مدير معهد الدراسات الإسلامية بكوسوفو: أصح نسخة لصحيح البخاري لليونيني خرجت من عندنا | ثقافة
بريشتينا- عاش التراث الألباني الإسلامي الديني والثقافي المكتوب أصعب فتراته التاريخية لما يقرب من قرن كامل، خلال الحقبة الصربية في كوسوفو (1913-1999)، فبعد مغادرة الإمبراطورية العثمانية منطقة البلقان قبيل الحرب العالمية الأولى، تم تدمير جزء كبير من هذا التراث وحرقه خلال ما يمكن أن يطلق عليه “معركة التراث” بين الألبان والصرب.
ولعبت مكتبات العائلات الألبانية الشهيرة ومكتبات الجوامع الأثرية دورا أسطوريا تاريخيا في الحفاظ على هذا التراث الألباني القديم في أماكن مخفية بعناية كبيرة تحت جدران المنازل أو بين أحجار أسقف الجوامع الأثرية، وهو ما ساعد المشيخة الإسلامية في كوسوفو -بعد انتهاء الحرب ورحيل الصرب عام 1999- على إطلاق حملة لتجميع هذا التراث المشتت هنا وهناك بين مكتبات عائلات العلماء القدامى أو في داخل أسقف الجوامع الأثرية.
وعلى مدار عقدين من الزمان (1999-2020) قامت المشيخة الإسلامية في دولة كوسوفو بتجميع آلاف الكتب والمخطوطات بمكتبة كلية الدراسات الإسلامية، ونظرا للحجم الكبير لعدد المخطوطات القديمة الذي تم تجميعه -في عملية بحث وتجميع ما زالت جارية في مختلف أنحاء كوسوفو- قررت المشيخة الإسلامية في 2020 تأسيس معهد البحوث والدراسات الإسلامية في العاصمة بريشتينا، كي يتولى مسؤولية جمع هذا التراث والحفاظ عليه وإعادة تصنيفه وترتيبه والعمل على طباعة أهم المخطوطات والكتب القديمة.
معهد البحوث والدراسات الإسلامية في العاصمة بريشتينا وفور تأسيسه سارع لفتح قنوات تواصل وتعاون مع الأرشيف العثماني في تركيا، نظرا لأهمية ما لديه من كتب ووثائق غاية في الأهمية عن تراث علماء كوسوفو خلال الحقبة العثمانية قبل عام 1912.
وخطا المعهد خطوات سريعة نحو أرشفة الكتب والمخطوطات القديمة والنادرة، ووضع خريطة زمنية للبدء في مراجعتها وتحضيرها للطباعة والنشر داخل وخارج كوسوفو، خاصة أن الشعب الألباني له امتداد في أكثر من دولة بمنطقة غرب البلقان.
وفي خطوة وصت بالفريدة سيكون لها آثارها الكبيرة على العالم الإسلامي، وجد المعهد نسخة محفوظة لصحيح البخاري للعالم شرف الدين اليونيني الشهير تعد أصح نسخة مصححة وموثقة لصحيح البخاري، وعلى الفور قام بمراجعتها وطباعتها بالتعاون مع دار نشر لبنانية وسوف تصدر قريبا وسيتم توزيعها على كافة دور النشر في أنحاء العالم العربي والإسلامي.
وحول الجهود الحثيثة السريعة لمعهد البحوث والدراسات الإسلامية في العاصمة بريشتينا والتابع للمشيخة الإسلامية (الاتحاد الإسلامي) في دولة كوسوفو، كان للجزيرة نت هذا الحوار مع الشيخ صبري بايجورى مدير المعهد.
درس بايجوري أصول الدين بجامعة الأزهر وانتخب رئيسا للأئمة في كوسوفو مدة 3 عقود، وكان رئيسا لجمعية العلماء في كوسوفو، وفي عام 1995 عين أستاذا لمادة التفسير في كلية الدراسات الإسلامية حتى عام 2004.
