العملاء الأجانب.. مشروع قانون في جورجيا قد ينهي حلم انضمامها للغرب | سياسة
مراسلو الجزيرة نت
تبليسي- باتت جورجيا على أعتاب صيف سياسي ساخن بعد قيام حزب “الحلم الجورجي – جورجيا الديمقراطية” (الحاكم) بتقديم مشروع قرار عبر البرلمان بشأن العملاء الأجانب، رغم أنه أثار احتجاجات حاشدة العام الماضي.
وينص مشروع القانون على إدراج المنظمات التي تحصل على أكثر من 20% من دخلها من الخارج إلى سجل خاص، لكنه لا يشمل المنظمات التي أسستها الهيئات الإدارية والاتحادات الرياضية.
وسيؤدي عدم الإبلاغ عن التسجيل وإخفاء مصادر الدخل إلى غرامة قدرها 25 ألف لاري (حوالي 10 آلاف دولار).
والعام الماضي فشلت محاولة مشابهة لتقديم مشروع قانون “شفافية النفوذ الأجنبي” إلى البرلمان من قبل الأغلبية البرلمانية، التي توصف من قبل المعارضة بأنها معادية للغرب.
وخلال المناقشة الأولية للقانون في البرلمان وصلت الأمور إلى العراك بالأيدي بين النواب، بعد أن وصف المعارض أليكو إليساشفيلي القانون بأنه قانون روسي، ما دفع برئيس البرلمان شالفا بابواشفيلي إلى التهديد بإيقاف الميكروفون عن أي شخص يستخدم مصطلح “القانون الروسي” قائلا “لا تخدعوا الناس، لقد نجحتم العام الماضي، لكن هذا العام لن تنجحوا”.
والنسخة الحالية من القانون مطابقة تماما للنسخة التي تمت مناقشتها العام الماضي، لكن الفرق الوحيد هو استبدال مصطلح “عميل أجنبي” بعبارة “منظمة تسعى إلى تحقيق مصالح قوة أجنبية”.
ومع ذلك نظمت المعارضة المؤيدة للغرب في العاصمة تبليسي وغيرها من المدن “مسيرة الحرية” في التاسع من من أبريل/ نيسان الجاري وهي تلوح بأعلام الاتحاد الأوروبي والملصقات المناهضة لروسيا، في تكرار لمشهد مماثل وفي نفس التاريخ ولكن في العام 1989 عندما وقعت اشتباكات عنيفة بين المتظاهرين والقوات السوفياتية.
أبعاد خارجية
وفي تبريره الحاجة إلى اعتماد القانون، قال زعيم الحزب الحاكم ماموك مدينارادزه إن المنظمات غير الحكومية تقوض أمن جورجيا، وتجرها إلى الصراع في أوكرانيا، مشيرا إلى أن المنظمات المذكورة شاركت بفعالية في جميع الاحتجاجات التي جرت في عام 2022 والتي كان مطلبها الرئيسي هو الانضمام إلى العقوبات الغربية ضد روسيا وإرسال متطوعين إلى أوكرانيا.
واستنادا إلى بيانات رسمية، هناك حوالي 10 آلاف منظمة غير ربحية ومنظمة غير حكومية في جورجيا يعمل الكثير منها بشكل فاعل مع الرأي العام وتوصف بأنها تحاول التأثير على قرارات الحكومة.
وتتشابه أطروحات هذه المنظمات في كثير من الأحيان، كالدعوة لتحرير الأسعار وتشجيع الاستثمارات الأجنبية على نحو تقول الحكومة إنه يضر بالمنتجين الجورجيين، وكذلك الانضمام إلى العقوبات المناهضة لموسكو والالتزام بالتوجه الأوروبي الأطلسي لتنمية البلاد.
ومن المقرر أن تجرى الانتخابات البرلمانية في جورجيا في أكتوبر/تشرين الأول المقبل وسط توقعات بأن يتزايد نشاط المنظمات المستهدفة بمشروع القانون الجديد خلال الحملة الانتخابية.
وكان رئيس البرلمان، شالفا بابواشفيلي، صرح في وقت سابق بأن تبليسي رصدت زيادة ملحوظة في ما وصفه بـ”التمويل السري للجماعات المتطرفة”، متهما “صندوق الديمقراطية الأوروبي” بتقديم أموال للحملة الانتخابية عبر منظمة غير حكومية وهمية.
إسكات الصوت الأوروبي
وتعتبر الأصوات المناهضة للقانون داخل جورجيا والذي تصفه بـ”الروسي” أن من شأن إقراره استهداف أنشطة المنظمات الغربية والمتعاونة معها داخل البلاد، وهو ما دفع المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، لنفي علاقة موسكو ووصف الاتهامات الموجهة لروسيا بهذا الخصوص بـ”السخيفة”.
وحسب المختص في شؤون القوقاز غيفي أباشيدزه، فإن قانون “العملاء الأجانب” لن يسمح في حال إقراره لممثلي المنظمات غير الحكومية الممولة من الخارج بتحقيق أهدافهم، التي يتم الترويج لها مقابل منح نقدية كبيرة، ولكن بتقديمها كمصالح مفترضة للمجتمع الجورجي.
ويستغرب المتحدث في حديث للجزيرة نت من إدانة البلدان الغربية لجورجيا لإعادة تفعيل هذا القانون، على الرغم من أن الاتحاد الأوروبي نفسه يفكر في اعتماد قانون مماثل، فضلا عن أن قانونا مشابها معتمد داخل الولايات المتحدة ودخل حيز التنفيذ منذ عام 1938.
ويتابع أنه من غير الواضح ما إذا كانت السلطات الجورجية ستتمسك بتصميمها على إقرار القانون هذه المرة، لكن الغرب -حسب رأيه- لن يقف مكتوف الأيدي في حال اعتماد القانون، ومن غير المستبعد أن يفرض عقوبات على الحكومة الحالية.
لكن الأهم -حسب رأيه- هو أن المعارضة المحلية لا تملك حججا مقنعة لمنع إقرار قانون شفافية التمويل، لذا فإنها ستلجأ إلى المظاهرات والاعتراض بكافة الأشكال ضد تمريره.
بدوره، يعتقد المحلل السياسي ليفان غيورغادزه أن المعارضة تتوجس من أن الغرامات ستتبعها عقوبات إدارية وجنائية في المستقبل، فضلا عن انحسار نفوذها السياسي في البلاد، وهو ما يشكل ضربة مؤثرة للنفوذ الغربي في البلاد.
ولفت غيورغادزه إلى أن مشروع القرار المقدم يشابه إلى حد كبير القانون الروسي الخاص بالعملاء الأجانب، وأن الموافقة عليها ستؤدي إلى تشديد الخناق وتعزيز النزعات الاستبدادية، حسب تعبيره.
بالإضافة إلى ذلك، يعتبر أن إقرار القانون سيحبط -بالحد الأدنى لسنوات- الحلم الجورجي بالانضمام إلى المنظومة الغربية، فضلا عن شعار التوجه للانضمام لحلف الناتو الذي ما زال مجمدا منذ أكثر من ربع قرن.