عقل يدير موهبة.. لماذا يحقق كريم عبد العزيز أعلى إيرادات السينما المصرية؟ | فن
يقف حارس الأمن الشاب محمود (كريم عبد العزيز) أمام المحكمة يدلي بشهادته في حادث قتل تورط فيه ابن رجل مهم، زوجته تم اختطافها لإجباره على الإدلاء بشهادة زور، يتردد، يرفع يديه، يستعيد ذكرياته الحلوة مع زوجته، يصمم على شهادة الحق، وليكن ما يكون.
يتذكر المشاهدون هذا المشهد المؤثر من فيلم “واحد من الناس”، الذي لاقى نجاحا جماهيريا ونقديا في عام 2006، في عمل يتحدث عن الظلم وغياب العدالة وفساد السلطة خلال السنوات الأخيرة لحكم حسني مبارك.
واليوم، وبعدما تخطى فيلم “بيت الروبي” حاجز 100 مليون جنيه (الدولار يساوي نحو 31 جنيها) إيراداتٍ في دور العرض المصرية، يصبح كريم صاحب الأفلام الثلاثة الأعلى إيرادات في تاريخ السينما المصرية، بالإضافة لفيلميه “كيرة والجن” و”الفيل الأزرق 2″، دون حساب فارق التضخم طبعا والارتفاع الشديد في أسعار تذاكر السينما خلال السنوات الماضية.
الطفل الممثل
طفل صغير يلفت الأنظار في ظهوره مع عادل إمام وسعاد حسني في فيلم “المشبوه” (1981)، لا يُظهر أداء عبقريا، لكنه طفل جميل بريء الملامح، انتظر الجمهور 17 عاما قبل أن يروا هذا الطفل شابا في فيلم “اضحك عشان الصورة تطلع حلوة” (1998)، حينها كتب النقاد أنه “أمل السينما المصرية”.
على مدى أكثر من عقدين، ظل كريم عبد العزيز واحدا من أبرز نجوم الشباك في السينما المصرية، يحتفظ بتحقيق أعلى الإيرادات أو يقترب منها كثيرا، ويبتعد في أفلامه عن الابتذال أو الاستخفاف بعقول المشاهدين، وتظل أفلامه في الأغلب متحفظة تناسب جميع أفراد الأسرة.
نشأته
ولد كريم عبد العزيز يوم 17 أغسطس/آب 1975 في عائلة فنية، الأب هو المخرج محمد عبد العزيز، وعمه المخرج عمر عبد العزيز، لذلك عرف طريق الأضواء مبكرا.
خاض تجربة التمثيل طفلا في عدة أفلام، بداية من “البعض يذهب للمأذون مرتين” (1978)، و”قاتل مقتلش حد” (1979)، و”انتبهوا أيها السادة” (1980)، ثم “المشبوه” (1981).
ابتعد كريم لسنوات عن الأضواء، وفضل دراسة الإخراج في معهد السينما بالقاهرة، وعمل مساعدا للإخرج، قبل أن يدرك أنه لا يريد حقا أن يبقى خلف الكاميرا، بل فضّل أن يكون بين الممثلين، يتقمّص الشخصيات ويتلقى تعليمات من المخرج.
الدرس الأهم
جاءت البداية الحقيقية أمام النجم أحمد زكي والمخرج شريف عرفة، لسيناريو كتبه وحيد حامد في فيلم “اضحك عشان الصورة تطلع حلوة” (1998)، حيث تم اختياره ليقدم دور نجل رجل الأعمال الثري، والذي تقع منى زكي في حبه، لكنه يتركها ويتزوج من أخرى بناء على أوامر والده.
يحكي كريم -في لقائه التلفزيوني في برنامج “صاحبة السعادة”- أنه تعلم دروسه الأولى في عالم التمثيل من زكي، حيث فوجئ في مشهد الذروة -عندما يباغته زكي في حفل زفافه- بصفعة حقيقية على وجهه، ألقت به أرضا، ليدرك أن الإتقان الشديد في الأداء هو الدرس الأهم.