وتم تكريمه في عام 1997 لجهوده العلمية للكلمة الإسلامية المكتوبة بجائزة “القلم الذهبي الإسلامي” الذي تقدمه رئاسة المشيخة الإسلامية في جمهورية كوسوفو، وترأس تحرير مجلة المعرفة الإسلامية الكوسوفية ومجلة التربية الإسلامية.
أصدر 5 كتب مؤلفة ومترجمة، وأكثر من 300 عمل بحثي في تفسير القرآن الكريم والمطبوعة في المجلات الإسلامية باللغة الألبانية، والكثير من أعماله في التفسير موجودة في مواقع الأنترنت باللغة الألبانية. كما عمل في مراجعة وتدقيق وتحكيم لأكثر من 250 مؤلفا.
-
مرت بكوسوفو أوقات عصيبة عصفت بالتراث الألباني لفترة طويلة في القرن العشرين أثناء الحقبة الصربية، فما حجم الضرر الذي أصيب به هذا التراث؟
فيما يتعلق بالتراث الإسلامي الألباني القديم الديني والثقافي في دولة كوسوفو، نستطيع القول إنه بعد مغادرة الإمبراطورية العثمانية منطقة البلقان قبيل الحرب العالمية الأولى، تم حرق ومحو جزء كبير من هذا التراث على أياد صربية آثمة، وفقدنا للأبد كتبا ومخطوطات قديمة مهمة كثير منها كان من نسخة واحدة فقط.
وعاش تراثنا الإسلامي أصعب فتراته التاريخية لما يقرب من قرن كامل، فقد عمد الصرب إلى تزييف التاريخ، لذلك سعوا إلى القضاء على القومية الألبانية أولا ثم محو الهوية الإسلامية ثانيا، وهذا يفسر اتساع نطاق هجماتهم على مدار عقود متتالية، شملت هدم وحرق الجوامع الأثرية الألبانية، وما فيها من مكتبات بها كتب قديمة جدا ومخطوطات مهمة ونادرة.
هذه السياسية التدميرية لكل ما يتعلق بهوية وقومية ألبان كوسوفو استمرت وتواصلت لعقود متتالية منذ احتلال الصرب لكوسوفو في عام 1912، وحتى رحيلهم عنها في عام 1999. فقد تصاعدت في حقبة “مملكة صربيا وكرواتيا وسلوفينيا”، التي نشأت بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى ثم تغير اسمها لاحقا إلى “مملكة يوغوسلافيا”.
عندما سيطر الشيوعيون على الحكم، لم يكن لديهم أي رحمة مطلقا تجاه التراث الإسلامي في كوسوفو خاصة إزاء المخطوطات
كذلك استمر النهج نفسه بعد الحرب العالمية الثانية، عندما سيطر الشيوعيون على الحكم، ولم يكن لديهم أي رحمة مطلقا تجاه التراث الإسلامي في كوسوفو، خاصة إزاء المخطوطات التي كانت بعدة لغات شرقية عثمانية وفارسية وعربية بجانب اللغة الألبانية بالأحرف العربية، وكانت لها قيمة لا يمكن تعويضها.
وللأسف، السياسة “الصربية العدائية” لكل ما هو إسلامي أو ألباني شهدنا تداعياتها من جديد في نهاية القرن العشرين خلال حرب كوسوفو في عامي (1998-1999)، حين أقدم الصرب على حرق كل ما هو إسلامي من مساجد ومكتبات إسلامية.
فقد تم حرق 218 جامعا أثريا في كوسوفو، وأحرقوا مكتبة المخطوطات والوثائق بمقر المشيخة الإسلامية في بريشتينا التي أسفرت عن ضياع آلاف المخطوطات النادرة، وكذلك ضياع مئات الآلاف من الوثائق المهمة التي يعود تاريخها جميعا لنحو 6 قرون، وهذه تمثل خسارة كبيرة للتراث الإسلامي الألباني في كوسوفو، كما وصفتها اليونسكو بأنها خسارة فادحة للتراث الإنساني.
