“الأزرق المدرّع”.. الثورة القادمة في تكنولوجيا الشاشات | علوم
تخيل أن لديك لوحة جميلة مكونة من نقاط ملونة مختلفة، لكن من بين هذه النقاط تمثل النقاط الزرقاء مشكلة بعض الشيء، حيث تميل إلى الوميض أو التلاشي بشكل أسرع من غيرها، مما قد يؤدي إلى إتلاف اللوحة بمرور الوقت.
هذا بالضبط ما يحدث في الشاشات من نوعية “أو إل إي دي”، فالنقاط باللوحة هي وحدات “بكسل” الموجودة على الشاشة والتي ينبعث منها الضوء لتكوين الصورة العامة، وتوجد مشكلة فقدان الطاقة في وحدات البكسل الفرعية التي ينبعث منها الضوء الأزرق. غير أن فريقا بحثيا من أربع جامعات بريطانية (نورثمبريا وكامبريدج وإمبريال ولوبورو) أعلن عن توصله لحل لها، بما يُمكِن أن يؤدي إلى شاشات تلفزيون تدوم فترة أطول وبجودة صورة أعلى.
كيف تعمل شاشات “أو إل إي دي”؟
شاشات “أو إل إي دي” أو ما يعرف بـ”الصمام الثنائي العضوي الباعث للضوء”، هي نوع من تقنيات العرض المستخدمة في الأجهزة الإلكترونية المختلفة مثل الهواتف الذكية وأجهزة التلفزيون وشاشات الحاسوب والأجهزة القابلة للارتداء.
وعلى عكس شاشات “إل سي دي” التقليدية التي تتطلب إضاءة خلفية منفصلة لإضاءة وحدات البكسل، تحتوي تلك الشاشات على مركبات عضوية ينبعث منها الضوء عند تطبيق تيار كهربائي.
ولفهم ما فعله الباحثون في الدراسة الجديدة المنشورة بدورية “نيتشر ماتريلز”، يجب معرفة آلية عمل تلك الشاشات، والتي تتكون من:
- طبقات عضوية متعددة محصورة بين قطبين كهربائيين، وعادة ما تكون مصنوعة من الزجاج أو البلاستيك، وتتضمن هذه الطبقات طبقة انبعاثية، وطبقة موصلة، وأحيانا طبقات إضافية لتحسين الأداء.
- عندما يمر تيار كهربائي عبر تلك الطبقات العضوية، فإنه يحفز الجزيئات العضوية في الطبقة الانبعاثية، مما يؤدي إلى انبعاث الضوء، ويعتمد لون الضوء المنبعث على المواد العضوية المحددة المستخدمة في الطبقة المنبعثة.
- يتكون كل بكسل فردي على الشاشة من ثلاث وحدات بكسل فرعية هي الأحمر والأخضر والأزرق، ومن خلال تغيير شدة الضوء المنبعث من كل بكسل فرعي يمكن لشاشات “أو إل إي دي” إنشاء نطاق واسع من الألوان وتحقيق دقة ألوان عالية وحيوية.
وعلى الرغم من أن هذه الشاشات تتميز بجودة صورها الحية، فإن لها أيضا عيوبا مثل الكلفة العالية والعمر الافتراضي القصير نسبيا، وأحد الأسباب الرئيسية لذلك هو أن المواد العضوية شائعة الاستخدام التي ينبعث منها الضوء الأزرق عندما تمر عبرها الكهرباء، تهدر الطاقة في بعض الأحيان، مما يتسبب بتلف بنية الشاشات وتدمير جودة المشاهدة.
درع إضافي لعلاج السلبيات
والمواد العضوية شائعة الاستخدام كبواعث للون الأزرق في شاشات “أو إل إي دي” هي الهيدروكربونات العطرية المعروفة باسم “الفلورينات”، ومواد “الكاربازولات”، ومشتقات “الأنثراسين”، ومركبات حلقية غير متجانسة تُعرف بـ”الفينانثرولين”، ومركب الإيريديوم، و”مشتقات ثنائي بنزوثيوفين”.
وبينما توفر هذه المواد العضوية مزايا كبواعث زرقاء في الشاشات، فإن إهدارها للطاقة -المسبب لمشكلة تلف الشاشات وتدمير جودة المشاهدة- هو ما دفع الباحثين إلى تصميم جزيء جديد مزود بدروع إضافية.
وكما قد تلجأ إلى تعزيز نقطة ضعف في الجدار بمواد أقوى، فإن الدروع الإضافية الموجودة بالجزيء الجديد تسد المسارات التي يمكن أن تُهدر فيها الطاقة، مما يجعل البيكسلات الزرقاء أكثر استقرارا وكفاءة، وأقل عرضة للتحلل بمرور الوقت.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن هذا الجزيء الجديد يصدر ضوءا أزرق نقيا للغاية، مما يعزز جودة الصورة الإجمالية على شاشات “أو إل إي دي”، ويسمح هذا التحسين بالحصول على وحدات بكسل زرقاء أكثر سطوعا وتدوم فترة أطول، وهو أمر بالغ الأهمية للحفاظ على صور عالية الجودة وتقليل التكاليف في إنتاج الشاشات.
