“عرَّاب” الضم ومتزعمه.. ما الذي ينتظره الفلسطينيون بعد تفويض سموتريتش بملف الاستيطان؟ | سياسة
نابلس- في خطوة تُصعّد الاستيطان بالضفة الغربية وتزيد الوضع السياسي بين الفلسطينيين والإسرائيليين توترا وتعقيدا؛ اتخذت الحكومة الإسرائيلية قرارا يقضي بتفويض رئيس حزب الصهيونية الدينية والوزير في وزارة جيش الاحتلال بتسلئيل سموتريتش بصلاحيات تخوله تسهيل إجراءات عملية الاستيطان وتسريعها.
ويقضي القرار -الذي صدر خلال اجتماعها الأسبوعي أمس الأحد- بإصدار المصادقة الأولية للتخطيط والبناء في المستوطنات من دون موافقة المستوى السياسي، خلافا للوضع القائم منذ ربع قرن، إضافة إلى اختصار إجراءات توسيع المستوطنات.
وحسب ما ذكرته الإذاعة الرسمية الإسرائيلية (كان)، فإن الإجراءات المتبعة سابقا كانت تقضي بمصادقة رئيس الحكومة الإسرائيلية ووزير الجيش على أي مرحلة في مخططات البناء بشكل منفرد وخلال فترات زمنية تستمر سنوات طويلة، ليتحول الأمر كله بيد سموتريتش وحده.
المقرر والمنفذ واحد
وفلسطينيا، قرأ خبراء وسياسيون القرار الإسرائيلي الأخير على أنه مزيد من الهيمنة الإسرائيلية على الأرض الفلسطينية وتقسيم المقسم منها وعزله، وبالتالي تسهيل عملية الضم للضفة الغربية وتسريعها.
والأخطر أنه يحول دون أي اعتراض فلسطيني أو خارجي على أي قرار يتخذه سموتريتش أو “عرَّاب” الاستيطان كما يصفه عبد الله أبو رحمة منسق العمل الجماهيري بهيئة الجدار والاستيطان (شبه رسمية).
ويقول أبو رحمة إن خطورة القرار تكمن في سموتريتش نفسه الذي يعمل قبل وبعد انضمامه للحكومة الإسرائيلية على تعزيز الاستيطان، فهو يرفض خطة الانسحاب (انسحاب 2005) من مستوطنات غزة وشمال الضفة، ويدعم جمعية “رجفيم” الاستيطانية التي تراقب البناء الفلسطيني والتبليغ عنه لهدمه.
وأضاف أن سموتريتش شرعن 9 بؤر استيطانية، ورفع الميزانية المخصصة للاستيطان بـ4 مليارات شيكل (الدولار يساوي 3.5 شيكلات) منذ وصوله للحكومة وزيرا للمالية بداية العام الجاري لدعم الاستيطان السياحي وتحسين خدمات البنى التحتية في المستوطنات والبؤر الاستيطانية لمضاعفة عدد المستوطنين واستيعاب نصف مليون منهم خلال سنتين.
ويقول أبو رحمة إن سموتريتش -ومعه وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير وآخرون من الصهيونية الدينية- “يبتز” الحكومة لا سيما رئيسها نتنياهو، ويسابقون الزمن لفرض الوقائع على الأرض وتعجيل الاستيطان.
ما يجري ضم حقيقي
ومن قائد لمليشيا استيطانية تحوَّل سموتريتش إلى مقرر بحكومة الاحتلال، وبالتالي سيحظى بمباركتها في كل قراراته، وسينعكس ذلك سلبا على الفلسطينيين بجانبين وفق أبو رحمة: أولهما يتمثل في قرارات الهدم والملاحقة والمصادرة لممتلكات الفلسطينيين. وثانيهما يتم دعم عصابات المستوطنين كمجموعات “تدفيع الثمن” وغيرها بتسليحها وعدم محاكمتها للتضييق على الفلسطينيين والاعتداء عليهم مباشرة.
ويضيف أبو رحمة أن “انتهاكات الاستيطان وخلال الأشهر الستة الماضية -وهو عهد الحكومة الحالية- تصاعدت بكل المستويات، ولم يشهد لها مثيل تاريخيا”.
وما تمارسه إسرائيل يؤكد أبو رحمة أنه “عملية ضم حقيقية” للضفة الغربية، ويتفق معه في ذلك خليل التفكجي خبير الاستيطان ومدير مركز الخرائط ببيت الشرق بالقدس.