نجم الشباك
اكتسب الممثل الشاب شعبية جماهيرية في المسلسل “امرأة من زمن الحب” (1998) ضمن مجموعة من الشباب الذين ظهروا إلى جوار سميرة أحمد ويوسف شعبان في دراما المخرج إسماعيل عبد الحافظ والكاتب أسامة أنور عكاشة، والتي تناولت مشاكل الشباب.
لفت الأنظار في “عبود على الحدود” (1999) مع الفنان علاء ولي الدين، في فترة تشكّل موجة جديدة في السينما يلعب بطولتها الفنانون الشباب، ثم منحه المنتج وائل عبد الله أول بطولة مشتركة في “ليه خلتني أحبك” (2000) مع أحمد حلمي ومنى زكي، ولم يكتب لهذه البطولة المشتركة النجاح، لكنه كنجم أصر أن يتخذ طريقه صوب تصدّر شباك التذاكر.
في 2002، قدم كريم مع المخرجة ساندرا نشأت والمنتج وائل عبد الله والكاتب بلال فضل تجربتهم “حرامية في كي جي 2” في موسم أفلام عيد الأضحى، وحقق الفيلم الكوميدي نجاحا كبيرا.
بعد تلك التجربة، عرف كريم عبد العزيز طريقه الذي سيكتب له النجومية، أجاد لعب شخصية الفتى البسيط ابن الطبقة الشعبية، يخلط الكوميديا والرومانسية، يتميز بخفة الدم، يبتعد عن الإسفاف.
شكل كريم مع السيناريست بلال فضل ثنائيا تجاريا شديد النجاح، قدما عالم شباب الجامعات الخاصة في فيلم “الباشا تلميذ” (2004)، ثم جاءت التجارب التالية أكثر جدية مثل “أبو علي” (2005)، و”واحد من الناس”، و”في محطة مصر”، و”خارج على القانون”.
عاد كريم للتعاون مع شريف عرفة في فيلم “أولاد العم” (2009)، ثم قدم فيلم “فاصل ونعود” (2011)، الذي لم يحالفه فيه النجاح حيث عرض وقت اندلاع ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011.
اتجه للدراما التلفزيونية، وقدّم مع المخرج محمد علي والكاتب بلال فضل مسلسل “الهروب” (2012)، مستفيدا من مساحة الحرية المتاحة لصناع الدراما لتمجيد ثورة يناير، ونقد النظام السابق.
في 2014، بدأ كريم مرحلة جديدة في مشواره بالتعاون مع المخرج مروان حامد والكاتب أحمد مراد، ليقدموا عددا من التجارب الناجحة بداية بفيلم “الفيل الأزرق” (2014)، و”الفيل الأزرق 2″ (2019)، و”كيرة والجن” (2022)، الذي حقق أعلى إيرادات في تاريخ السينما المصرية بنحو 120 مليون جنيه.
إدارة الموهبة
يرى الناقد طارق الشناوي أن كريم عبد العزيز عقل يدير موهبة، مما أهله لتحقيق أعلى الإيرادات في السينما المصرية، مشيرا إلى التزامه وإجادته قراءة الجمهور والمجتمع، إذ إن المجتمع في مصر يمارس رقابة أكثر من الرقابة الرسمية، لذلك ابتعد كريم عن تقديم أي مشاهد تثير حفيظة الجمهور.
ويضيف الشناوي -في تصريحات للجزيرة نت- أن حضور كريم في الإعلام قليل وخافت، وهذا مقصود “حتى لا يحرق نفسه”، ولا يدخل في مهاترات، واعتبر أن كريم استثمر خلال مشواره ميزة نشأته في بيت فني واحتكاكه المبكر بصناع السينما والدراما.
من جانبه، يرى الناقد محمود قاسم أن لكريم عبد العزيز ذكاء شديدا في الاختيار، ويتمتع بطلة جذابة جدا، ويستطيع أن يملأ المشهد والصورة. وأشار -في حديث للجزيرة نت- إلى أن كريم وُفّق في العمل مع مخرجين مميزين، وكان مرنا للغاية في اختيار أدواره من الكوميديا إلى التراجيديا.