مسؤولون أمميون: الأزمة بالسودان بحاجة لإجراءات عاجلة | سياسة
بمناسبة مرور عام على اندلاع الحرب في السودان وبالتزامن مع المؤتمر الدولي المنعقد حولها في باريس في 15 أبريل نيسان الجاري، كتب 4 مسؤولين في الأمم المتحدة مقالا مشتركا نشره موقع الجزيرة الإنجليزية قالوا فيه إن على المجتمع الدولي أن يضغط من أجل السلام ووصول المساعدات الإنسانية وتمويل إيصال تلك المساعدات.
ووصفوا الوضع الراهن بأنه كارثة إنسانية تنطوي على انتهاكات مروعة ومفزعة للمدنيين، وتشمل القتل العشوائي والقتل بدوافع عرقية، والعنف الجنسي ضد النساء والفتيات، والتسبب في أزمة نزوح لملايين السكان داخليا وخارجيا، وهو النزوح الأسرع في العالم حتى اليوم، وفي بروز خطر كبير بأن تضرب المنطقة قريبا أكبر أزمة جوع في العالم، وغير ذلك من المآسي.
وقام بتوقيع المقال كل من:
- فليبو غراندي: مفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين
- مارتن غريفيث: وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ
- سيندي ماكين: المدير التنفيذي لبرنامج الغذاء العالمي
- كاثرين راسل: المدير التنفيذي لليونيسيف
وفيما يلي النص الكامل للمقال:
للحظة وجيزة، كانت عيون العالم على السودان، حيث اجتاحت الحرب الأهلية البلاد في أبريل/نيسان الماضي، بعد انهيار اتفاق تقاسم السلطة الهشّ بين القوات المسلحة السودانية، وقوات الدعم السريع. ومنذ ذلك الحين، اختفى الصراع الوحشي من جدول الأعمال الدولي، بالسرعة التي انهار بها الوضع في البلاد.
في 15 أبريل/نيسان 2024، بعد عام واحد بالضبط من اندلاع الحرب، سيعقد مؤتمر رفيع المستوى حول السودان في باريس. ويوفر المؤتمر، الذي تستضيفه فرنسا وألمانيا والاتحاد الأوروبي، فرصة حيوية لإعادة تركيز الاهتمام الدولي على هذه الأزمة المنسية، التي يجب على قادة العالم عدم إهدارِها.
لقد أودى العنف بحياة الآلاف، واقتلع الملايين، وأطلق العنان لكارثة إنسانية، تهدّد بتصدير عدم الاستقرار إلى جميع أنحاء هذه المنطقة من أفريقيا. ويضيف انهيار السودان إلى ظاهرة التمرد التي تجتاح دول الساحل المجاورة، مما قد يؤدي إلى إصابة إحدى مناطق التي تمتد من المحيط الأطلسي إلى البحر الأحمر، بعدم الاستقرار.
الهجمات المروعة على المدنيين هي السمة المفزعة لهذا الصراع، ويشمل ذلك عمليات القتل العشوائي، والقتل بدوافع عرقية في دارفور، وانتشار العنف الجنسي ضد النساء والفتيات، وتفشي الجوع. وقد أشعلت هذه العوامل مجتمعة أزمة النزوح الأسرع نموًا في العالم، وأكبر نزوح للأطفال، بسرعة ونطاق مذهلَين.
في أقل من عام، أُجبر 8.5 ملايين شخص على ترك منازلهم، وهناك المزيد والمزيد من الناس يتنقلون مع تفاقم الظروف. وفرّ ما يقرب من مليوني شخص عبر الحدود، معظمهم إلى تشاد وجنوب السودان ومصر؛ هربًا من إراقة الدماء. وأكثر من نصف أولئك الذين يبحثون عن ملاذ، هم من الأطفال. وقد مدت البلدان المجاورة يدها إلى الأشخاص الذين هم في أمسّ الحاجة إليها، لكن بعض هذه الدول تعاني بالفعل من وطأة حالات الطوارئ الإنسانية الخاصة بها.
هناك أيضًا خطر كبير بأن تصبح المنطقة قريبًا أكبر أزمة جوع في العالم. ففي السودان، حيث ارتفعت أسعار المواد الغذائية بأكثر من 110% بحلول فبراير/شباط الماضي، يعاني ما يقرب من 18 مليون شخص من الجوع الحادّ، بينما يواجه ما يقرب من سبعة ملايين في جنوب السودان، وثلاثة ملايين في تشاد نفس المصير، أي ما يقرب من 28 مليون شخص في المجموع.
والمزيد من الناس يتنقلون مع تفاقم الظروف. وقد فرّ ما يقرب من مليوني شخص عبر الحدود، معظمهم إلى تشاد وجنوب السودان ومصر؛ هربًا من إراقة الدماء. وأكثر من نصف هؤلاء الذين يبحثون عن ملاذ، هم من الأطفال. وقد مدت البلدان المجاورة يدها إلى الأشخاص الذين هم في أمسّ الحاجة إليها، لكن بعض هذه البلدان تعاني بالفعل من وطأة حالات الطوارئ الإنسانية الخاصة بها.
