إليك حلول بسيطة للحفاظ على برودة منزلك دون الحاجة للمكيف
مقدمة للترجمة
يمر النصف الشمالي من كوكب الأرض بموجة حارّة تاريخية، ويعرف العلماء أن ذلك ليس إلا قمة الجبل الجليدي فقط، ويتوقع أن السنوات الخمس القادمة ستكون حارة كذلك، بل واحدة منها ستكون الأكثر حرارة على الإطلاق، ولذا سيكون من المفيد أن نطبق بعض التقنيات التي تساعد منازلنا للتكيف مع هذه المستجدات، حيث لن يفلح دائما أن نشغل المكيفات طوال اليوم. هذه المادة من “نيوساينتست” تقدم آخر ما توصل العلماء إليه في هذا النطاق، مع مجموعة نصائح بسيطة يمكن تنفيذها الآن بدون حاجة لتعديلات في المنازل.
نص الترجمة
من الواضح حاليا كيف أصبحنا جميعا أسرى ما نتقاسمه بيننا من موجات حر شديدة تضرب بجذورها في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك أجزاء من أوروبا وآسيا والولايات المتحدة، لذا أصبح من الضروري إجراء تعديلات وتحسينات على المنازل لتغدو أكثر ملاءمة للتكيف مع زيادة درجات الحرارة الناجمة عن التغير المناخي. ويتمثل أحد التحديات الكبرى ببساطة في التكيف مع درجات الحرارة الشديدة دون الاعتماد كثيرا على مكيف الهواء الذي سيفضي فيما بعد إلى تبعات كارثية على البيئة.
في الأسبوع الماضي، سلَّطت إحدى الدراسات الضوء على الحاجة الماسة إلى اتباع إستراتيجيات للتبريد في جميع أنحاء العالم بعدما قدّرت مدى تكرار حاجة السكان إلى تدخلات مثل التهوية الإضافية أو مكيفات الهواء باعتبارها وسيلة تمنحهم الراحة. وبينما تواجه الدول في وسط أفريقيا أعلى الاحتياجات للتبريد بصورة عامة في ظل ارتفاع درجة الحرارة العالمية بمقدار درجتين مئويتين، ستشهد المملكة المتحدة وأيرلندا وسويسرا والنرويج زيادة كبيرة في عدد الأيام التي ستسود فيها البلاد موجات حر داهمة مقارنة بالوضع الحالي.
وفقا للباحثة “نيكول ميراندا”، من جامعة أكسفورد، والتي عملت على هذه الدراسة، فإن هذه المناطق الأوروبية غير مستعدة بما يكفي للتعامل مع التحديات التي تواجهها فيما يتعلق بالتبريد بسبب بنيتها التحتية ومبانيها السكنية المُصممة للتكيّف مع البرودة لا لمواجهة الحرارة الشديدة. وعن ذلك، تعلِّق “ميراندا” قائلة: “إن الدول الواقعة في نصف الكرة الشمالي تواجه حاليا أحد أكبر تحديات التكيّف مع التغيرات المناخية”.
على الجانب الآخر، سنجد أن أول الحلول البسيطة والسريعة التي نستسلم لغوايتها في مواجهة التحديات الناجمة عن ارتفاع درجات الحرارة هو الانكباب على شراء مكيفات الهواء وتركيبها، لكن الباحثين يحذرون من أن الاعتماد المُفرط على تكييف الهواء سيتمخض عنه زيادة هائلة في استهلاك الكهرباء، ما يضع الشبكات الكهربائية تحت ضغط هائل ويزيد من تفاقم أزمة التغير المناخي نتيجة زيادة انبعاثات الغازات الدفيئة. ومن جانبها تقول “ميراندا”: “إذا ارتفعت درجة حرارة منازلنا للغاية وكان أول حل نلجأ إليه هو مكيفات الهواء، فسيؤدي ذلك حتما إلى استنزاف أنظمة الطاقة لدينا”.
حلول صديقة للبيئة
أما الحل الأكثر استدامة ومراعاة للبيئة فيتمثل في طرح تقنيات “التبريد السلبي (Passive cooling)”، وهو نهج لتبريد المباني والمساكن دون الحاجة إلى استهلاك قدر كبير من الطاقة الكهربائية (ويعتمد هذا النهج على استخدام تصميم مبانٍ ذكية ومواد بناء مثل العزل الحراري الجيد والتهوية المناسبة والتظليل). لذا، قرر “بيرتوغ أوزاريسوي”، من جامعة الشرق الأوسط التقنية بقبرص، دراسة أكثر الخيارات فعالية التي يمكن أن تصب في مصلحة هذه المباني الحديثة في المملكة المتحدة وتُحقِّق ما نصبو إليه.
تمحور تركيز الباحث “أوزاريسوي” حول نموذج جديد للمنزل معروف باسم “Üserhuus”، وهي كلمة ألمانية معناها “منزلنا”. يتألف هذا النموذج التجريبي من 3 غرف نوم ومنزل سكني آخر متصل به، صُمم عام 2015 في حرم “مؤسسة أبحاث البناء” في واتفورد بالمملكة المتحدة (وهو مجمع يضم مرافق ومراكز بحثية متخصصة في مجال البناء والهندسة المعمارية، ويهدف إلى تطوير تقنيات جديدة لتحسين كفاءة المباني واستدامتها).
كان الهدف من تصميم هذا المنزل هو توفير وحدة سكنية بتكلفة معقولة واحتياجات أقل للتدفئة، ومع ذلك شكّل المنزل خطرا حقيقيّا بسبب شدة حرارته في فصل الصيف وفقا لما قاله “أوزاريسوي” الذي عاش في المنزل لمدة تقارب 7 أسابيع خلال موجة الحر الطويلة في صيف 2018، وعن ذلك صرّح قائلا: “في بعض الأحيان كانت تصل درجة حرارة غرفة نومي في الليل إلى 33.5 درجة مئوية (92 درجة فهرنهايت)”.
