بلغة الأرقام.. خبراء يكشفون أسباب تفشي الفساد في الدول العربية وكيف يمكن محاربته في المنطقة | البرامج
لا يزال الفساد السياسي والإداري والمالي مستشريا بشكل كبير في منطقة عربية منكوبة بالصراعات والأزمات، ولم يكن مفاجئا أن تأتي العديد من الدول العربية في درجات دنيا على مؤشر مدركات الفساد الذي تصدره سنويا منظمة الشفافية الدولية.
وتدرك الدول العربية أن الفساد أكبر عقبة أمام تحقيق التنمية، وهو أشبه بالوباء الذي يكلف اقتصادها مليارات الدولارات سنويا في غياب إرادة سياسية جادة للتغيير والإصلاح، ومشاركة فاعلة من المجتمع المدني ووسائل الإعلام، مما يفاقم عدم الاستقرار السياسي في المنطقة ويعوق تنميتها الاجتماعية والاقتصادية.
ورغم ذلك لم تتغير حال العديد من الدول العربية طيلة عقود من الزمن، وبقي عنوان مكافحة الفساد ومحاسبة الفاسدين شعارا ترفعه الحكومات المتعاقبة، من دون أن تنجح في إرساء آليات فعالة تحول دون استشراء الفساد في العديد من القطاعات.
وعن الأسباب الرئيسية وراء الفساد، قال الوزير والسفير الأردني السابق محيي الدين توق -في حديثه لبرنامج “سيناريوهات” (2023/7/27)- إن السبب الأساسي وراء الفساد في الدول العربية هو غياب الإرادة السياسية من قبل الأنظمة الحاكمة والمسؤولين الكبار، وربط ذلك بالرغبة في الاستئثار بالسلطة والنزعة الاستبدادية والتسلطية.
ولفت توق إلى أنه رغم الإستراتيجيات والخطط التي تضعها الدول لمحاربة الفساد، فإن الفجوة بين القوانين والواقع تجعل من الصعب تحقيق النتائج المرجوة، مشيرا إلى أن تفاقم الأوضاع الاقتصادية فاقم تفشي الفساد في ما وصفها بالدول الريعية.
تقارير دولية
يشار إلى أن أحدث التقارير الدولية بشأن الفساد لا تكشف عن تحسن كبير في مكافحة الظاهرة ومعالجة أسبابها من الجذور في أغلب دول العالم. وتبدو منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من أكثر مناطق العالم تأثرا بتفاقم الظاهرة، في ظل حالة الصراع التي تعيشها ودائرة الأزمات التي تحيط بها.
حلول مقترحة
وعن الحلول المقترحة لحل الظاهرة، قالت المستشارة الإقليمية للشرق الأوسط في منظمة الشفافية الدولية كندة حتر إنه لا يمكن محاربة الفساد إلا من خلال عملية تشاركية فعالة يتم فيها احترام حقوق الإنسان.
وأشارت إلى أن هناك مؤشرات ودراسات تبرز الفساد في القطاع العام، ولكن القدرة على التحليل والحصول على المعلومات تبقى أمرا متعثرا، مما يساعد البعض على التهرب الضريبي وعدم القدرة على إثبات التجاوزات ومحاسبة المسؤولين عنها.
كما ذكر مدير المعهد الأميركي لمكافحة الفساد في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مايك مسعود أن التغيير الجوهري في مكافحة الفساد لن يتأتى إلا بردم الهوة الواسعة بين المواطن والدولة، وبناء الثقة بينهما مرة أخرى من خلال تعزيز الدولة لسيادة القانون والحوكمة الفعالة، سواء في القطاع العام أو الخاص، وكذلك تعزيز قطاع الرقابة الذاتية، والحرص على بناء قضاء مستقل وربط السلطة بالمساءلة.
لغة الأرقام
وبلغة الأرقام، يصنف مؤشر مدركات الفساد 180 بلدا وإقليما من خلال مستوياتها المدركة لانتشار الفساد في القطاع العام، على مقياس يتراوح من صفر (شديد الفساد) و100 نقطة (نزيه جدا).
ووفقا لتقرير منظمة الشفافية الدولية الأخير الصادر نهاية يناير/كانون الثاني الماضي، فإن أكثر من ثلثي بلدان العالم يعاني من مشكلة خطيرة مع الفساد، إذ سُجّلت درجات أقلّ من 50، فقد انخفض متوسط الدول العربية على مؤشر عام 2022 إلى 33 درجة من أصل 100.
ولم تتجاوز أغلب الدول العربية درجة 50 على المؤشر، حيث تواصل شعوب المنطقة صراعها مع ما توصف بأنظمة الاستبداد، ونضالها من أجل حقوقها السياسية والمدنية والاجتماعية.
واحتلت 3 دول خليجية المراتب الأولى عربيا، وهي الإمارات وقطر والسعودية، في حين سجّلت ليبيا والسودان واليمن وسوريا والصومال أسوأ مستوى للفساد، وجاءت جميعها في ذيل القائمة عربيا وعالميا.
وتفاوتت بقية الدول العربية في تدني درجاتها؛ فجاء تحت مستوى النصف مباشرة كلٌ من الأردن وعُمان والبحرين والكويت، في حين انخفضت تونس 4 نقاط مقارنة بالعام الماضي، مع تزايد المخاوف من مواصلة البلاد السير على طريق الاستبداد.
أما المغرب والجزائر ومصر وجيبوتي وموريتانيا فجاءت في درجات أدنى، وتبقى الفئة التي تضم كلا من لبنان والعراق في الربع الأسوأ على القائمة، حيث يعيش كل منهما في دوامة من الأزمات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.
يذكر أن دوائر الفساد والنزاع والأمن تتقاطع في كل مكان، حيث يحفز كل عامل منها الآخر، كما يتجلى في أي استقراء لواقع منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فسوء استخدام الأموال العام أو سرقتها او اختلاسها تؤدي إلى حرمان مؤسسات إنفاذ القانون والحفاظ على السلم من الموارد التي تحتاجها لأداء مهامها.
وفي بلد كتونس، تركزت السلطات القضائية خلال السنتين الأخيرتين في يد رئيس البلاد، كما أقيل عشرات القضاة، ولم تستأنف الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد عملها منذ أغلقت عام 2021.
وفي لبنان، تؤكد التقارير أن انهيار قطاعه المالي منذ عام 2019 ليس إلا نتيجة للإنفاق المفرط والفساد، إذ وصلت الدولة إلى مرحلة عجز عن دفع رواتب الموظفين وضمان الخدمات الأساسية مثل الرعاية الصحية والكهرباء والمياه.