داخل السودان، أصبحت المجاعة الآن احتمالًا حقيقيًا وخطيرًا في الأشهر المقبلة. وهناك أعداد كبيرة من الناس الذين يعانون من مستويات خطيرة من انعدام الأمن الغذائي – في الواقع، هم على بُعد خطوة واحدة من المجاعة – ومع ذلك، فإن 90% منهم محاصرون في مناطق يتعذر على الوكالات الإنسانية الوصول إليها إلى حد كبير. وتشمل هذه النقاط الساخنة للصراع، مثل: الخرطوم، وولاية الجزيرة، وكردفان، وولايات دارفور.
ويشعر أطفال السودان بالأثر القاسي لهذه الحرب أكثر من غيرهم؛ فاطمة البالغة من العمر ست سنوات، على سبيل المثال – التي نزحت مرتين، أولًا عندما هربت من القتال في الخرطوم مع عائلتها، ثم من الجزيرة إلى كسلا – تتوق إلى المنزل والمدرسة والسلام.
وهي واحدة مما يقرب من خمسة ملايين طفل نزحوا، و 19 مليونًا لا يتلقون أي تعليم، حيث تم إغلاق المدارس، ورواتب المعلمين غير مدفوعة، وميزانيات إدارة المدارس مفقودة. إن عواقب هذا المستقبل المحطم ستكون محسوسة لجيل كامل.
ويجب على المجتمع الدولي أن يعمل الآن لتفادي الكارثة الإقليمية التي تلوح في الأفق.
- أولًا: يجب أن يكون هناك جهد منسق لتأمين وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق، وضمان حماية المدنيين في السودان. وهذا يشمل مجموعات المتطوعين المحلية، والمنظمات النسائية التي تدعم الناجيات من العنف الجنسي، كما أنَّ هؤلاء المتطوعين والعاملين يتم استهدافهم أيضًا.
وعلى الرغم من القرار الأخير لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الذي يدعو إلى وصول المساعدات الإنسانية دون قيود، فإنّه لم يتم بعدُ تحقيق تقدم حقيقي على أرض الواقع. ولا تزال عمليات إيصال إمدادات الإغاثة إلى السكان المحتاجين، عبر الحدود وخطوط القتال، تواجه العراقيل. وفي الوقت نفسه، تتعرّض الإمدادات والفرق الإنسانية للنهب والهجمات.
ونحن بحاجة إلى أن توفر جميع الأطراف إمكانية الوصول دون قيود، وأن تكون جميع المعابر الحدودية مفتوحة، ولا سيما المعابر المؤدية إلى دارفور وكردفان. إن تهيئة المجال لوكالات المعونة لكي تعمل بفاعلية أصبحت الآن ضرورة إنسانية ملحة. - ثانيًا: تتطلب الأزمة المتصاعدة استجابة طارئة ممولة بشكل صحيح. على الرغم من الاحتياجات الهائلة، فإن النداء الإنساني المشترك للسودان بقيمة 2.7 مليار دولار- والذي يهدف إلى توفير الدعم المنقذ للحياة لما يقرب من 15 مليون شخص- تم تمويله بنسبة 6% فقط.
وتوفير موارد إضافية لمساعدة اللاجئين والعائدين الموجودين الآن في البلدان المجاورة، لا يقل أهمية. ففي جنوب السودان، يعني نقص الأموال أن ثلاثة ملايين شخص يعانون من الجوع الشديد لا يتلقون حاليًا أي مساعدات غذائية. وفي الوقت نفسه، في تشاد، لن يؤدي سوى ضخ نقدي عاجل إلى منع جميع اللاجئين البالغ عددهم 1.2 مليون لاجئ في البلاد وحوالي ثلاثة ملايين تشادي من فقدان حصصهم الغذائية في وقت لاحق من هذا الشهر.
هؤلاء جميعًا أشخاص ضعفاء للغاية يحتاجون إلى الدعم والحماية الدوليَين، ويمكن لفرقنا الوصول إليهم، لكنهم لم يعودوا قادرين على تحمل تكاليف المساعدة. وإذا سمح لهذه التخفيضات بالمضي قدمًا، فإن الارتفاع الحاد الناتج عن الجوع لن يؤدي إلا إلى مزيد من المعاناة لأولئك الذين فقدوا الكثير بالفعل، وسيسرع من انزلاق المنطقة إلى عدم الاستقرار والفوضى.
والنتيجة المتوقّعة لاستمرار نقص التمويل في بلدان اللجوء في الخطوط الأمامية، هي أن المزيد من الناس سيشعرون بأنهم مجبرون على الانتقال، بما في ذلك محاولة العبور الخطير للبحر الأبيض المتوسط.
أخيرًا؛ وبشكل أساسي، تتطلب هذه الأزمة المنسية حلولًا سياسية مستدامة لوقف القتال الذي يمزّق السودان، ويزعزع استقرار جيرانه.
ويمثل مؤتمر باريس فرصة حاسمة لإطلاق مبادرة دبلوماسية جديدة، تهدف إلى إنهاء العنف، وتجنب المجاعة واستعادة التوازن الهشّ في المنطقة. ونحثّ المجتمع الدولي على عدم التخلي عن ذلك.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.