حكومة جديدة في تونس.. كيف تتعامل مع أزمات الاقتصاد؟
موقعي نت متابعات عالمية:
وفي ظل رؤية ضبابية ترسم المشهد في تونس التي تعثرت مفاوضاتها مع صندوق النقد الدولي منذ أكتوبر الماضي، تُعلَق الآمال على الحكومة الجديدة في أن تقدم برنامجاً للإصلاح يتضمن حلولاً يُمكنها معالجة بعض من الإشكاليات الأساسية التي يغرق فيها اقتصاد البلد الذي تمثل الديون فيه حوالي 80 بالمئة من حجم الناتج المحلي الإجمالي، ويواجه أزمة سيولة واسعة.
ويبدو المشهد معقداً أمام الحكومة الجديدة، ذلك أن التونسيين يعيشون واقعاً صعباً تحت وطأة نقص عديد من المواد والسلع الأساسية، وعلى رأسها الخبز، وفي ظل معدلات تضخم تراجعت بالكاد أخيراً عن رقمين، ومع تقديرات سلبية لآفاق اقتصاد البلاد ومدى القدرة على الوفاء بالالتزامات الخارجية، يعكسها تراجع التصنيف الائتماني.
- سجلت مستويات التضخم بالبلاد، في يونيو الماضي، 9.3 بالمئة، بتراجع طفيف عن شهر مايو الذي سجل 9.6 بالمئة، وفي ثاني انخفاض للتضخم على التوالي.
- بحسب بيانات المعهد الوطني للإحصاء، فقد بلغ معدل التضخم 10.1 بالمئة في أبريل، وسجل أعلى مستوى عند 10.4 بالمئة في فبراير.
وخفّضت وكالة فيتش، منتصف العام الجاري، تصنيف تونس الائتماني من CCC+ إلى CCC- بسبب تأخيرات في المفاوضات للحصول على قرض جديد من صندوق النقد الدولي.
ووفقا لفيتش، تعتمد خطة التمويل الحكومية على أكثر من 5 مليارات دولار من التمويل الخارجي، كان يُعتقد أن يتم توفير غالبيتها من صندوق النقد. وذلك في وقت وصلت فيه المفاوضات بين تونس والصندوق إلى طريق مسدودة.
الإصلاح الاقتصادي
يقول الخبير الاقتصادي التونسي، عز الدين سعيدان، لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن أبرز أولويات الحكومة الجديدة هي تحديد ملامح السياسة الاقتصادية والمالية والاجتماعية لتونس، لا سيما في ظل المشاكل المتعددة والمتراكمة التي تعاني منها البلاد، ومع غياب الإصلاحات الذي جعل هذه المشاكل متعمقة بشكل أكبر.
وبالتالي فإن “الخطوة الأهم هي أن نحدد ما إذا كانت تونس سوف تتجه نحو الدخول في إصلاحات ضرورية لا مفر منها بعد أن تأخرت كثيراً، أم سنواصل نفس الطريق المرتبط بالسعي وراء القروض من الداخل والخارج، وهي الأزمة التي أدت لتفاقم الديون وتشكيك كبير في قدرة البلاد على مواصلة سداد ديونها”.
ويشير إلى أن “التحديات عديدة، من أهمها الدين العمومي، لا سيما الدين الخارجي، على أساس أن كل الأزمات التي نمر بها الآن -ومن بينها عدم توافر المواد الأساسية بالأسواق- مرتبطة أساساً بمشكلة الدين والمالية العمومية والمؤسسات التي لديها اختصاص بهذه الميادين كلها ومع ذلك لم تتوصل للقيام بواجبها كما ينبغي وتوفير هذه المواد الأساسية بالأسواق وفتحت المجال للمضاربات وكل ما من شأنه إفساد هذه المنظومات، وأهمها الخبز والدقيق والقمح”.
أزمة السيولة
كما يلفت في الوقت نفسه إلى أزمة “السيولة” لدى المؤسسات العمومية، وبما أفقدها ثقة مزوديها الأجانب وثقة البنوك في الداخل والخارج، وعليه “لابد من وضع كل هذه المشاكل على الطاولة وتشخصيها بوضوح والخروج بوثيقة متفق عليه”، مشدداً على أن “هناك تخوفاً من طرف السلطات التونسية من الإصلاحات المطلوبة نظراً لتبعاتها المحتملة على الوضع الاجتماعي والاقتصادي (..) لكن عدم القيام بالإصلاحات أخطر بكثير من تلك التداعيات”.
ويُوجز الخبير الاقتصادي مجموعة من تلك الإصلاحات المطلوبة، فيما يلي:
- أولاً- إصلاح ضروري في نمط إنفاق الدولة، لا سيما أن الدولة منفقة بشكل كبير بدون جدوى اقتصادية (..).
- ثانياً- التجارة الخارجية: هناك تبذير كبير في هذا السياق، وبما يتسبب في تفاقم الدين الخارجي ويثقل كاهل الموازنة العامة.. تونس قادرة على الاستغناء عن ما لا يقل عن 7 مليارات دولار من خلال المؤسسات المحلية.
