قرصنة وابتزاز وقتل بالإهمال.. إرهاب بن غفير لم تسلم منه أسنان الأسرى بسجون الاحتلال | سياسة
غزة- “لا تخطر على بال الشيطان” هذا ما يصف به الوزير قدري أبو بكر رئيس “هيئة شؤون الأسرى والمحررين” الإجراءات والقرارات العدائية التي تتخذها مصلحة سجون الاحتلال الإسرائيلي بهدف تحويل الحياة الاعتقالية للأسرى الفلسطينيين إلى “جحيم لا يطاق”.
ويأتي هذا الوصف من الوزير في سياق تعقيبه -للجزيرة نت- على القرار الإسرائيلي بالخصم المسبق لقيمة مراجعة أي أسير لعيادة الأسنان من حسابه الخاص لدى مقصف السجن، تنفيذا لتعليمات وزير الأمن المتطرف إيتمار بن غفير.
وقال أبو بكر “الإجراءات الإسرائيلية العدائية بحق الأسرى الفلسطينيين في تصاعد يومي ومستمر، وقد تصل إلى حد إجبار الأسير على دفع أجرة الزنزانة المعزول بداخلها”. ولا يحبذ الوزير ربط هذه الإجراءات بتولي بن غفير، فهي سياسة قديمة حديثة، والأسرى يعيشون على الدوام حياة صعبة وقد زادت بؤساً مع هذه السياسة العدائية.
وأضاف أن القرار يأتي في سياق جملة السياسات الانتقامية التي صدرتها الحكومة اليمينية المتطرفة لإدارة السجون، والتي يسيطر عليها قائد عصابة المستوطنين بن غفير، والذي ينادي بتحويل واقع الأسرى والمعتقلين إلى جحيم.
الدفع أولا
وباشرت إدارة مصلحة سجون الاحتلال تنفيذ قرار خصم أموال من الحسابات الخاصة بالأسرى الذين يراجعون عيادة علاج الأسنان، وتصلهم من السلطة الفلسطينية وذويهم لشراء بعض احتياجاتهم من الكانتين، ويقول الوزير أبو بكر “يتسببون بالأمراض لأسرانا بسياسة الإهمال الطبي ثم يبتزونهم بالمال لعلاجهم”.
وحددت إدارة السجون مبلغ 175 شيكلا (48 دولارا) عن كل ساعة علاج في عيادة الأسنان التابعة للسجن أو المعتقل، على أن تحدد المدة من خلال الطبيب، ولا يسمح للطبيب بتجاوز الوقت المحدد.
ويوضح عبد الناصر فروانة الأسير المحرر ورئيس وحدة الدراسات والتوثيق بهيئة شؤون الأسرى والمحررين أن حاجة الأسير لساعة علاج، أو إضافة ساعة أخرى، حسب مزاج الطبيب، وقد تخضع أيضا للضغط والابتزاز والمساومة، ليس فقط فيما يتعلق بالعلاج، وإنما قد تطال كل أوجه حياة الاعتقال، كالحصول على المعلومات، وعدم تعاطي الأسير مع الخطوات النضالية، وغيرها الكثير، بحسب حديثه للجزيرة نت.
ويقبع حوالي 4 آلاف و900 أسير في سجون الاحتلال، من بينهم 31 امرأة و170 طفلا، يعاني منهم أكثر من 700 من أمراض مختلفة، وبعضهم بحاجة إلى عمليات جراحية عاجلة لإنقاذ حياتهم.
ومن شأن السياسات العدائية التي يمارسها الاحتلال أن تؤدي للقتل البطئ لكل الأسرى بالسجون، وفقا للوزير أبو بكر الذي أشار في الوقت نفسه إلى استشهاد 237 فلسطينيا من الحركة الأسيرة منذ العام 1967.
تجربة أسير
قبل أيام قليلة، تحرر مراد أبو معيلق (45 عاما) من سجنه، الذي قضى بداخله 22 عاما، ويقول للجزيرة نت “لا يخرج أي أسير من سجون الاحتلال إلا محملا بمرض أو أمراض عدة”.
