بعد انتخاب تكالة رئيسا للمجلس الأعلى.. تساؤلات عن مستقبل الحوار السياسي في ليبيا | سياسة
مراسلو الجزيرة نت
طرابلس- سيناريوهات عدة ترسمها نتائج انتخابات رئاسة المجلس الأعلى للدولة في ليبيا، والتي أسفرت عن فوز محمد تكالة رئيسا لولاية أولى (67 صوتا) على حساب رئيس المجلس خالد المشري (62 صوتا).
وانتخب تكالة رئيسا وفق نتائج الجولة الثانية التي حسمت التنافس بين مرشحين اثنين من أصل أربعة تقدموا لمنصب الرئاسة، التي تنص اللائحة الداخلية للمجلس على تجديدها كل 12 شهرا.
وأسفرت النتائج أيضا عن فوز مسعود اعبيد بمنصب النائب الأول، وعمر خالد العبيدي النائب الثّاني، في حين حسم بلقاسم دبرز منصب مقرر المجلس.
الرئاسة الجديدة للمجلس، وخروج المشري من المشهد، يفتحان الباب على احتمالات عدة بشأن مستقبل الأزمة السياسية في البلاد، خاصة أن المشري ترأس المجلس 5 ولايات متتالية، منذ انبثاق المجلس الأعلى للدولة عن المؤتمر الوطني، بموجب الاتفاق السياسي الموقع بمدينة الصخيرات المغربية في ديسمبر/كانون الأول 2015.
ورفقة رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، كان المشري من أبرز أطراف الحوار السياسي، لإنهاء المراحل الانتقالية المستمرة منذ 2011، والوصول إلى انتخابات برلمانية ورئاسية، والاستفتاء على دستور دائم لليبيا.
دماء جديدة
في هذا السياق، يرى طلال أوحيدة مؤسس “حراك من أجل ليبيا” -المطالب بتسريع الانتخابات- أن مجلس الدولة بوصفه طرفا رئيسيا في الصراع السياسي وجزءا من حالة الانقسام، دفع بهذه الخطوة دماء جديدة مما سينعكس إيجابيا على قيادة المشهد السياسي، مضيفا “خاصة أن رئيس المجلس الجديد أبدى سابقا جهودا في دعم مسار التوافق والتقارب مع مجلس النواب، مما قد يخلف بداية جديدة للتوافقات وإنتاج القاعدة الدستورية والقوانين الانتخابية لإنهاء المرحلة الانتقالية والانقسام”.
ولفت أوحيدة إلى أن نجاح الرئيس الجديد لمجلس الدولة مرهون بقدرته على التواصل مع كل مكونات المجلس المختلفة، وتوحيد رؤيتها حول خارطة الطريق، بشكل يضمن قبول أعضاء المجلس الرافضين، وحل النقاط التي سببت تصدعات داخل المجلس، ثم التواصل مع مجلس النواب لاستكمال إجراءات تنفيذ اتفاق لجنة (6+6) لإنهاء المرحلة الحالية، وإجراء انتخابات تجدد الشرعية وتصنع مؤسسة تشريعية واحدة.
هل يستمر الانقسام؟
من جهته، يرى أستاذ العلوم السياسية والخبير بالشأن الليبي، خيري عمر، أن مجلس الدولة منقسم بالأساس، وأن من انتخب المشري في هذه الجولة سيصمد معه، وسيكون لهم تأثير، خلال المرحلة المقبلة، خاصة أنهم استطاعوا مقاومة ضغوط وإغراءات كثيرة، وهذه النقطة يجب أخذها بعين الاعتبار بشأن تحرك المجلس كتلة موحدة أم منقسما كما في الماضي القريب.
وفي حديثه للجزيرة نت، أضاف عمر أن مجلس الدولة بشكل عام هو “مجلس استشاري، ومن ناحية قانونية لا يمكنه تعطيل إصدار القوانين، ولكن مهمة التوافق ضرورية في هذه المرحلة” متسائلا: هل يمكن الاعتماد عليها كنقطة أساسية في فاعلية المجلس؟ متوقعا أن يتجاوز مجلس النواب هذه النقطة في حال حدوث اصطفاف أو استقطاب جديد داخل المجلس.
