الإسلاميون والثورات العربية.. قراءة نقدية للتجربة وحصادها | ثقافة
يجد خالد الحروب وعبد الله باعبود، مقدما ومحررا كتاب “الإسلاميون والثورات العربية”، أنه بعد 12 عاما على تلك الانتفاضات تتكشف الصورة الداخلية في البلدان العربية والإقليم، وتتوفر مساحة إضافية للتحليل وإعادة النظر في تقييم تجربة مشاركة الإسلاميين فيها على تنوعهم.
ويقدم الكتاب الذي شارك فيه 14 باحثا وأكاديميا عربيا مسوغات للعودة إلى الموضوع الذي تم تناوله، بينها المنظور الزمني إذ أسهم مرور الوقت في انجلاء الغموض عن هذه التجارب بما يوفر إمكانية تقديم مقاربات جديدة.
أما المسوغ الثاني، فهو طبيعة الباحثين المشاركين في الكتاب، فهم ممن شهد الانتفاضات العربية وتابعوا دور الإسلاميين فيها عن كثب، وبعضهم كان قريبا من الحركات الإسلامية.
ويتمثل المسوغ الثالث في شمولية الحالات والتعمق فيها، ذلك أن معظم النقاشات كانت تركز على مصر وتونس، في حين تفاوت الاهتمام بتجارب سوريا واليمن والبحرين والكويت وعمان وليبيا والمغرب والأردن.
وحسب مقدمي الكتاب، فإن الأبحاث الواردة فيه تقترح عددا من الأسئلة وإشكاليات البحث على المشاركين بوصفها دليلا إرشاديا عاما تجمل النقاشات حول الارتدادات والتحولات الكبرى المرتبطة بتجارب الإسلاميين.
في التجربة المصرية
عن تجربة الإخوان في مصر، كتب محمد عفان وهبة رؤوف عزت عن المراجعات الأيديولوجية داخل الجماعة ما بعد العام 2013.
ورأى الباحثان في مقدمة استهلالية لموضوعهما أن جماعة الإخوان المسلمين جماعة أيديولوجية ويمكن النظر إليها بوصفها مثالا على نمط من الحركات الأيديولوجية الأخرى، دينية وغير دينية.
ولاحظ الباحثان أن المراجعات النقدية للحركة بدأت منذ وقت طويل، وزادها انتشارا ظهور كتابي خالص جلبي وعبد الله النفيسي حول ضرورة النقد الذاتي للجماعة، ونتج عنها خروج صامت من الحركة لقيادات شبابية في الحركة.
وخلصا إلى أن ثمة ملاحظات حول مراجعات الإخوان قد تأخرت كثيرا بعد عقد من الانقلاب، إما نتيجة الضغط الأمني من قبل الانقلاب أو الاستنزاف بسبب الأنشطة المناهضة للانقلاب.
كذلك لم يتم تقييم الأداء السياسي للجماعة خلال الفترة الانتقالية وحتى الانقلاب بشكل مؤسسي، كما يقول الباحثان.
ورأى الباحثان أنه رغم انعقاد مؤتمرين فكريين للجماعة، فإنه لا يمكن وصف أوراقهما بالمراجعات الفكرية، إذ إنها في مجملها كانت تأكيدا للمقولات السياسية للجماعة.
واعتبرا أن المهم في المرحلة القادمة متابعة المراجعات الفردية التي يمكن أن تحدث أثرا، خاصة مع تراجع الزخم الأيديولوجي ليس في الجماعة وحسب، بل في العالم كله.
السلفية وغواية السياسة
وقرأ خليل العناني في مساهمته تحولات السلفيين في مصر منذ ثورة يناير/كانون الثاني 2011 معتبرا أن الانفتاح السياسي بعد الثورة أنهى الثنائية الجامدة التي حكمت الحالة السياسية في مصر وحصرت الفاعلين الإسلاميين في جماعة الإخوان والحركات الراديكالية العنيفة.
ورأى العناني أن الخروج السلفي الكثيف إلى المجال العام كان مفاجئا لكثيرين بسبب ما عرف عن التيار من الانكفاء السياسي، وكان لافتا ما حققه في الانتخابات البرلمانية ما بعد العام 2011.
وحسب العناني، فإن تحولات السلفيين ارتبطت بالتغير في البيئة السياسية بمصر وأنهم ليسوا كتلة واحدة، معتبرا أن دمجهم في الحياة السياسية سبب مهم في حدوث تحولات مهمة داخل أطروحاتهم وأفكارهم وأن مشاركتهم أيضا في الحياة السياسية جاءت للحفاظ على مكاسبهم الشخصية.
وخلص إلى أن أداء السلفيين اتسم بالنفعية وخاصة حزب النور، وهو ما أدى إلى بقائهم على الساحة السياسية سواء بعد ثورة يناير أو ما بعد الانقلاب عليها، حسب وصفه.