ومع ذلك، قسم كبير لا بأس به نجا من أيدي الصرب من الكتب الدينية والثقافية القديمة وكذلك المخطوطات المهمة، والآن تحفظ بمكتبة كلية الدراسات الإسلامية.
وبعد تأسيس معهدنا قبل عامين انتقلت مسؤولية الحفاظ عليها إلينا، حيث قمنا بنسخها جميعا نسخا إلكترونية، كما يجري الآن بناء مبنى جديد لمعهدنا ضمن مجمع مباني مقر المشيخة الإسلامية في بريشتينا، وسيتم تخصيص صالات خاصة لحفظ المخطوطات من التلف وفق معايير علمية.
مكتبات جوامع وعائلات
-
في هذه الفترات العصيبة، أين كان يحفظ هذا التراث؟
من حسن الحظ أن جزء كبيرا من هذه المخطوطات القيمة والمهمة والنادرة كانت محفوظة في مكتبات خاصة لدى العائلات الألبانية وكذلك في مكتبات الجوامع الأثرية في مختلف أنحاء كوسوفو.
لعبت العائلات الألبانية والأئمة دورا تاريخيا في إخفاء هذا التراث بعيدا عن أعين الصرب والشيوعيين الألبان الموالين لهم
فقد لعبت العائلات الألبانية وكذلك الأئمة دورا تاريخيا في إخفاء هذا التراث بعيدا عن أعين الصرب والشيوعيين الألبان الموالين لهم، حيث تم حفظها بحرص شديد جدا، وعناية فائقة للغاية، تفاديا لتعرضها للتلف، وفي الوقت ذاته بطريقة سرية سواء تحت الأرض أو أعلى أسقف البيوت والمساجد، لذا نجت من الحرق والتدمير على أيدي الصرب.
وخلال فترة السبعينيات من القرن الماضي، حيث تمتع ألبان كوسوفو بشيء من الحرية لفترة لم تطل كثيرا، أطلق رئيس المشيخة الإسلامية في ذلك الوقت الشيخ “حافظ بيرم أغاني”، مبادرة عظيمة مباركة ساهمت إلى حد كبير في الحفاظ على تراثنا الإسلامي القديم المكتوب، وذلك عبر الدعوة لتجميع المخطوطات والوثائق المهمة التي نجت من أيدي الصرب في مكتبة المشيخة بالعاصمة بريشتينا للحفاظ عليها من الضياع أو التلف.
4 لغات
-
التراث الألباني القديم مكتوب بعدة لغات شرقية، فكيف ستتعاملون معه وتقديمه للأجيال الجديدة من الباحثين؟
لدينا في مكتبة معهد البحوث والدراسات الإسلامية مئات المخطوطات بـ4 لغات، الغالبية العظمى منها باللغة العثمانية، وجزء آخر بالفارسية، وجزء ثالث بالعربية، وكذلك هناك جزء كبير رابع باللغة الألبانية ولكن بالأحرف العربية. (في القرن الـ18 بتأثير الثقافة العثمانية كتب الألبان لغتهم بالحرف العربي).
ومن حسن الحظ في السنوات الأخيرة، ونظرا لثراء مكتبنا بالمخطوطات العثمانية، فقد أرسلنا في منح دراسية أكثر من 10 باحثين لدراسة اللغة العثمانية، وهم الآن خبراء في هذه اللغة وسوف يبدؤون في ترجمة كافة المخطوطات والوثائق المكتوبة بخط اليد في اللغة العثمانية إلى اللغة الألبانية.
وفي هذا السياق، سوف نقوم بتجميع وترجمة إلى اللغة الألبانية لكل ما يتعلق بتاريخ وتراث ألبان كوسوفو في الأرشيف العثماني. وفي هذا المسار، سيكون أحد مشروعاتنا القادمة بمعهد البحوث مشروع مهم بدأته بالتعاون مع الدكتور “بصير نذيري”، عضو رئاسة المشيخة الإسلامية، وعضو مجلس إدارة معهد البحوث، يتمثل في تجميع وترجمة كل ما ورد من معلومات وإحصائيات عن جوامع كوسوفو التاريخية الأثرية في الوثائق العثمانية، وترجمتها إلى اللغة الألبانية.
