الهرب من الحرارة غير المسبوقة أعاد جدل الحياة الليلية.. هكذا يبدو المساء في طهران | سياسة
مراسلو الجزيرة نت
طهران – “بعد أن حوصرنا في المنازل الضيقة إثر الارتفاع القياسي في درجات الحرارة نهارا، نستغل ساعات الليل للتنفيس عن حالة الضجر التي نشعر بها”، هكذا تعلّق الإيرانية مريم (48 عاما) على اختيارها ساعات الليل للتسوق شمال غربي العاصمة طهران.
وفي حديثها للجزيرة نت، تصف المواطنة الإيرانية موجة الحر هذا الصيف بأنها منقطعة النظير خلال العقود الماضية، موضحة أن العاصمة طهران كانت تعرف بزخات المطر المتكررة وهبوب الرياح المنعشة خلال فصل الصيف، غير أن اعتدال الطقس تحول إلى حر لاهب منذ أعوام.
وبينما يبث التلفزيون الإيراني في ساعة متأخرة من الليل دعاية عن استمرار ساعات العمل في متاجر للسجاد حتى الساعة الثانية فجرا، يوضح “مهدي” (32 عاما) صاحب مطعم للوجبات السريعة في حي “نازي آباد” جنوبي طهران، أن ما عدا طلبات التوصيل، فإنه خسر قرابة نصف زبائنه خلال ساعات الظهر بسبب ارتفاع درجات الحرارة.
وخلال جولتها الليلية، تنتقل الجزيرة نت من جنوب المدينة إلى شرقها في منطقة “طهران بارس”، حيث الحدائق العامة تزخر بالأسر التي تفترش المنصات المخصصة والأعشاب في الهواء الطلق، وآخرون يمضون الوقت مع أطفالهم في الملاهي والمدن الترفيهية خلال ساعات الليل بعيدا عن حرارة الشمس.
تعطيل العمل
وبعد أن تسبب ارتفاع درجات الحرارة في زيادة أعداد المراجعين في المستشفيات جراء الإصابة بالمضاعفات، كالإرهاق الحراري وضربة الشمس، قررت الحكومة الإيرانية تعطيل العمل في القطاعين العام والخاص يومي الأربعاء والخميس الماضيين، وذلك بعد طلب من وزارة الصحة التي دعت بدورها المواطنين إلى عدم مغادرة منازلهم إلا للضرورة.
ويأتي القرار الحكومي بعد أن حلت مدينتا أميدية (51.8 درجة مئوية) وعبدان (51.3 درجة مئوية) جنوب غربي إيران في المرتبة الأولى والثانية في قائمة المدن الأكثر حرارة على مستوى العالم.
في حين تتزايد الأنباء عن اندلاع الحرائق في غابات مريوان غربي البلاد وفي القطاعات الصناعية، خلفت جرحى وقتلى في عدد من المدن الإيرانية، كما أن أصوات الانفجارات الناجمة عن الألغام المزروعة في الأراضي المحيطة بسجن أيفين شمالي العاصمة أذهلت سكانها.
ورغم أن درجات الحرارة في طهران لم تتجاوز 40 درجة مئوية هذه الأيام وفق مكتب الأرصاد الجوية، فإن رئيسة لجنة حماية البيئة بالبرلمان الإيراني سمية رفيعي كشفت عن بلوغ مؤشر الأشعة فوق البنفسجية 12 درجة في المدينة.
وبينما تطلق البرلمانية الإيرانية تنبيها من اللون الأحمر وتوصي المواطنين بحماية البشرة من أشعة الشمس هذه الأيام، تنتقد رفيعي السلطات الرسمية لعدم قيامها بالواجب تجاه المواطنين لدى ارتفاع مؤشر الأشعة فوق البنفسجية وبلوغه مستويات مضرة على الصحة.
الحياة الليلية
وفي حين حذّر الأمين العام للأم المتحدة أنطونيو غوتيريش من “عهد الغليان العالمي”، أعاد ارتفاع درجات الحرارة في إيران المطالب بتوفير بيئة ملائمة لما يعرف بـ “الحياة الليلية” إلی الواجهة من جديد، لتفادي لهيب الشمس وإسعاف قطاع الطاقة الذي يعاني جراء ارتفاع الاستهلاك الصيفي، وكذلك شرعنة العمل خلال ساعات الليل، لا سيما في المحافظات الجنوبية التي تكاد تخلو شوارعها من المارة خلال ساعات النهار.
ورغم أن مجلس بلدية طهران كان قد صادق قبل نحو 4 أعوام على مشروع “الحياة الليلية”، وقامت بلدية العاصمة بتطبيق المشروع بشكل تجريبي عام 2019 في 3 أحياء من طهران، وأعلنت حينها أن التجربة كانت ناجحة، فإن المشروع لم يطبق بشكل كامل بعد، ولا يزال يواجه معارضة شرسة بحجة تقويض الأمن وترويج الحياة الغربية.
وبشكل عملي خلال فترة الصيف تطبق المحافظات الجنوبية مشروع الحياة الليلية، مثل خوزستان وبوشهر وهرمزغان، وضع ارتفاع درجات الحرارة معارضي مشروع الحياة الليلية أمام الأمر الواقع، خاصة أن الحركة أمست تنبض خلال ساعات الليل بالعاصمة الإيرانية.
موافقون ومعارضون
من جانبها، نشرت صحيفة “جوان” التابعة للحرس الثوري الإيراني تقريرين عن الحياة الليلية بطهران، وذكرت أن الأزمات المرورية باتت جزءا ثابتا من شوارع العاصمة حتى خلال ساعات الليل، موضحة أن أسلوب الحياة الجديد يضر بالصحة النفسية، وأنه يتعارض مع أسلوب الحياة الواردة في القرآن الكريم ونظام الخلقة، كما أن الدراسات العلمية تظهر علاقة وطيدة بين تعرض الإنسان للأمراض وتدهور نومه.
وكانت السلطات الإيرانية قد ألغت -فور نجاح ثورتها عام 1979- مشروع الحياة الليلية الذي كان ساريا في النظام البهلوي، حيث أغلقت حينها الملاهي والبارات، وعبّرت عن خشيتها من العمليات الإرهابية التي كانت تستهدف التجمعات بعيد انتصار الثورة الإسلامية.
ورغم أن أغلب المدن الإيرانية تطبق نمط الحياة الليلية في شهر رمضان المبارك كل عام، فإن الجدل بشأن المشروع ما زال مستمرا بين من يعتقد أنه يساعد على إحلال الأمن وتنشيط التجارة والسياحة، وبين من يراه محاكاة لأسلوب الحياة في الدول الغربية وإشاعة الفاحشة والرذيلة في المجتمع وحرمانه من الراحة ليلا، مما يؤثر على صحة المواطنين.