كيف صُمم الجزيء الجديد؟
يعتمد تصميم الجزيء الجديد على تغليف بواعث اللون الأزرق بواسطة أشرطة “الألكيلين” العازلة، ويهدف هذا التصميم الجزيئي إلى القضاء على فقدان الطاقة، وهي العملية التي تُعرف باسم “نقل طاقة دكستر”، والتي سُميت على اسم ريتشارد ديكستر العالم الأميركي الذي وَصف هذا الفقد للطاقة أول مرة في الخمسينيات.
ولفهم هذه العملية، تخيل مجموعة من الأصدقاء يمررون الكرة لبعضهم البعض، ففي هذه الحالة تمثل الكرة الطاقة، ويحدث “نقل دكستر” عندما يقوم أحد الأصدقاء بتمرير الكرة (الطاقة) إلى صديق آخر، ولكن عوضا عن الإمساك بها بشكل جيد يسقطها الصديق الثاني أو يسيء التعامل معها، وهذا يعني فقدان بعض الطاقة.
لذلك، يريد الباحثون إيقاف هذا المرور غير الفعّال للطاقة لجعل شاشات “أو إل إي دي” تعمل بشكل أفضل، والطريق لتحقيق ذلك هو تصميم جزيء جديد لمنع حدوث نقل الطاقة المهدر.
يقول الأستاذ المساعد في الفيزياء الضوئية الجزيئية والباحث الرئيسي بالدراسة مارك إثيرنغتون، في بيان صحفي أصدرته جامعة نورثمبريا: “بفضل هذا الجزيء الجديد أنشأنا طريقا لتطوير شاشات أو إل إي دي أكثر كفاءة، بالإضافة إلى أنها تساعد على خفض استهلاك الطاقة في أجهزتنا”. ويضيف أنه “بينما نعمل جميعا لتحقيق أهداف صافي الصفر من الانبعاثات، يمكن أن يحقق هذا الإنجاز فائدة كبيرة لكل من المصنعين والمستهلكين”.
تقليل حجم النفايات الإلكترونية
يلتقط أستاذ هندسة الإلكترونيات بجامعة الزقازيق (شمال شرق القاهرة) إبراهيم جاد، فائدة بيئية أخرى لهذا الإنجاز، فيقول في حديث هاتفي مع “الجزيرة نت”: إنه “سيزيد من عمر الأجهزة بما يساعد على التقليل من حجم النفايات الإلكترونية، وهي المشكلة التي تشير التقارير الدولية إلى أنها تزداد عاما بعد آخر”.
ووفقا لرصد الأمم المتحدة العالمي للنفايات الإلكترونية لعام 2020، فإن حجم النفايات وصل إلى 53.6 مليون طن متري (الطن المتري يساوي ألف كلغ) في جميع أنحاء العالم عام 2019، ومن المتوقع وصوله إلى 74 مليون طن بحلول عام 2030.
ويؤدي حرق هذه النفايات للتخلص منها إلى إطلاق ملوثات ضارة وغازات دفيئة في الغلاف الجوي، وهو ما قد يعطي ميزة بيئية مهمة لهذا الإنجاز الذي يطيل عمر الأجهزة في إطار المساعي العالمية لخفض الانبعاثات، كما يؤكد جاد.
لكنه عاد وقال: إن “تلك الميزة الإضافية لن يكون لها قيمة إذا لم يُعطِ الجزيء الجديد الذي طوره الباحثون صورة أفضل وأكثر نقاء”.
وبينما تشير التجارب المختبرية التي أجراها الباحثون إلى أنهم نجحوا في ذلك، يؤكد جاد أنه حتى ينتقل الإنجاز من المختبر إلى التطبيق يلزم إجراء دراسات إضافية، مثل:
- دراسات التوصيف: وذلك لمزيد من التحليل للتركيب الجزيئي والخصائص البصرية والسلوك الإلكتروني للجزيء الجديد من خلال تقنيات مثل التحليل الطيفي والمجهري والنمذجة الحسابية، إذ يمكن أن يوفر ذلك رؤى أعمق عن كيفية عمل الجزيء داخل شاشات “أو إل إي دي”، وتفاعله مع المكونات الأخرى.
- دراسات الاستقرار طويلة المدى: وتتضمن تقييم آليات التحلل للجزيء وتوقعات العمر، وهذا أمر بالغ الأهمية لتقييم الجدوى التجارية ومتانة الجزيء الجديد في التطبيقات العملية.
- دراسات القياس والتصنيع: وتهدف إلى استكشاف قابلية التوسع وفعالية الكلفة وقابلية التصنيع لإنتاج الجزيء الجديد على نطاق تجاري.
- دراسات الأثر البيئي والصحي: وتهدف إلى تقييم الآثار البيئية والصحية المرتبطة بتركيب واستخدام والتخلص من الجزيء الجديد، بما في ذلك تقييمات السمّية البيئية، ومعدل بقائه في البيئة بعد انتهاء عمر الجهاز.