وأود هنا الإشارة والتأكيد أننا في معهد البحوث والدراسات الإسلامية في بريشتينا لدينا رؤية مستقبلية لإعداد مشروعات بحثية تتمثل في تجميع وترجمة كل ما ورد في الأرشيف العثماني عن تراث الألبان في غرب البلقان كألبانيا ومقدونيا الشمالية والجبل الأسود.
-
وما أبرز المكتبات أو الأماكن التي يحفظ فيها هذا التراث حاليا؟
كما أشرت من قبل، وبفضل الحرص الشديد في إخفاء الكتب القديمة والمخطوطات المهمة من قبل العائلات الألبانية في بيوتها وكذلك من قبل الأئمة في الجوامع الأثرية القديمة، وصل إلينا نسبة معقولة من كتب التراث الألباني القديم الديني والثقافي، الذي يحفظ اليوم في 3 مكتبات رئيسية في العاصمة بريشتينا، وهي:
– المكتبة الأولى: مكتبة معهد البحوث والدراسات الإسلامية: وهي حاليا تمثل مكتبة كلية الدراسات الإسلامية، وسيتم نقلها بعد الانتهاء من بناء مبنى جديد لمعهدنا ضمن حرم مجمع مباني المشيخة الإسلامية.
– المكتبة الثانية: المكتبة القومية الحكومية التي بها كتب ومخطوطات قديمة غاية في القيمة والأهمية بـ3 لغات شرقية عثمانية وفارسية وعربية.
– بينما المكتبة الثالثة: في الأرشيف الحكومي قسم التراث العثماني وبها وثائق كثيرة مهمة وما زالت تحتاج للبحث والدراسة بشكل خاص ودقيق، لأنه حتى اليوم لم تعط حقها المطلوب من التدقيق فيها واستخراج كنوزها المعلوماتية التاريخية ذات الأهمية الكبيرة لتاريخنا وتراثنا الألباني.
وللأسف جزء كبير من هذا التراث سرقه الصرب خلال الحرب الأخيرة في عام 1999، وهذا ما دفعنا لتوجيه نداء إلى أحفاد وأبناء عائلات العلماء الألبان في كوسوفو، لمد معهدنا بأي مخطوطات لديهم كي نحافظ عليها ونقوم بترميمها وإصلاحها وحفظها من التلف والضياع.
نريد أن يرى العالم الإسلامي وفي مقدمته الأجيال الناشئة الألبانية حجم وروعة تراثنا الإسلامي الألباني وماذا قدم علماؤنا ومساهماتهم العلمية في مختلف فروع العلوم والثقافة الإسلامية والأدب واللغة العربية بجانب اللغات الشرقية
وهذا يعطينا أملا في الحفاظ على الحد الأدنى من تراثنا القديم المتناثر هنا وهناك، كي يرى العالم الإسلامي وفي مقدمته الأجيال الناشئة الألبانية حجم وروعة تراثنا الإسلامي الألباني وماذا قدم علماؤنا ومساهماتهم العلمية في مختلف فروع العلوم والثقافة الإسلامية والأدب واللغة العربية بجانب اللغات الشرقية.
-
من المشروعات التي قام بها معهدكم طباعة فهرست للمخطوطات في مجلدين.. هل من إطلالة على حجم هذا العمل؟
نحن كاتحاد إسلامي (المشيخة الإسلامية)، وكافة إداراتها ومؤسساتها المتخصصة، وخاصة معهد البحوث والدراسات الإسلامية، كنا وما زلنا وسوف نبقى مخلصين لرسالتنا الإسلامية ولتراثنا الإسلامي القديم، عاملين على جمعه وإعادة إحيائه ونشره وتقديمه للباحثين والأجيال الشابة كي يفتخروا بتراثهم العريق وتاريخهم العظيم.
