إقليم أمهرة.. العمق الحضاري لثاني أكبر قومية في إثيوبيا | الموسوعة
إقليم أمهرة، أو “المنطقة الثالثة” كما كان يعرف قديما، هو أحد أقاليم إثيوبيا البالغة 12، تقطنه ثاني أكبر القوميات في البلاد، ويتمتع بحكم شبه ذاتي ضمن النظام الفدرالي المتبع في البلاد، ويتميز بآثاره ومحمياته المنتشرة، بالإضافة لموقعه الإستراتيجي، حيث يحاذي السودان من الغرب والشمال الغربي وأريتريا شمالا.
ويتميز إقليم أمهرة بمحاصيل الحبوب التي تزرع في السهول، فضلا عن إمكانات سياحية على مستوى رفيع، في مقدمتها بحيرة تانا التي ينبع منها النيل الأزرق، والتي تطوّق مدينة “بحر دار” حاضرة الإقليم.
الموقع والمساحة
ويقع إقليم أمهرة شمال إثيوبيا في مساحة تبلغ نحو 154 ألفا و790 كيلومترا مربعا، من مساحة الأراضي الإثيوبية البالغة مليونا و104 كيلومترات مربعة، حيث يحده إقليم تيغراي شمالا وعفار شرقا وإقليمي أوروميا وبني شنقول في الجنوب الغربي، مما زاد من أهميته السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
السكان
وتقطن الإقليم قومية الأمهرة، وهي مجموعة عرقية تعيش وسط مرتفعات إثيوبيا، ويبلغ تعداد أفرادها 23 مليون نسمة تقريبا، وفق إحصائيات عام 2012، وتتكلم اللغة الأمهرية التي تعد اللغة الرسمية لإثيوبيا، وتعد ثاني أكبر قوميات البلاد بعد أورومو.
ويدين معظم الأمهريين بالديانة المسيحية الأرثوذكسية، إذ تحولوا إلى المسيحية في القرن الرابع الميلادي وبقيت معتقداتهم بدون تغيير منذ ذاك الحين، ويستعملون في طقوسهم “اللغة الجعزية”، وهي لغة قديمة لم تعد تستخدم إلا في الكنيسة.
أبرز مدن إقليم أمهرة
بحر دار
مدينة “بحر دار” التي تعني بالأمهرية شاطئ البحر، تعد حاضرة الإقليم وتبعد 560 كيلومترا عن أديس أبابا. وكانت عاصمة لمقاطعة “غرب قوجام” قبل التقسيم الإداري، ثم صارت حاضرة إقليم أمهرة عام 1995.
وتعد بحر دار المدينة الثانية في إثيوبيا بعد العاصمة أديس أبابا، ليس من حيث السياحة فحسب، وإنما لأهميتها الجغرافية، فهي تربط العاصمة بالمنطقة الشمالية للبلاد، وتمثل وجهة سياحية عالمية ومدينة اقتصادية آخذة في النمو، لوجود مناطق جذب بينها بحيرة تانا منبع نهر النيل وأكبر البحيرات في إثيوبيا، بشلالاتها العظيمة المتدفقة دوما، من على ارتفاع نحو 6 أمتار.
وتعتبر بحيرة تانا، أكبر بحيرة في إثيوبيا، وتمد البلاد بنصف احتياجها من المياه العذبة، حتى أُدرجت ضمن أفضل 250 بحيرة ذات أهمية عالمية للتنوع البيولوجي.
وفيها 28 نوعا من الأسماك المختلفة، وتبلغ القيمة التجارية السنوية لإنتاج الأسماك فيها حوالي مليون دولار.
ويعود التأسيس الحديث لمدينة بحر دار إلى عهد الإمبراطور هيلي سيلاسي عام 1950، حيث كانت واحدة من أهم المناطق السياحية ومراكز المؤتمرات والاجتماعات والمنتديات الإقليمية والمحلية بإثيوبيا، إذ تتمتع المدينة بآثار تاريخية وأجواء طبيعية خلابة بجانب تفردها ببحيرة تانا وشلالاتها العظيمة.
غوندر
تعد مدينة غوندر التي تبعد 772 كيلومترا عن العاصمة أديس أبابا، ثاني أكبر وأقدم مدن إقليم أمهرة، وتحتفظ بعديد من المعالم التاريخية بالبلاد من القصور والقلاع الكنسيّة التي تعود لأكثر من 375 عاما.
باتي
تعد مدينة باتي من المدن التاريخية العريقة في الإقليم، وتمثل بوتقة انصهرت فيها جميع قوميات وشعوب إثيوبيا ومن العالم العربي والأفريقي أيضا، بالإضافة لاحتضانها آثارا تاريخية إسلامية، وتميزها بالتعايش السلمي بين مختلف شعوبها والقادمين إليها.