- ثالثاً- المؤسسات العمومية: يتعين الاهتمام بالمؤسسات العمومية وإصلاحها حتى تعود من جديد للقيام بدورها، بينما هي حالياً عاجزة عن ذلك وتمثل عبئاً ثقيلاً على ميزانية الدولة.
إجراءات “الإنقاذ” الفورية
ورداً على سؤال حول ماهية “الإجراءات الفورية والسريعة” التي يُمكن اتخاذها لإنقاذ الاقتصاد التونسي، في خطٍ متوازٍ مع إجراء الإصلاحات الاقتصادية التي تستغرق وقتاً، يرى الخبير الاقتصادي أن “الإصلاحات السريعة انتهت، ولم يعد هنالك مجال الآن لمثل تلك الإصلاحات، وبالتالي لابد من التفكير في إصلاحات عميقة، قد تستغرق خمس سنوات من أجل إرجاع الاقتصاد لمساره الطبيعي (..)”.
ويشير سعيدان، إلى أن برنامج الإصلاح الاقتصادي المقترح ينطلق من ثلاثة مراحل أساسية، وهي:
- المرحلة الأولى (التشخيص): إذا اتفقنا على التشخيص، سوف نتفق على الحلول إن كانت هنالك جدية حقيقية، وذلك من خلال إصدار وثيقة مكتوبة تشخص الوضع الحالي.
- المرحلة الثانية (إيقاف النزيف): من خلال وضع برنامج إصلاح هيكلي واضح، وهي مرحلة قد تستغرق من عام ونصف إلى عامين تقريباً لإصلاح الجسم الاقتصاد وجعله قادر على تقبل الإصلاحات.
- المرحلة الثالثة (التنفيذ): هي مرحلة الدخول في الإصلاحات الحقيقية. وإن كانت هنالك جدية يمكن إرجاع الاقتصاد لوضعه الطبيعي بعد ذلك.
وكانت تونس في يونيو الماضي قد أعدت اقتراحاً بديلاً لطرحه على صندوق النقد الدولي، بعد أن رفض الرئيس قيس سعيد، ما وصفه بـ “إملاءات الصندوق” بشأن حصول بلاده على قرض بقيمة 1.9 مليار دولار تم التفاوض حوله العام الماضي.
جاء ذلك بعد تعثر المحادثات بين تونس والصندوق منذ شهر أكتوبر 2022، وبعد أن تم التوصل لاتفاق – بعد شهور من المفاوضات – على مستوى الخبراء، فيما أعلن الرئيس سعيد لاحقاً عن رفضه القاطع لمسألة خفض الدعم التي يقترحها الصندوق؛ خشية أن يتسبب ذلك في توترات اجتماعية كبرى من شأنها أن تمس بالسلم الأهلي في البلد.
بينما أعلن الاتحاد الأوروبي، منتصف الشهر الماضي، عن استعداده لإقراض تونس 900 مليون يورو في حالة تمكنا لبلد من تلبية شروط صندوق النقد الدولي.
الأمن الغذائي
الكاتب والمحلل التونسي، نزار الجليدي، يقول لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” إن شعار الحكومة الجديدة التي اختار لها رئيس الجمهورية رجلاً من الكفاءات التونسية وهو رجل قانون بالأساس ورجل إدارة ثانياً، هو “مقاومة الفساد الإداري” ومعالجة الوضع الاقتصادي الاجتماعي، خاصة في زمن الاحتكار وفقدان الخبز والرغيف والسميد والدقيق، وهي مرحلة دقيقة جداً؛ نظراً لأنه دائماً ما كانت ثورات الجوع في تونس شعارها الأساسي هو الخبز.
وفيما تستورد تونس أكثر من 60 بالمئة من احتياجاتها من الحبوب من روسيا وأوكرانيا، فقد استفحلت أزمة الخبز في البلاد خلال الأسابيع الأخيرة بشكل لافت، مع تسجيل نقص حاد بتلك السلعة الأساسية.
ويضيف الجليدي: “لذلك فإن اليوم هذه الحكومة لها مهام واضحة وعلنية.. يأتي في مقدمتها مقاومة بارونات الفساد في الداخل التونسي، ومقاومة كل محاولات تجويع التونسيين، ومقاومة كل ما يتعلق بالإخلال بالأمن الغذائي للتونسيين”.
ويشير إلى أن ذلك يأتي بعد النجاح الدبلوماسي للسلطات التونسية، لا سيما رئاسة الجمهورية، في الملفات الصعبة وفي النقاش مع الأطراف الأوروبية والأطراف المانحة وصندوق النقد الدولي رغم طول الوقت، ولكن الموقف التونسي موقفاً ممتازاً حتى هذه اللحظة وربما سيثمر قريباً جراء تلك الدبلوماسية التي تحتاج إلى داخل قوي وصلب، وبالتالي فإن هذه الحكومة لها رهان هو الداخل ومقاومة الفساد الإداري بشكل خاص.
نشكركم لقراءة خبر “حكومة جديدة في تونس.. كيف تتعامل مع أزمات الاقتصاد؟” عبر صحيفة “موقعي نت”..