في هذا المسار، قمنا بإعداد فهرس لكافة المخطوطات التي لدينا في مكتبتنا، وقد طبعنا فهرس المخطوطات في مجلدين ليسهل تداولها والاستفادة منها من قبل الباحثين والمتخصصين، ليس فقط من كوسوفو والبلقان بل من كافة أنحاء العالم الإسلامي الذين يمكنهم الحضور هنا وإجراء أبحاثهم عن تراث الألبان القديم.
وهذا المشروع في فهرسة المخطوطات مستمر ومتواصل حيث تصلنا مخطوطات أخرى من قبل عائلات العلماء الألبان القدامى ونقوم بتحديث هذا الفهرست وقريبا سوف نصدر منه المجلد الثالث.
وقد استعنا في فهرسة هذه المخطوطات لدينا بأهم شخصية علمية كوسوفية مختصة بالمخطوطات على مستوى العالم، وهو الأستاذ الشيخ محمود بن العلامة الشيخ عبد القادر الأرناؤوط.
وأعتقد من أكبر نجاحات وإنجازات معهدنا خلال الفترة القصيرة الماضية منذ تأسيسه، هو إصدار أول طبعة من مخطوطة لأهم نسخة موثقة لكتاب صحيح البخاري، وهي للعالم الكبير اليونيني (شرف الدين اليونيني عالم ومحدث 621-701هـ، 1224-1301م).
وسوف نعرض هذه النسخة في معرض الكتاب بمدينة أبو ظبي هذا العام، وسيكون هذا الكتاب المهم والمشروع العلمي الفريد للأمة الإسلامية باكورة أعمالنا للعالمين العربي والإسلامي.
وقد شاهدنا من الآن اهتماما كبيرا للغاية من كافة المكتبات ودور النشر في العالمين العربي والإسلامي للتعاون معنا في نشر هذا المشروع الكبير. وهذه فقط تمثل بداية لمشروعات علمية تراثية كثيرة سوف نقوم بتنفيذها الواحد تلو الآخر دون توقف.
وأعتقد أن الرسالة المهمة من هذا المشروع الكبير تتمثل في كوننا كنا وسوف نظل جزءا من هذا العالم الإسلامي، خاصة أنه ظهر بين الشعب الألباني علماء كبار خدمت علومهم الأمة الإسلامية جمعاء خاصة، خلال القرن العشرين، حيث كان من أكبر علماء الحديث مثل الشيخ عبد القادر الأرناوؤط وشعيب الأرناؤوط، وناصر الدين الألباني، وغيرهم كثير.
الشعب الألباني هو الشعب الوحيد في منطقة البلقان الذي اعتنق الإسلام بغالبية ساحقة
وهذا يعكس مدى حب الألبان للإسلام، وارتباطهم بالأمة الإسلامية، ويترجم بشكل عملي حقيقة الشعب الألباني الذي أصبح الشعب الوحيد في منطقة البلقان الذي اعتنق الإسلام بغالبية ساحقة.
من أهم المخطوطات التي نجت من أيدي الصرب مخطوطة نادرة في العالم الإسلامي لصحيح البخاري للعالم الكبير اليونيني، وتعد أهم نسخة محققة، وستكون هديتنا للعالم الإسلامي
-
هل من أمثلة لأهم وأبرز المخطوطات التي نجت وما زلتم تحتفظون بها حتى اليوم؟
من أهم المخطوطات التي نجت من أيدي الصرب مخطوطة مهمة ونادرة في العالم الإسلامي لصحيح البخاري للعالم الكبير “اليونيني”، كما ذكرت من قبل، وتعد أهم نسخة محققة ولا توجد منها نسخة أخرى سوى واحدة فقط في مكة، بينما النسخة التي لدينا في كوسوفو بحالة جيدة للغاية.
وكانت هذه المخطوطة النادرة في العالم محفوظة في مكتبة جامع خادومي الأثري أقدم جوامع مدينة جاكوفا التاريخية في جنوب غرب كوسوفو، وقد كتبت قبل نحو 270 عاما. وهي محفوظة الآن بشكل مؤقت في مكتبة كلية الدراسات الإسلامية في بريشتينا.