ويحكي أبو معيلق، الذي يعالج حاليا من التهابات حادة بالأمعاء جراء الإهمال الطبي داخل السجون، تجربته الخاصة مع القرصنة الإسرائيلية، حيث أجبرته إدارة السجن على دفع نحو 700 شيكل (193 دولارا) ثمن مشد للظهر، بعد خضوعه لعملية جراحية أثناء اعتقاله.
وشبّه اضطرار الأسير لمراجعة عيادة الأسنان في السجون بخوض رحلة مرعبة إلى المجهول، وضرب مثلا بالأسير الشهيد نعيم شوامرة، وكان شابا رياضيا، يشاركه ذات الغرفة داخل السجن، لكنه عاد من العيادة ليفقد النطق تدريجيا، وقد تدهورت حالته الصحية واستشهد بعد شهور قليلة من تحرره.
وأكد أبو معيلق أن النماذج متكررة لأسرى تدهورت أوضاعهم الصحية بعد مراجعتهم عيادة الأسنان، وقال إنه شخصيا خشي العودة إليها لمتابعة كسر بإحدى أسنانه بعد أيام قليلة من علاجها، وبرأيه فإن أطباء السجون جزء من منظومة التعذيب الإسرائيلية بحق الأسرى، يشاركون في حملات القمع، ويخضعون الأسير المريض للتجارب الطبية.
كما استذكر حادثة ضرب طبيب إسرائيلي أسيرا بجهاز الاتصال اللاسلكي في وجهه، قبل مباشرة علاجه من جروح أصابته خلال عملية قمع، وقال “الاحتلال يتعمد نشر الأمراض، وممارسة سياسة التعذيب والموت البطئ ضد الأسرى”.
ابتزاز وقرصنة
ولكل أسير فلسطيني حساب مالي خاص به في مقصف السجن، حيث تزوده السلطة الفلسطينية شهريا بمبلغ 400 شيكل (110 دولارات) إضافة إلى مبالغ أخرى متفاوتة تضعها أسرة الأسير في حسابه، كجزء من راتبه الشهري الذي تتلقاه أسرة الأسير شهريا من السلطة نيابة عنه.
وقال الوزير أبو بكر إن إسرائيل تقرصن شهريا الملايين من أموال المقاصة الفلسطينية لصالح تعويض المستوطنين، إضافة لمبلغ 100 مليون شيكل قيمة فاتورة الرواتب التي تدفعها السلطة للأسرى والشهداء.
وبرأي فروانة، فإن إجراء الدفع المسبق لعلاج الأسنان يشكل مدخلا لابتزاز الأسرى ماديا والضغط عليهم، بما يخالف كل الاتفاقيات والمواثيق الدولية، موضحا أن الأسير المريض بحاجة دائمة إلى قرارات وموافقات من أجل العلاج، لكن هذه المرة القضية أشد خطورة وتضييقا، عبر الابتزاز المالي، وتحديد مدة العلاج، وهي أمور تؤكد استهتار الاحتلال بحياة مئات الأسرى المرضى.
ولفت إلى أن سياسة الابتزاز والقرصنة التي تمارسها إدارة السجون لا تقتصر على العلاج، وتطال منذ سنوات طويلة كل احتياجات الأسرى من مواد غذائية ونظافة وملابس وأغطية، حيث توفرها في المقصف وتجبر الأسرى على شرائها بأسعار مضاعفة، مضيفا “الأسعار للأسرى أعلى بكثير من ديزنكوف” في إشارة إلى أشهر الشوارع التجاربة في تل أبيب.
وكشف فروانة أن حسابات الأسرى تتعرض للسرقة والقرصنة كل لحظة ولأي سبب، كفرض الغرامات على أي أسير يرتكب فعل تصنفه إدارة السجون مخالفا لقوانينها وأنظمتها.
ويضع هذه الإجراءات في سياق سياسة إسرائيلية متصاعدة منذ سنوات، وزادت خطورتها مع تولي بن غفير الذي أعلن مرارا أنه يريد إعادة السجون إلى سابق عهدها، ونزع ما يسميها امتيازات، والتي حصل عليها الأسرى بنضالاتهم، وتوفير مئات آلاف الشواكل لصالح إسرائيل، على حساب معاناة الأسرى وأوجاعهم.