تونس حصاد ضعيف
أما خلاصات تجربة حركة النهضة في تونس، فأجملها صلاح الدين الجورشي بأن حصادها كان ضعيفا ومستقبلها غامض، معتبرا أن انتقال الحركة من المعارضة إلى الحكم مغامرة غير مدروسة وقرار متسرع، وكان عليها أن تميز بين مرحلة المعارضة القائمة على الاحتجاج، والسلطة التي تتطلب مسؤولين من طراز خاص.
وإذا كان من حق النهضة تسلم السلطة، فإنه في المقابل عليها أن تتحمل مسؤولية النتائج، وكانت لتجربة الحكم تداعيات سلبية على الحركة ووحدتها.
وحسب الجورشي، فإن حركة النهضة اليوم تقف على مفترق طرق، وأن مؤتمرها القادم -إن تم- فرصة لتقييم التجربة وتحديد مكاسبها وخسائرها.
ومن حق الحركة أن تدافع عن نفسها بالقول إنها لم تتمكن من ممارسة الحكم، لكنها لا يمكن أن تتملص من تحمل مسؤوليتها الأخلاقية والسياسية عما حدث خلال فترة حكمها أمام الرأي العام.
التجمع اليمني للإصلاح
ومن اليمن، قرأ عاتق جار الله تجربة حزب التجمع اليمني للإصلاح، وهو الذي شكل أحد أهم الروافع السياسية والشعبية لثورة الشباب الشعبية في اليمن التي أدت في نهاية المطاف إلى إسقاط حكم الرئيس علي عبد الله صالح.
غير أن الحزب وحلفاءه لم يكونوا جاهزين لمواجهة التحديات التي أفرزتها المرحلة في البلاد، مما أدى إلى وقوع البلاد في الصراعات الأهلية.
ويرى أن ثمة تطورا شهده الحزب على مستوى الخطاب والممارسة، إلا أن التغيير الداخلي على مستوى القيادة والأفراد كان محدودا، وحجم الاستجابة للتغيير هو في قطاع الشباب، بينما يظل جامدا على مستوى القيادات.
ويلاحظ جار الله أنه كان للحرب تأثيرها المباشر في تراجع الحضور السياسي للشباب والمرأة داخل الحزب، وهو الحضور الذي تنامى في فترة الثورة.
المغرب
ومن المغرب، ناقش عبد العلي حامي الدين “دور الإسلاميين خلال الربيع العربي- حالة حزب العدالة والتنمية نموذجا”.
ورأى أن نداء الدعوة في المغرب للتظاهر -تساوقا مع الهبة الثورية في مصر وتونس وليبيا- أحدث خلافا داخليا حادا بين قيادات الحزب، ولم يشارك الحزب في هذه التظاهرات، وإن ساندت بعض قياداته الدينامية الاحتجاجية.
وعلى الرغم من عدم المشاركة الرسمية في احتجاجات 20 فبراير/شباط، فقد انخرط الحزب في حملة تواصلية قوية مع الشعب، كما يقول الكاتب.
كما تفاعل مع الربيع العربي بواسطة عرض سياسي تمثل في شعار الإصلاح في ظل الاستقرار.
الإسلاميون والربيع العماني
أما سعيد سلطان الهاشمي من عُمان، فاستعرض في ورقته الطيف الإسلامي في عمان، ورأى أن أحداث الربيع العربي شجعت الشعب العماني على التعبير عن حاله بكل مكوناته الاجتماعية والطائفية والاقتصادية، وخرج إلى الميادين التي تحولت إلى منتديات فكرية عبّر فيها العمانيون عن آرائهم.
ورأى الهاشمي أنه على الرغم من مرارة التجربة التي مر بها الإسلاميون في عمان قبل العام 2011، فإن ذلك لم يثنهم عن المشاركة في الساحات، فضلا عن مشاركة المتدينين غير المنظمين في جماعات.
وفي حصاد تجربة الإسلاميين في عمان، فقد اعتبر الكاتب أنهم لم يستطيعوا فعل شيء أكثر مما حققه عموم الشعب نفسه، فقد كانوا أضعف تنظيما من أن يؤثروا في بنية النظام السياسي، وأكثر ضعفا من أن يقودوا النظام الاجتماعي إلى مشروع متكامل.
وحسب الكاتب، فقد أنهك العمل السري طاقاتهم وأفقدهم ثقة العموم، ولم يستطيعوا صياغة خطاب مقنع يضع الحاجات العصرية للإنسان من حقوق وحريات في محور اهتمامهم.
الإسلاميون والتجربة الليبية
وناقش أسامة عكبار دور التيارات الإسلامية (الإسلام السياسي) في ليبيا ما بعد الثورة لافتا إلى أن 97% من الشعب الليبي سنيون مالكيو المذهب، في حين أن 3% أمازيغ يعتنقون المذهب الإباضي، وبالتالي فإنه لا يوجد فيها أي تنافر من الناحية الدينية.