وفي الفترة الأخيرة قام معهد البحوث والدراسات الإسلامية في بريشتينا بالتعاون مع دار نشر “لؤلؤة” في لبنان بطباعة هذه المخطوطة التي سوف تصدر في مجلدين خلال صيف هذا العام، وسوف تصبح الطبعة الوحيدة في العالم الإسلامي لصحيح البخاري لنسخة العالم المعروف اليونيني، وهذه ستكون هديتنا للعالم الإسلامي.
ومن بين المخطوطات المهمة والقيمة بالنسبة للشعب الألباني عموما في منطقة غرب البلقان، التي نحن بصدد طباعتها في يونيو/حزيران مخطوطة “المولد الشامي”، وهي قصيدة قيمة من تأليف الشيخ حافظ إسلام نكوفتسى، أحد أكبر العلماء الألبان في كوسوفو، الذي انتقل إلى تركيا ومنها إلى دمشق حيث توفى بها في عام 1929.
وكتبت هذه القصيدة باللغة الألبانية بالأحرف العربية، وقد قمت بإعادة كتابتها للأحرف الألبانية، وهي المرة الأولى التي سيتم طباعتها، وتعد مشروعا هاما وحصريا لمعهدنا، نظرا لقيمة محتواها. فهي أفضل قصائد المولد الألبانية، بالإضافة لأهمية كاتبها ومكانته الكبيرة كعالم دين شهير وسط الشعب الألباني في البلقان وحول العالم.
وقصائد المولد الشعرية هي مدائح في النبي عليه السلام ويعشقها الشعب الألباني ويرددها في مناسباته الدينية والاجتماعية في احتفالات تجمع رواد المساجد أو أقارب العائلة الواحدة.
الأرشيف العثماني
-
– ما أوجه التعاون بينكم وبين المؤسسات العربية والإسلامية حاليا، وماذا كانت نتائجها وحصيلتها في الواقع العلمي؟
بالإضافة إلى عملنا في مجال المخطوطات في كوسوفو، لدينا أنشطة متنوعة ومشروعات كبيرة نأخذها بكل جدية واهتمام في عملنا اليوم.
ومن النجاحات التي تحققت في أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي 2022، توقيع اتفاقية بين كل من المشيخة الإسلامية في كوسوفو، ورئاسة الشؤون الدينية التركية (ديانت) في أنقرة، وهي اتفاقية تفتح الأبواب للتعاون بين المؤسسات المماثلة في الجانبين، التعليمية والبحثية وغيرها.
وأهمية هذه الاتفاقية بالنسبة لنا في معهد البحوث والدراسات الإسلامية أنها تتيح لنا الوصول لكافة الأرشيف العثماني في تركيا، وهذا فتح الباب لنا للبدء في إنجاز عدد كبير من المشروعات البحثية التي بدأناها بالفعل وسوف نواصل تنفيذها بشكل دائم ومستمر.
وتتمحور هذه المشروعات البحثية في ترجمة كل ما هو موجود في الأرشيف العثماني ويتعلق بالتراث الألباني في غرب البلقان في كوسوفو وألبانيا ومقدونيا وغيرها، وسنقوم تباعا بطباعة ما قمنا بترجمته كي يستفيد منه الباحثون الألبان في غرب البلقان في كوسوفو وألبانيا ومقدونيا، لأنه خلال الحقبة الشيوعية تم تشويه التاريخ الألباني وتغيير الحقائق التاريخية، ومنها أن عدو الألبان هم الأتراك ولكن الحقيقة أن الألبان كان لهم عدو واحد فقط هم الصرب لا غيرهم.
وفي هذا الصدد، قمنا بالفعل بترجمة وطباعة كتاب هام للغاية، لدرجة أن الباحثين الألبان ينتظرونه بشوق شديد وبصبر يكاد ينفد، وهو كتاب: سجلات ولاية بريزريني (1873-1874)، وبالألبانية: (Sallnamet vilajetit i Prizreni).
