الحوار أو الصراع.. زيارة بلينكن للصين ومعضلة حسابات الطرفين | سياسة
واشنطن- “الحوار لوقف الانزلاق نحو صراع لا يريده الطرفان”، يبدو أن هذه الخلاصة هي ما أفضت إليه زيارة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن للصين، خاصة مع تأكيد بيان للخارجية الأميركية أن لقاء بلينكن بنظيره الصيني تشين غانغ شدد على “أهمية الدبلوماسية والمحافظة على خطوط اتصال مفتوحة بشأن مجموعة كاملة من القضايا بغرض تخفيف أخطار سوء الفهم وسوء التقدير بين الطرفين”.
كما تطرق بيان الخارجية إلى بحث عدد من القضايا المثيرة للقلق، وأوضح بلينكن أن الولايات المتحدة ستستمر في الدفاع عن مصالح الشعب الأميركي وقيمه، و”تعمل مع حلفائها وشركائها لتعزيز رؤيتنا لعالم حر ومفتوح يحترم النظام الدولي القائم على القواعد”.
ويأمل المسؤولون الأميركيون أن تمهد زيارة بلينكن لمزيد من الاجتماعات الثنائية، والتواصل بشأن القضايا الدبلوماسية والتجارية، في الوقت الذي يشكك الكثير من الخبراء في إعطاء الزيارة أكثر مما تستحق من الأهمية، حيث يعتبرون أن مجرد قيام بلينكن بزيارة بكين يعد نجاحا في ظل التوتر المتصاعد في علاقات الدولتين.
يذكر أن زيارة بلينكن للصين كانت مقررة بداية العام، لكن أزمة منطاد التجسس الصيني دفعته إلى إلغاء الزيارة، ولم توافق الصين على قيامة بزيارة جديدة إلا بعد 6 أشهر من موعدها الأصلي.
أزمة تايوان
من جهته، قال وزير الخارجية الصيني تشين غانغ إن العلاقات بين بكين وواشنطن في أدنى مستوياتها منذ عام 1979.
وأبدى تشين مخاوف واضحة بشأن المصالح الرئيسية للصين، بما في ذلك قضية تايوان، مؤكدا أن تايوان هي القضية الأكثر أهمية وتأثيرا في العلاقات الصينية الأميركية.
وفي هذا الإطار، أشار خبير الشؤون الصينية في مجلس العلاقات الخارجية الأميركي جوشوا كورلانتزيك إلى أنه “على مدى السنوات الخمس الماضية شرعت بكين في اتباع نهج عسكري ودبلوماسي أكثر حزما في جنوب شرق آسيا”.
وأضاف “كما هددت تايوان على نحو متزايد وتبنى دبلوماسيوها أساليب عدوانية وأحيانا تنمرا تطبيقا لدبلوماسية (الذئب المحارب) العدوانية في أجزاء أخرى كثيرة من العالم”.
وتدرك بكين الإشارات الصادرة عن إدارة بايدن وتغيير موقف واشنطن بشأن تايوان، بما في ذلك تعليقات بايدن المتكررة التي تعهد فيها بالدفاع عن الجزيرة، واعتبار أن تايوان تمثل رصيدا إستراتيجيا للأمن القومي الأميركي.
وعلى الرغم من إصرار الإدارة على أن سياسة الولايات المتحدة المعروفة باسم “سياسية صين واحدة” لم تتغير فإن هذه التطورات تقوض أساس هذه السياسة، بحسب الرؤية الصينية.
ومن ناحية أخرى، يؤمن صقور السياسة الخارجية الأميركية بأن النخبة الصينية بزعامة الرئيس جين بينغ تؤمن بأن تايوان كانت ولا تزال جزءا لا يتجزأ من جمهورية الصين الشعبية، وهو ما يشكل تهديدا كبيرا للولايات المتحدة، والتي أكدت إدارة بايدن في عدة مناسبات التزامها بالدفاع عن تايوان.
