هل تضعنا الهند أمام أزمة “أرز” عالمية؟ | آراء
وكأن المصائب لا تأتي فرادى، فالدول النامية التي لا تزال تعاني من ارتفاع أسعار القمح والذرة بعد انسحاب روسيا من اتفاقية تصدير الحبوب، وبفعل الموجة الحارة التي أثرت على المحاصيل، والجفاف في القرن الأفريقي، إضافة للعجز المزمن في ميزانها التجاري، ها هي تفاجأ بقرار هندي يحظر تصدير الأرز إلى الخارج باستثناء “البسمتي”.
الهند مسؤولة وحدها عن 40% من صادرات الأرز في العالم، وهو رقم يزيد عن مجموع ما تصدره الدول الأخرى في قائمة الخمس الأوائل في مصدري الأرز في العالم، تايلند وفيتنام وباكستان والصين، إذ لا يزيد ما يصدره كل هؤلاء على 39% من الاستهلاك العالمي.
والسؤال الذي نحاول الإجابة عليه هنا هو: هل ينبغي أن نقلق بشأن الأرز الذي يعد مكونا غذائيا رئيسيا في كثير من البلاد؟ النظر السريع إلى المشهد قد يدفعنا إلى ذلك، لكن تحليلا متأنيا قد يبث قدرا من الطمأنينة في النفوس.
بعد القرار الهندي، اصطفت طوابير لشراء الأرز من محلات السوبر الماركت الأميركية، وتزايد الطلب عليه في كندا لدرجة اضطرت محلات البقالة إلى بيع عبوة واحدة للفرد كحد أقصى، فلجأت الأسر إلى التسوق الجماعي للحصول على مزيد من عبوات الأرز، وكان سبب هذا التهافت على الشراء هو ارتفاع الأسعار إلى أعلى معدل خلال 3 سنوات، وسط أنباء عن زيادة حادة في سعره ومخاوف من اختفائه من الأسواق.
بالتزامن مع ذلك، أعلنت الإمارات العربية المتحدة أيضا حظرا مؤقتا مدته 4 أشهر على ما كانت تعيد تصديره من الأرز الهندي، وأعلنت روسيا حظرا مماثلا على صادراتها حتى نهاية العام، كما بدأت كل من إندونيسيا والفلبين، وكلتاهما من كبار مستهلكي الأرز في العالم، إجراءات لزيادة مخزونهما من هذا المحصول.
والواقع في عالمنا العربي هو أن 47% من الاستهلاك ينتج محليا (5.8 ملايين طن)، بينما تغطى نسبة الـ 53% الباقية عبر الاستيراد (6.7 ملايين طن)، وأكبر المستوردين السعودية يليها العراق فالإمارات، أما منتجي الأرز العرب فـ 6 دول أولها مصر بواقع 84% من الإنتاج العربي، تليها العراق 8% ثم موريتانيا، فالمغرب فالسودان وجزر القمر، وحتى هذه الدول تضطر هي الأخرى للاستيراد.
الصورة ليست قاتمة
ورغم استحواذ الهند على نحو 40% من سوق صادرات الأرز عالميا كما أسلفنا، فإن الصورة ليست قاتمة كما يصورها المضاربون الذين تسابقوا في تخزين الأرز سعيا لجنى أرباح مع ارتفاع سعره، فالحظر الهندي استثنى الأرز “البسمتي”، وهو يشكل نحو 19% من صادراتها حسب وزارة الزراعة الهندية، وجاء القرار بعد أن ارتفعت أسعار الأرز غير البسمتي في الهند، في وقت تعيش فيه البلاد أجواء انتخابات عامة وتليها انتخابات محلية العام المقبل، وفي وقت كهذا يمكن لأي أزمة داخلية أن تؤثر على اتجاهات التصويت.
وإذا كان القرار بهذه الصورة هو استجابة لأزمة داخلية عابرة، فإنه مرشح للإلغاء إذا انتهت الأزمة، وفرص انتهاء الأزمة خلال الأشهر القليلة القادمة عالية، إذ أن 87% من إنتاج الأرز الهندي يكون في فصل الخريف، ولذلك فإن تزايد كميات الأرز في السوق الهندية بعد الحصاد، فستتجه أسعاره للانخفاض، ولا يكون هناك مبرر لحظر تصديره.
الهند أيضا ليست صاحبة نفس طويل في مثل هذه القرارات نتيجة ضغوط التجار والمنتجين المحليين، فهي مثلا أعلنت -مع نشوب الحرب الروسية الأوكرانية- حظرا على تصدير القمح، لكنها سمحت باستمرار تصديره إلى دول الجوار الجغرافي، وساهم ذلك في تهدئة الأسعار.
وفي عام 2007 أعلنت كذلك حظرا على تصدير القمح ثم تراجعت عنه بعد احتجاجات المصدرين، وفي أبريل/نيسان 2008 فرضت حظرا على تصدير الأرز غير البسمتي لكنها لم تلبث أن رفعته بعد شهرين من ذلك التاريخ.