وستكون هذه بداية مباركة لترجمة العديد من الكتب والوثائق العثمانية المتعلقة بتاريخ وتراث الألبان في غرب البلقان إلى اللغة الألبانية وطباعتها، وهذه فرصة رائعة لا يمكن وصف قيمتها في الوصول الأرشيف العثماني وإعادة تصحيح التاريخ الألباني الذي حرفه الشيوعيون، ولدينا باحثون من كوسوفو وألبانيا جاهزون للمشاركة معنا في هذا المشروع الإستراتيجي المهم لمستقبل الألبان في غرب البلقان.
-
هل تنفتحون على المؤسسات الأوروبية المماثلة لكم؟
بالإضافة إلى التراث الإسلامي الكبير المحفوظ في مكتبات العالم الإسلامي مثل إسطنبول ودمشق والقاهرة، فإننا مهتمون بالتواصل وتوقيع اتفاقيات مع المؤسسات المماثلة لنا في الدول الأوروبية وخاصة مع الأرشيف المركزي لمدينة دوبرفينيك (الكرواتية) والفاتيكان وفيينا (عاصمة النمسا)، لأن هذه المراكز المهمة تحتفظ بمخطوطات ووثائق إسلامية مهمة، خاصة فيما يتعلق بتاريخ وتراث الألبان.
وعلينا ألا ننسى أن ألبانيا كانت بمثابة جسر تواصل بين الشرق الإسلامي والغرب الأوروبي، وفي هذه المكتبات الأوروبية مخطوطات ووثائق في غاية الأهمية والقيمة، لذلك فإننا مهتمون للغاية بزيارة هذه المكتبات الأوروبية مع متخصصين كبار في هذا المجال والاطلاع على الوثائق التاريخية المتعلقة بالتراث الإسلامي الألباني. وسوف تتواصل زياراتنا بعدها إلى لندن حيث يوجد بها أرشيف هائل وهام جدا بالنسبة لتراثنا الألباني.
كل هذه الجهود والمساعي صدى لمسلسل التدمير الهائل لتراثنا وعلى مدار نحو قرن قبل استقلال كوسوفو الذي سعى لتدمير تراثنا القومي في البداية ثم محو تراثنا الإسلامي في النهاية.
تشتت التراث
-
التراث الألباني في كوسوفو، يعد جزء من التراث الألباني في منطقة غرب البلقان، حيث تفرق الشعب الألباني بين أكثر من دولة منذ تقسيم ألبانيا عام 1913م، فهل يمثل تشتت التراث الألباني في أكثر من دولة تحديا بالنسبة لكم؟ وكيف ستتعاملون معه؟
خلال عملنا في تجميع وإحياء التراث الإسلامي الألباني، الذي تأسس من أجل تحقيق هذا الهدف معهد البحوث والتراث الإسلامي في بريشتينا قبل عامين، يواجهنا عدد من التحديات والعقبات الكبيرة.
التحدي الأكبر أمامنا بعد عملية جمع المخطوطات الإسلامية سواء في كوسوفو أو الدول المجاورة الناطقة بالألبانية، هو كيفية تنظيم وتصنيف وفهرسة ونشر هذا التراث الكبير كي يحقق الهدف النهائي من إتاحته للباحثين بشكل منظم وسهل يساعدهم في دراساتهم العلمية.
ومن أجل تحقيق هذا الهدف تواصلنا وتناقشنا مع المشيخات الإسلامية في كل من ألبانيا ومقدونيا الشمالية، من أجل إنشاء آلية تعاون تهدف لإتاحة كل ما لدينا في مكتبة المخطوطات بهذه المشيخات الثلاث لجميع الألبان في غرب البلقان وحول العالم.
