معظم الاقتصاد العالمي يشهد نموا معتدلا، فاقت البيانات الأميركية من التوظيف إلى مبيعات التجزئة إلى التضخم توقعات المحللين في كثير من الأحيان، مما دفع المتداولين إلى تقليص رهاناتهم على تخفيضات سعر الفائدة من قبل بنك الاحتياطي الاتحادي الأميركي (البنك المركزي )، وساعد على تعزيز مكاسب الدولار.
وتتوقع الأسواق خفض الفائدة الأميركية، لكن الشكوك ساورت الكثير من المراقبين في هذا الصدد لأن زيادة معدلات التوظيف الأميركية تعني المزيد من الرواتب للعاملين بالتالي زيادة الاستهلاك الذي يرفع مستويات الأسعار (التضخم) وهذا ما تعبر عنه زيادة مبيعات التجزئة عن المتوقع.
ولجأت الولايات المتحدة خلال السنتين الماضيتين وإلى الآن إلى مواجهة التضخم عبر رفع الفائدة لجذب الأموال إلى الاستثمار في العوائد بدلا من الاستهلاك الذي يرفع مستويات الأسعار، ويؤدي ذلك إلى المزيد من القوة للدولار مع توجه الأموال إلى الاستثمار في أدوات الدين في الولايات المتحدة (المصدرة للعملة الخضراء).
وارتفع مؤشر بلومبيرغ للدولار الفوري، الذي يتتبع العملة الأميركية مقابل 12 من نظيراتها الرئيسية، 4.31% هذا العام، وقت كتابة التقرير.
لماذا تراجعت عملات الأسواق الناشئة؟
كان المحرك الرئيسي لقوة الدولار المتصاعدة واحتمال بقاء الفائدة الأميركية مرتفعة لفترة أطول، ويبلغ الحد الأعلى للفائدة الأميركية حاليًا 5.5%، مما يعني أن المستثمرين قادرون على الحصول على عوائد جذابة من الاحتفاظ بالدولار من دون الاضطرار إلى تحمل مخاطر سعر الصرف المتمثلة في إرسال الأموال إلى الأسواق الناشئة.
وفي حين أن عددا من الدول النامية تقدم فائدة أعلى مقارنة بالولايات المتحدة، فإن هذه الميزة تتقلص في كثير من الحالات، ففي بداية السنة الماضية، كانت الفائدة في البرازيل 13.75%، وفي تشيلي 11.25%، وفي المجر 13%، لكن البنوك المركزية في الاقتصادات الـ3 خفضت الفائدة الرئيسية بأكثر من 12 نقطة مئوية، منذ ذلك الحين.
لماذا كانت العملات الآسيوية معرضة للخطر بشكل خاص؟
يرجع الأمر إلى أن الفائدة في البنوك المركزية في المنطقة أقل من معظم الأسواق الناشئة الأخرى، فمثلا، تقل الفائدة في ماليزيا 2.5% عن نظيرتها الأميركية، وهي فجوة قياسية للدولة الواقعة في جنوب شرق آسيا، كما أن المعدلات في تايلاند وكوريا الجنوبية وتايوان والصين أقل من نظيرتها الأميركية.
ويفضل المستثمرون العائد الأعلى على استثماراتهم لذا يزيد الإقبال في هذه الحالة على أدوات الدين الأميركية (سندات الخزانة).
وبينما كان صناع السياسات في الولايات المتحدة يرفعون تكاليف الاقتراض (الفائدة) على مدى السنتين الماضيتين، كان البنك المركزي الصيني يخفضها لدعم الاقتصاد الصيني المتعثر، وأدى ذلك إلى تعرض اليوان لضغوط مستمرة تسربت إلى عملات آسيوية أخرى، خاصة الوون الكوري الجنوبي والدولار التايواني لروابط البلدين الاقتصادية الوثيقة مع الصين.
ماذا تفعل البنوك المركزية الآسيوية لدعم عملاتها؟
أدى تزايد التوقعات بإبقاء الفائدة الأميركية مرتفعة إلى إبعاد البنوك المركزية الآسيوية عن خفض الفائدة خوفًا من إضعاف عملاتها.
وأطلق صناع السياسات النقدية في جميع أنحاء المنطقة العنان لعدد من الأدوات لتعزيز عملاتهم، واستخدمت الصين سعر الصرف اليومي لدعم اليوان، في حين سعت البنوك المملوكة للدولة إلى تعزيز العملة عن طريق بيع الدولار، وقد لجأ بنك إندونيسيا إلى استخدام احتياطياته من النقد الأجنبي لشراء الروبية، في حين شجع البنك المركزي الماليزي الشركات المرتبطة بالدولة على إعادة دخل الاستثمار الأجنبي إلى الوطن وتحويله إلى الرينغيت.
ويؤدي ضخ الدولار في الأسواق المحلية من خبر البنوك المركزية إلى تعزيز العملات المحلية مع توافر العملة الخضراء في الأسواق.
لكن البنوك المركزية تعرف أن الأمر ينطوي على مخاطرة، فإذا استنفدوا الاحتياطيات الأجنبية بسرعة كبيرة، فإن هذا قد يؤدي إلى مخاوف بشأن استقرارها المالي على المدى الطويل، وحتى بنك اليابان التي تمتلك قوة كبيرة للدفاع عن الين، لم تتدخل بشكل مباشر في السوق إلا 3 مرات في عام 2022 لدعم عملتها.