وتشتهر المدينة بسوقها الكبير الذي يتخذ من المرتفعات الإثيوبية والوادي المتصدّع موقعا إستراتيجيا، فشكّل مفترقا ثقافيا مهما لقوميات أمهرة وأورومو وعفار التي تعيش في الصحراء المتاخمة لهذه المنطقة.
إنجبارا
تأسست مدينة إنجبارا في عهد الإمبراطور يوهنس الأول، ثم استقر بها الإمبراطور هيلي سلاسي بعد عودته من المنفى.
دبرتابور
مدينة دبرتابور، وتعرف بـ “جُرا”، مدينة جبلية تقع على ارتفاع 2706 أمتار فوق سطح البحر، شرق بحيرة تانا، وتمثل إحدى المدن الكبرى بالإقليم فضلا عن تاريخها العريق الذي يمتد لمئات السنين، حيث تأسست على يد الأمير سيف أرد، وإن كان تأسيسها بصورتها الحديثة يعود لمطلع القرن الـ18.
وتحتضن دبرتابور عددا من المناطق التاريخية بينها كنيسة “مدهاني ألم”، التي شهد افتتاحها الإمبراطور هيلا سيلاسي، بالإضافة لحضور 4 أساقفة من مصر.
وتحتضن المحافظة مدنا رئيسية أخرى بينها دسي وكمبولشا وألماتا وغيرها من المدن الكبرى والتاريخية.
تاريخ من الصراعات
ورغم اشتهار إقليم أمهرة بمناطقه السياحية والتاريخية، فإنه يصنف “إقليما ملتهبا” دوما، فما إن تهدأ الأوضاع فيه حتى تبرز مشكلة جديدة، وشهد الإقليم أحداثا كبرى كان لها صدى وتأثير كبير على مجريات السياسة في البلاد منذ عام 2019.
وشهد إقليم أمهرة محاولة انقلاب فاشلة عدت الأخطر من نوعها في البلاد في 22 يونيو/حزيران 2019، وأسفرت عن مقتل 7، بينهم حاكم الإقليم ومستشاره، واعتقال 178 متورطا، عندما حاولت عناصر مسلحة الاستيلاء على المقر الرئيسي لحكومة الإقليم، وفق بيان حكومي.
وكان إقليم أمهرة مسرحا للمواجهات بين أديس أبابا وجبهة تحرير تيغراي، خاصة بعد تمدد الأخيرة ووصول المعارك إلى مدينتي ديسي وكومبولشا الإستراتيجيتين بإقليم أمهرة ضمن الجولة الثالثة للمواجهات في نوفمبر/تشرين الثاني 2021.
وشهدت مدينة غوندر أعمال عنف طائفية أواخر أبريل/نيسان 2022، مما أسفر عن مقتل أكثر من 30 شخصا، وعشرات الجرحى، وأدى ذلك إلى تفجير غضب في عدد من المدن، خاصة العاصمة التي خرجت فيها مظاهرات منددة بالعملية ومطالبة بالقبض على الجناة.
ويعاني إقليم أمهرة من انتشار المليشيات وجماعات خارجة عن القانون وتنامي تجارة وتهريب السلاح بشكل واسع، حيث تعد مليشيات “فانو” أكبر الجماعات المسلحة في الإقليم، تليها “قيمنت” التي عقدت اتفاق سلام مع حكومة الإقليم في ديسمبر/كانون الأول 2022.
و”فانو” هي مليشيات عسكرية غير رسمية تنتشر بإقليم أمهرة شمالي إثيوبيا، وسبق أن شاركت إلى جانب الجيش الفدرالي الإثيوبي والقوات الخاصة للإقليم ضد جبهة تحرير تيغراي أواخر عام 2021.
وقد مثلت هذه المليشيات النظير الشبابي لحركة “قيرو الأورومية” التي قادت الحراك الشعبي المناهض لحكم الائتلاف السابق “الجبهة الثورية الديمقراطية الشعبية الإثيوبية” التي حكمت البلاد من عام 1991 حتى عام 2018.
وهناك أيضا الحركة الوطنية لشعب أمهرة المعروفة بـ”أبن”، وهي حزب سياسي قومي تم إنشاؤه في يونيو/حزيران 2018، شارك في الانتخابات الأخيرة منتصف عام 2021.
ويقدم الحزب نفسه على أنه حامي مصالح شعب أمهرة من الهجمات التي يتعرض لها مواطنوه بعدة مناطق في إقليم أوروميا وبني شنقول، متعهدا بتلبية مطالب الإثيوبيين جميعا.
أعلام
ينحدر من الإقليم كثير من الرموز والأباطرة الإثيوبيين، منهم الإمبراطور هيلي سيلاسي ومنيليك وتدروس والزعيم الشيوعي منغستو هيلا ماريام.
ومن الرموز الوطنية الحديثة نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية الإثيوبي دمقي مكونن، ورئيس المجلس الفدرالي أغنهيو تشاغر، ومدير جهاز المخابرات تمسقن طرونه.