وفي هذا الصدد، آمل أن نوقع في القريب العاجل اتفاقية بين معاهد البحوث والدراسات الإسلامية في المشيخات الثلاث للعمل والتنسيق في مجال المخطوطات والتراث الإسلامي القديم المكتوب، وستكون لحظة تاريخية للشعب الألباني في مسار إعادة إحياء تراثه من جديد.
نعم، أدرك أن هذه الخطوة تواجه صعوبات كبيرة للغاية، لكن ليس من المستحيل بالنسبة لنا التغلب عليها، خاصة أن لدينا تجربة ناجحة في مشروع علمي مهم ترأست تنفيذه مع المشيخات الإسلامية الثلاث تمثل في تعاوننا في طباعة كتاب مهم في الفقه الحنفي وهو كتاب “الاختيار لتعليل المختار” في 4 مجلدات، وقد انتهينا من ترجمته وينتظر إصداره في أغسطس/آب القادم هذا العام، وهو عمل مشترك بين المشيخات الإسلامية الثلاث ويصدر باسمهم جميعا.
وهذا دليل على إمكانية نجاحنا في التعاون والتنسيق في كافة مشروعاتنا الكبيرة التي تخدم الشعب الألباني في دول غرب البلقان، لأن الإرادة والرغبة متوفرة لدى الجميع من أجل إنارة تراثنا الإسلامي القديم ونفض الغبار عن المخطوطات الإسلامية وتقديمها للباحثين.
خاصة أنه كان في كل من كوسوفو وألبانيا ومقدونيا الشمالية علماء ألبان كبار معروفون في هذه الأوقات التاريخية للأمة الإسلامية جميعا. مثل الشيخ حافظ إبراهيم بالليو، والشيخ حافظ علي كورتشى، وكانوا مشهورين في عصر الإمبراطورية العثمانية حيث كتبوا بعض كتبهم باللغة العثمانية.
وكذلك من العلماء الألبان المشهورين سابقا، مفتي محافظة كفايا في ألبانيا، الشيخ إبراهيم كادوكو، الذي كتب عنه العلَّامة، المحقق الطاهر ابن عاشور، صاحب تفسير “التحرير والتنوير”، كتابا من 40 صفحة، وهذا يدلل على أن علماءنا الألبان كانوا معروفين في أنحاء البلاد العربية والإسلامية.
ودورنا الحالي ومسؤوليتنا أمام الأجيال الناشئة والقادمة هي أن نزيح ركام النسيان الذي فرضته الحقبة الشيوعية على الشعب الألباني في العقود السابقة، وأن نضيء سير هؤلاء الأعلام الألبان من جديد ونجعلهم منارات لنا وللأجيال القادمة، من خلال تراثهم العظيم من المخطوطات التي تركوها لنا، وآن الوقت لإظهارها للنور ونقدمها كذلك للعالم الإسلامي بالإضافة لشعبنا الألباني.
-
في ختام لقائنا، ما الإضافة التي تود الحديث للقراء عنها؟
أود أن أضيف هنا خبرا جديدا أعتقد أنه يهم العالم الإسلامي، وهو أن معهد البحوث والدراسات الإسلامية في بريشتينا سينظم مؤتمرا دوليا نهاية أكتوبر/تشرين الأول القادم، تحت عنوان “مساجد الألبان ودورها في التربية والثقافة والعلوم”.
في هذا المؤتمر سنتطرق كذلك إلى الفنون المعمارية للجوامع الألبانية الأثرية وطرزها المختلفة العثمانية والألبانية، وكذلك إلى الجوامع التي بناها الألبان في الدول الأخرى مثل جامع محمد علي باشا وجامع سنان باشا في القاهرة.
وسيتم التحدث عن تدمير المساجد على مدار القرن العشرين وعن الأوقاف والمرافق الأثرية الملحقة بالجوامع الأثرية مثل المكتبات والمدارس والحمامات والأسواق وغيرها.
وفي هذا المؤتمر سندعو للحديث خبراء في هذه المجالات المعمارية والتاريخية من دول مختلفة حول العالم مثل تركيا وماليزيا وباكستان وسوريا ومصر والولايات المتحدة وغيرها.