سيناريوهات محتملة
بدوره، يرى المحلل السياسي أسعد الشرتاع أن خسارة المشري للرئاسة لا تعني غياب الكتلة المؤيدة له داخل المجلس، الأمر الذي يدفع لتوقع أحد احتمالين للسيناريو المقبل “إما أن تفقد هذه الكتلة توازنها بعد خسارة المشري، وبالتالي يتعزز مركز الرئيس الجديد تكالة، خاصة مع وجود تقارب مع رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، أو أن تظل الكتلة المؤيدة للمشري منظمة وفاعلة ومعارضة لتكالة، الأمر الذي سينعكس على قوة المجلس في مواجهة مجلس النواب، والتنافس على التأثير في المشهد السياسي الليبي”.
وفي حديثه للجزيرة نت، أضاف الشرتاع أنه في الحالتين سيحصل تكالة على مهلة كافية لتعزيز مركزه وطرح رؤيته التي سيقود بها المجلس، خاصة وأنه “شخصية ذات سجل أبيض فلا يعرف عنه الكثير، ولابد أن تجربته ضمن لجنة الحوار صقلت عنده رؤية ما للملف الليبي، وتصورا ما لحل الأزمة وتحريك الملف السياسي للأمام”.
وعلى العكس، يرى أستاذ العلوم السياسية خيري عمر أن “غموض توجهات تكالة يصعب من إمكانية قراءة دوره المستقبلي، فالبعض يتحدث عن قربه من رئيس حكومة الوحدة في طرابلس، وآخرون يرونه قريبا من حكومة مجلس النوب في بنغازي، لذا سيحاول التموضع في مكان وسط يصعب معه التنبؤ بما يمكن أن يأخذه من مواقف في المرحلة المقبلة”.
لكن عمر يشدد على إمكانية تجاوز القوى الرئيسية الوضع الحالي والذهاب إلى الانتخابات، أو الوصول إلى تشكيل حكومة موحدة ستضعف دور مجلس الدولة في تقرير مسار المرحلة المقبلة أو خارطة الطريق المقبلة، متابعا “وعلى أية حال فإن المجلس إما أن يكون تابعا للحكومة في طرابلس، أو سيحاول القيام بدور مستقل ويتعرض للانقسام كما في السابق”.
الحكومة والرئاسة الجديدة
رغم ما يراه من مؤشرات إيجابية في تغيير رئاسة المجلس الأعلى، لا يُخفي أوحيدة تخوفه من شكل العلاقة بين رئاسة المجلس الجديدة وحكومة الدبيبة، قائلا “قد تشكل نتائج انتخابات مجلس الدولة إعادة ارتباط المجلس بالحكومة والتحالف معها، في عرقلة أي مسار لإصدار قوانين الانتخابات والاستمرار في سياسة الشد والجذب مع مجلس النواب، لإطالة عمر الأزمة واستمرار الأجسام الحالية”.
ورغم ما ذهب إليه كثيرون حول دور الدبيبة في الإطاحة بالمشري، وقربه من تكالة، غير أن المحلل السياسي الشرتاع يرى أن التأثير الأبرز سيكون في مجلس النواب ورئاسته تحديدا “التي بدأت تفقد الحلفاء واحدا تلو الآخر، وإن حدث وأقصي عقيلة صالح من رئاسة البرلمان، فإن عمر المراحل الانتقالية قد بات قصيرا”.
الشرتاع يتوقع أيضا أن الأشهر القليلة المقبلة ستكون كافية لرؤية تغير ملحوظ في أداء المجلس الأعلى للدولة ودوره في الأزمة الليبية، وذلك حتى تشكيل لجنة حوار وترشيح شخصيات تمثل المجلس، مضيفا “حينها فقط ستظهر ملامح التغيير لسياسة المجلس ورؤية رئاسته”.
أما عن الفترة الانتقالية، فيرى الشرتاع أنها ستكون رهن استمرار مجلس النواب ورئاسته من عدمها، وأنها ستستمر باستمرار المجلسين ورئاستيهما، ما لم يتم تشكيل لجنة حوار أو لجنة تأسيسية من قبل الأمم المتحدة، تتولى إقصاء المجلسين”.