وبعد استعراض للمجتمع الليبي والإسلام السياسي وتياراته ومنها جماعة الإخوان المسلمين -التي تعد أبرز هذه التيارات- والسلفية (سواء كانت جهادية أو عملية أو سياسية) والعملية السياسية، خلص إلى أن الشارع الليبي فقد في عمومه الثقة بتيار الإخوان وتيارات الإسلام السياسي عامة، إذ كان يأمل المواطن في أن يساهموا في التغيير الإيجابي وتحقيق إصلاحات اقتصادية.
ورأى الكاتب أن الانتقال من المعارضة إلى السلطة أبان عن قصور فكري وعدم النضج العملي الذي يكتسب من خلال الممارسة السياسية الطويلة التي افتقدتها التيارات الإسلامية نتيجة الاستبداد في الدول العربية.
وحسب عكبار، فإن التيارات الإسلامية في ليبيا -وفي مقدمتها الإخوان- عجزت عن اتخاذ أي خطوة في طريق الإصلاح والتجديد الداخلي لتدارك الفشل.
تحولات الإخوان في الأردن
أما محمد أبو رمان، فتناول تحولات الإخوان في الأردن بعد الربيع العربي وعلاقة الجماعة منذ تأسيسها بالنظام السياسي مرورا بالربيع العربي بوصفه محطة من المحطات.
وسجل أبو رمان أنه على صعيد العلاقة مع النظام السياسي، فإن الحركة وحزبها (جبهة العمل الإسلامي) واصلت حضورها سواء بالمشاركة في الانتخابات أو مقاطعتها.
ورأى أنه على الرغم من النشاط السياسي الملحوظ للجماعة، فإن العلاقة مع النظام شهدت قفزة كبيرة في الاتجاه السلبي بعد الربيع العربي.
ودخلت العلاقة مرحلة جديدة، أبرز معالمها إلغاء الوضع القانوني للجماعة واستبدال جمعية جديدة بالاسم نفسه بها، وتعمقت أزمة الثقة بدرجة كبيرة.
أما على صعيد الخطاب الأيديولوجي، فقد شهد تحولا جوهريا في الأعوام الأخيرة، إذ أصبح أكثر تسييسا وابتعد عن اللغة الدعوية الوعظية التي كانت سائدة سابقا.
وفي ما يتعلق بالحراك داخل الجماعة، فقد شهدت تطورات أبرزها النزوح الجماعي لقيادات وشباب ما يسمى “الجناح المعتدل” من الحركة وتأسيس تجارب جديدة.
سوريا التحولات غير المكتملة
بدوره، عرض عبد الرحمن الحاج تجربة الإسلاميين وتحدي الثورة والحكم في سوريا (التحولات غير المكتملة)، لافتا إلى أن الثورة والحرب في سوريا خلال الـ12 عاما الفائتة شكلت مختبرا غير عادي للإسلاميين لإعادة طرح الأسئلة حول الشريعة والحكم، والممارسة السياسية، وعلاقة المحلي بالعالمي، ونتائج ذلك على الحركات الإسلامية.
وناقش الكاتب تعاطي التيارات والحركات الإسلامية ونشوء بعضها في ظل الثورة، مشيرا إلى أن تنظيمات الإسلام السياسي بقيت في منأى عن التغيير وحافظت على بنيتها وخطابها السياسي، وحيث أنه لم يتح لها دور في الحكم، فلم تكن مضطرة لتقديم أي نوع من التنازلات.
وربما كان التحول الوحيد لهذه التنظيمات هو عودتها للعمل المسلح وتكوين ذراع عسكري ظل منضبطا بقراراتها طوال السنين.
ولاحظ الحاج أن التنظيمات المحلية التي بدأت جهادية سلفية قد تخلت عن خطابها السياسي الأولي، وتحولت إلى واحدة من التنظيمات الوطنية، كذلك لم يعد تنظيم (جبهة النصرة/ جبهة تحرير الشام) تنظيما أمميا جهاديا عابرا للحدود، بل صار تنظيما محليا.
ورأى أنه مع هذه التحولات، تراجع موقع الشريعة بوصفها مرجعا قانونيا للتنظيمات الإسلامية في سوريا إلى موقع المظلة الرمزية، باستثناء تنظيم النصرة الذي ما زال يستخدم الشريعة في محاكمه لتكون أداة سيطرة وقمع للخصوم.
السودان ونقد تجربة الانقلاب
ومن السودان، قرأ خالد التيجاني النور تجربة إسلاميي السودان من صناعة أول انتفاضة إلى الانتفاض عليهم.
ورأى التيجاني في حصاد التجربة أن سيطرة الإسلاميين على السلطة 30 عاما كانت كافية على الأقل لوضع حجر أساس لوضع مشروعهم الحضاري الذي بشروا به، بيد أن حصيلة هذه الفترة الأطول في الحكم لا تكاد تتلمس فيها شيئا من هذا الطرح البديل.