ويقول التفكجي للجزيرة نت إن تفويض سموتريتش للمصادقة على إجراءات الاستيطان يعني “ضما تدريجيا من دون الإعلان”، إضافة إلى قطع الطريق على أي اعتراض أو ممانعة أوروبية أو أميركية للتوسع الاستيطاني.
والأخطر -في رأي التفكجي- هو إلغاء دور “الإدارة المدنية” (المسؤولة عن إدارة شؤون الفلسطينيين) بوزارة الجيش التي يرأسها سموتريتش أصلا، وإنهاء الحكم العسكري على الاستيطان بالضفة الغربية ونقله لوزارة الإسكان الإسرائيلية والتصرف كأنها أرض إسرائيلية.
صاحب القرار
وبالتالي يبين التفكجي أن الجيش الإسرائيلي لم يعد مسؤولا ولا حتى المستوى السياسي الإسرائيلي عن الاستيطان، وأن سموتريتش هو صاحب القرار في ذلك.
وقبل قرار حكومة الاحتلال الأخير كانت المصادقة على أي بناء استيطاني تمر بعدة مراحل؛ أهمها الإعلان عن المخطط ونشره في الصحف والاعتراض عليه، ثم إقرار الميزانية والمصادقة من جيش الاحتلال والمستوى السياسي الإسرائيلي.
وهذا كله يأخذ وقتا، وبالتالي يجعل إمكانية وقف أو تأجيل أي بناء استيطاني ممكنة، لكنه الآن اختُصر لمرحلتين تتمثلان في الإقرار والتسريع لمنع أي عرقلة له.
وثمة خطورة قائمة وستزداد عقب هذا القرار -كما يقول التفكجي- وهي أن المستوطنين الذين ينفذون أصلا سياسة إسرائيلية سيصعدون اعتداءاتهم لخلق “بيئة طاردة للفلسطينيين” بالضفة الغربية، كهجمات حوارة (جنوب نابلس) الأخيرة، ونظيراتها شمال الضفة الغربية.
ووفق مركز معلومات فلسطين (مُعطى)، فإن المستوطنين ارتكبوا أكثر من 35 ألف انتهاك ضد الفلسطينيين بالضفة الغربية والقدس، تنوعت بين القتل (171 فلسطينيا) والحرق والاعتقال والهدم والتشريد والإبعاد، وغير ذلك.
وأقر الاحتلال بناء أكثر من 15 ألف وحدة سكنية استيطانية منذ بداية العام الجاري، وهذا لم يسجل تاريخيا خلال سنة واحدة، وفق خبير الشأن الإسرائيلي خلدون البرغوثي.
ويتفق البرغوثي مع سابقيه في أن الأحزاب الدينية الصهيونية التي يرأسها سموتريتش وإيتمار بن غفير اللذان يعملان بتكاملية تبتز نتنياهو الذي سيخضع في ظل مصلحته الشخصية للبقاء بالحكم لمنع محاكمته أو حبسه.
الأحزاب المتنفذة
ويقول البرغوثي -في حديث للجزيرة نت- “سيستمر نتنياهو في إرضاء تلك الأحزاب المتنفذة في الحكم للمحافظة على ائتلافه الحكومي الحالي، لا سيما في ظل استطلاعات تؤكد إمكانية فوز نتنياهو بأي انتخابات قادمة”.
ويختم البرغوثي بأن تسريع إجراءات الاستيطان وتمكين سموتريتش من ذلك عمليا يعني “تحول قرار الضم للضفة الغربية غير الرسمي إلى واقع فعلي ونهائي”.
ويشير تقرير سنة 2022 لهيئة الجدار والاستيطان أن الاستيطان ارتفع بشكل غير مسبوق منذ احتلال الضفة الغربية والقدس عام 1967، وحسب التقرير فإن هناك أكثر من 735 ألف مستوطن موزعين على 176 مستوطنة و186 بؤرة استيطانية.
ومنذ بداية العام الجاري، أصدر الاحتلال أكثر من 600 إخطار بالهدم للأبنية الإسمنتية فقط، فضلا عن 400 منشأة (إسمنتية وغيرها) تم هدمها في الفترة ذاتها.
وأعلن أمين سرّ اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير حسين الشيخ -في تصريح صحفي له أمس الأحد- مقاطعة السلطة اجتماعا اقتصاديا مع “إسرائيل” كان سيعقد اليوم الاثنين، واتخاذ “جملة إجراءات وقرارات للتنفيذ تتعلق بالعلاقة مع إسرائيل”، وذلك ردًّا على قرار الحكومة الإسرائيلية تسريع مراحل النمو الاستيطاني بالضفة الغربية.