رغم استحواذ الهند على 40% من سوق صادرات الأرز عالميا، فإن الصورة ليست قاتمة كما يصورها المضاربون الذين تسابقوا في تخزين الأرز سعيا لجنى أرباح
الهند أيضا تعاني من عجز مزمن في ميزانها التجاري، وقد تفاقم العام الماضي بصورة غير مسبوقة، بسبب واردات الوقود باهظة الثمن بفعل الحرب الروسية الأوكرانية، وهو عبء مرشح للاستمرار هذا العام، وإلى جانب ذلك فليس من مصلحتها ولا مصلحة مستثمريها أن يتحول زبائن الأرز الهندي عنه إلى دول أخرى فتصعب استعادتهم.
وإذا كان هذا شأن الهند، فما الحال مع روسيا والإمارات وقد قررتا أيضا حظر تصدير الأرز؟
الواقع أن ذلك لا ينبغي أن يكون موضع قلق، فالحظر الروسي لا يعدو أن يكون قرارا ذا أثر معنوي لا مادي، فإنتاجها من الأرز محدود، وصادراتها منه لا تتجاوز 100 ألف طن، أما الإمارات، فليست منتجة للأرز، وقرار الحظر الذي أعلنته يتعلق بما كانت تعيد تصديره من الأرز الهندي، وهي كمية لم تزد على 56 ألف طن عام 2020.
أما مشهد التزاحم على شراء الأرز في الولايات المتحدة وكندا، فأبطاله كانوا من الهنود المقيمين في البلدين بصورة خاصة، وعددهم يصل في أميركا إلى نحو 2.4 مليون مهاجر، ويبلغون نحو 600 ألف مهاجر في كندا.
متى ندخل دائرة الخطر؟
الخطر الحقيقي سيكون في حال اتخذت دول آسيوية أخرى من كبار منتجي الأرز قرارا مشابها بحظر التصدير، وهو احتمال قابل للحدوث، فتايلند صاحبة المركز الثاني في صادرات الأرز العالمية، تعاني من الجفاف فطلبت من مزارعيها الاكتفاء بدورة زراعة واحدة خلال هذا العام، مما يعني نقص إنتاجها بصورة كبيرة.
فيتنام أيضا، وهي المصدِّر الثالث عالميا للأرز، أعلنت عزمها خفض صادراتها خلال السنوات السبع القادمة إلى 4 ملايين طن بعد أن كانت 7 ملايين طن، وذلك في خطوة تستهدف حماية أمنها الغذائي وحماية البيئة، ولا سيما بعد الآثار السلبية التي أصابت المحاصيل في دول جنوب آسيا بسبب ظاهرة “النينو” التي تسبب تغييرا في حركة الرياح ودرجات الحرارة.
وإذا حدث واجتمعت هذه الدول على قرار الحظر بفعل ظروفها الداخلية، فعندها قد يواجه العالم أزمة تشبه ما حدث عام 2008 عندما قررت الهند وفيتنام وتايلند وباكستان حظر تصدير الأرز، وهي مسؤولة عن نحو 70 % من صادراته العالمية، فسبب ذلك زيادة في الأسعار بلغت ألف دولار للطن أحيانا، وبلغ متوسط السعر خلال ذلك العام 700 دولار، لكن الأسعار الحالية أقل بكثير من ذلك إذ لم تتعد 514 دولارا للطن في يونيو/حزيران الماضي.
المخزون العالمي من الأرز يبلغ حاليا 195 مليون طن، تمثل 37.5% من الاستهلاك العالمي السنوي البالغ 520 مليون طن، وهو يكفي لنحو 4 أشهر ونصف، ولكن توزيع هذا المخزون متفاوت من قارة لأخرى ومن دولة لأخرى، كما أن الاعتماد على الأرز في النظام الغذائي متفاوت كذلك حسب الثقافة والعادات، ولذلك فإن تأثير الأزمة سيكون متفاوتا.
وفي دول تعتمد بصورة رئيسية على الصادرات الهندية من الأرز ستكون فاتورة قرار الحظر مرتفعة، وتضم قائمة هذه الدول إيران والسعودية والسودان وسلطنة عمان والجزائر والصومال وإريتريا ومالي والسنغال وأثيوبيا ومدغشقر وأفريقيا الوسطى وليبريا وأنغولا وجنوب السودان.
مخزون الأرز في بعض مناطق أفريقيا وأميركا الجنوبية يكفي لأقل من شهرين، وهو يقل في أميركا الوسطى والكاريبي عن استهلاك شهر ونصف، مما يزيد من ترقب صرامة الحظر الهندي، واحتمالات أن يستثني دولا أشد احتياجا كما فعلت قبل ذلك عند حظر تصدير القمح.