وحذّر وزير الخارجية السابق مايك بومبيو من طموحات الرئيس شي جين بينغ السياسية، وقال في حديث لشبكة “فوكس نيوز” (Fox News) الإخبارية “لقد كشف الرئيس شي أوراقه بوضوح، وقد أوضح عزمه على إعادة توحيد الصين، وهذا يعني ضم تايوان إليها، وهي التي لم تكن أبدا جزءا من الصين”.
وأضاف بوميبو أن “الرئيس الصيني أراد التأكد من أننا نعرف أنه يشعر وكأننا نتدخل في حديقته الخلفية، وكان الأمر واضحا جدا، لم يكن يقصد حدود بلاده، بل كل بحر جنوب الصين، ونراه يتمدد في أفريقيا وفي جميع أنحاء العالم”.
ولفت بومبيو إلى أن الرئيس الصيني يكرر أن مهمته الأساسية هي “الدفاع عن السيادة الوطنية والسلامة الإقليمية الصينية، ويجب الوفاء بالمهمة التاريخية المتمثلة في إعادة التوحيد الكامل للوطن الأم”.
تجنب صراع عالمي كارثي
من ناحية أخرى، ووسط الجدل الأميركي بشأن كيفية التعامل مع التهديدات الصينية المتزايدة، لفت الباحثان في معهد كوينسي بواشنطن جيك فيرنر وسام فريرز إلى ضرورة انتهاء انعدام الثقة المتبادل بين البلدين “حيث توفر زيارة بلينكن إلى بكين أفضل فرصة لاستعادة العلاقات الدبلوماسية المتوترة منذ حادثة منطاد التجسس الصيني”.
وأضاف الباحثان “لكن الأمر سوف يتطلب أكثر من مجرد مجاملات دبلوماسية للتغلب على الخلل الجوهري في العلاقة بين أكبر قوتين عسكريتين واقتصاديتين في عالم اليوم”.
وتعتقد الولايات المتحدة أن أفعالها تجاه الصين حميدة ومبررة، وأن الصين تشكل تهديدا عسكريا متصاعدا، وتعتقد الصين الشيء نفسه عن الولايات المتحدة.
ويصر مسؤولو إدارة بايدن على أنهم لا يريدون “حربا باردة” أو تقسيم العالم إلى كتل جيوسياسية معادية وإجبار الدول الأخرى على اختيار أحد الجانبين.
ومع ذلك فقد اتخذت إدارة بايدن سلسلة من السياسات، ويشمل ذلك المبادرات التي تهدف إلى مواجهة الصين عسكريا، ولا سيما اتفاقية “أوكوس” (AUKUS) مع أستراليا والمملكة المتحدة، والحوار الأمني الرباعي “كواد” مع أستراليا والهند واليابان، فضلا عن محاولات توسيع دور الناتو في آسيا.
صراع الاقتصاد
وعلى الصعيد الاقتصادي، سار بايدن على خطى إدارة ترامب من خلال العمل ضد مبادرات التجارة والتنمية الصينية المختلفة، وتحذير الدول الأخرى إما لاستبعاد الشركات الصينية مثل “هواوي” أو المخاطرة بعلاقاتها مع الولايات المتحدة.
وترى القيادة الصينية أن هذه التحركات تشكل تهديدا عميقا لأمن وازدهار الشعب الصيني، وأن شبكة تحالفات واشنطن، في منطقة المحيطين الهندي والهادي تهدف إلى احتوائها عسكريا، وتنظر كذلك إلى التدابير التي تستهدف الاقتصاد الصيني على أنها أكثر تهديدا، لأنها تضرب وتضر بقدرات النظام الصيني الحاكم.
وطالب الباحثان جيك فيرنر وسام فريرز بأن “تأخذ كل من الصين والولايات المتحدة على محمل الجد كيف يحدد الآخر مصالحه وأهدافه، وأن يبدأ في استكشاف رؤى لنظام عالمي يستوعب كليهما”.
ومن هذا المنطلق، تعكس زيارة بلينكن أن الجانبين لا يزالان مهتمين بالحوار بينهما، لأنه إذا استمر الطرفان في سياق المواجهة فلن يكون أي قدر من الحوار كافيا لوقف الانزلاق نحو صراع لا يريده الطرفان.