قرر “أوزاريسوي” استخدام نماذج حاسوبية لاختبار كيفية تأثير تدخلات إضافية مثل “مصدات الرياح” على درجات الحرارة الداخلية للمنزل، وهي نوع من أنظمة التهوية التي تُستخدم في المناطق الحارة والجافة وكانت شائعة في منازل الشرق الأوسط باعتبارها الأداة الأكثر فعالية لخفض درجات الحرارة في الأماكن المغلقة. تلتقط مصدات الرياح النسيم البارد من أعلى المبنى وتوجهه إلى الداخل، في حين تدفع الهواء الساخن إلى الخارج. ومع ذلك، فإن إضافة مصدات الهواء إلى المنازل المبنية بالفعل قد يكون معقدا ومكلفا مقارنة بتثبيتها في المنازل الجديدة.
في عالم تترصد فيها الحرارة الشديدة بكل مكان، ثمة بعض التغييرات الأخرى البسيطة التي قد تخفف من وطأة الحر في المنازل، كالتظليل الخارجي للنوافذ والأبواب (بستائر خارجية أو ألواح خشبية تُثبت مباشرة على إطار النافذة) للتحكم في كمية ضوء الشمس والحرارة التي تتسرب إلى المبنى. كانت هذه الطريقة هي خير وسيلة اهتدى إليها “أوزاريسوي” لخفض درجة حرارة غرفة المعيشة وغرفة النوم في نموذجه التجريبي للمنزل إلى مستويات قابلة للتحمل، كما أُعيد إنشاء المطبخ وغرفة المعيشة بتصميم مفتوح مع تهوية أفضل، ما أدى إلى تبريد المطبخ بما يصل إلى 5 درجات مئوية.
في السياق ذاته، يقول “أوزاريسوي” إن التقنيات الخضراء المستدامة أو الصديقة للبيئة تحتاج أيضا إلى استخدامها بطريقة مدروسة وذكية للتعامل مع الحرارة التي قد تنجم عن استعمالها، فمثلا يجب تثبيت الألواح الشمسية في الأماكن التي لا تُستخدم كثيرا على غرار سقف المرائب (الكراجات)، وذلك لأن الألواح الشمسية المثبتة على أسطح المنازل قد تسخن وتنقل الحرارة المتولدة منها إلى المنزل. وعلى المنوال ذاته، لا بد من وضع أجهزة تخزين الطاقة الكهربائية مثل البطاريات في المرآب أو الغرف العلوية بدلا من وضعها في الخزائن داخل المنزل لمنع ضخ المزيد من الحرارة إلى المنزل.
حلول فورية
ويمكن للعائلات التي تزحف إليها موجات حر شديدة اتخاذ إجراءات فورية لتبريد منازلها دون الحاجة إلى إنفاق أي أموال. فعلى سبيل المثال، أظهرت دراسة أُجريت عام 2022، بقيادة الباحثة “أليكساندرا ريمبل” من جامعة أوريغون بالولايات المتحدة، أن فتح النوافذ ليلا يسمح بتدفق الهواء البارد إلى الداخل وتهوية المنزل، بينما سحب الستائر أثناء النهار يساعد على حجب أشعة الشمس الحارقة، ما يقلل من درجات حرارة الهواء الداخلية بمقدار 14 درجة مئوية خلال موجة الحر.
في السياق ذاته، ترى “ريمبل” أن معظم الحرارة في المنزل تنبع في الأصل من مصدرين رئيسيين، يتمثل الأول في حركة الأشخاص داخل المنزل والإضاءة والأجهزة الكهربائية، فيما ينبثق المصدر الثاني من حرارة الشمس التي تتسرب عبر النوافذ، لكن ما لا نفطن إليه هو أن الهواء الخارجي الساخن لا يشكِّل سوى مصدر صغير جدا للحرارة التي تتغلغل إلى المنزل بالمقارنة مع المصادر الأخرى.
لذا، فإن حجب أشعة الشمس هو وسيلة فعالة للتقليل من امتصاص درجات الحرارة في المنزل. صحيح أن الستائر الخارجية والمظلات تعمل جيدا على منع أشعة الشمس من الوصول إلى النوافذ وتحجب الحرارة، إلا أن الاستعانة أيضا بالستائر الداخلية المزودة بمسارات جانبية بلا فجوات تسمح للضوء أو الحرارة بالتسرب تُعَد خيارا فعالا قد يلعب دورا إلى حد ما في حجب أشعة الشمس والحفاظ على درجات الحرارة منخفضة في المنزل.
مع حلول الليل وانخفاض درجات الحرارة، سيكون من الأفضل لو اتبعنا بعض الخطوات البسيطة للتخفف من وطأة الحر، كفتح النوافذ للسماح بدخول الهواء البارد. وإن لزم الأمر، فينبغي تثبيت نوافذ جديدة وأنظمة أمان للسماح بذلك. وتأكيدا على ذلك، تُنهي “ريمبل” حديثها قائلة: “أهم شيء هو فتح نوافذ المنزل بأكمله ليلا بمجرد أن يصبح الهواء الخارجي أبرد من الهواء الداخلي، وتركها مفتوحة طوال الليل حتى صباح اليوم التالي، ثم إغلاقها فقط عندما يبدأ الهواء الخارجي في الاقتراب من درجة حرارة الهواء الداخلي مرة أخرى”.
_________________________
ترجمة: سمية زاهر
هذا التقرير مترجم عن New Scientist ولا يعبر بالضرورة عن موقع ميدان.