هل ستعرف أميركا أزمة عقارية جديدة؟ | اقتصاد
واشنطن – في أواخر شهر مايو/آيار الماضي، قال رجل الأعمال الشهير إيلون ماسك، صاحب شركة “تسلا” (Tesla) وموقع التواصل الاجتماعي “تويتر” (Twitter)، إن “أسعار العقارات التجارية تتراجع بسرعة، وستتبعها أسعار المنازل بعد ذلك”.
دفع ذلك بالشكوك بين مالكي المنازل، وبين الراغبين في شراء منزل جديد للمرة الأولى في حياتهم.
وخلال العامين الماضيين، دفعت تبعات تفشي فيروس كوفيد-19 بالعديد من الشركات والمحال لإغلاق أبوابها خاصة مع انتشار ظاهرة العمل عن بُعد.
ويشهد سوق العقارات عدة ظواهر متداخلة تؤثر على بعضها بعضا بصورة لم يعهدها السوق الأميركي من قبل.
وارتفعت أسعار المنازل إلى مستويات قياسية جديدة، في وقت استمر فيه ارتفاع سعر الفائدة على قروض التمويل العقاري ليبلغ 7%، مما أدى إلى تباطؤ سوق الإسكان العقاري، في حين شهدت الإيجارات ارتفاعات قياسية.
بطء في أسواق العقارات.. لكن
أظهرت الدراسات أنه على مدى السنوات الـ40 الماضية، لم يواكب المعروض من المساكن الطلب، مما أدى إلى نقص في المساكن يتراوح بين مليونين و6 ملايين منزل. ويعد انخفاض المعروض أحد أهم أسباب ارتفاع أسعار المساكن بشكل كبير.
في عام 2022، ولأول مرة في التاريخ، تجاوز متوسط الإيجار على الصعيد الوطني ألفي دولار شهريا، وتشير الأرقام إلى أن ما يقرب من نصف جميع المستأجرين “مثقلون بتكلفة السكن”، إذ ينفقون أكثر من 30% من إجمالي دخلهم على الإيجار.
وفي حين أن سوق الإسكان يهدئ بردة بالفعل، فإن حالة التباطؤ الحالية لا تبدو مثل معظم حالات الانكماش العقاري. فقد هبطت مبيعات المنازل، وانخفضت مخزونات الوحدات المعروضة للبيع بشكل حاد أيضا.
فأصحاب المنازل الذين ثبتوا معدلات الرهن العقاري بنسبة 3% قبل عامين، يرفضون البيع الآن في ظل ارتفاع معدلات الفائدة إلى 7%، ومع ذلك فإن هذا التصحيح لن يكون أشبه بالانهيار التام لأسعار العقارات أثناء أزمة الركود العظيم، عندما شهدت بعض أسواق الإسكان انخفاضا في القيم بنسبة 30%.
هل سينهار سوق الإسكان؟
خلال الفترة من 2005 إلى 2007، شهد سوق العقارات في الولايات المتحدة ارتباكا كبيرا، أعقب ذلك انخفاض قيمة المنازل مع بدء الأزمة المالية عام 2008، وانفجار فقاعة العقارات، وسقط الاقتصاد الأميركي في براثن أزمة اقتصادية كانت الأعمق منذ أزمة الكساد الأعظم في ثلاثينيات القرن الـ20.
وفي الأشهر الأخيرة، عبّر عدد من المعلقين الاقتصاديين عن تشاؤمهم، مع استمرار ارتفاع معدلات الرهن العقاري (عدم القدرة على دفع أقساط التمويل العقاري) والركود المحتمل، وتزامن ذلك مع ارتفاعات قياسية في قيمة الإيجارات في مختلف الولايات الأميركية. ودفع ذلك بمالكي العقارات لطرح سؤال مألوف: هل سوق الإسكان على وشك الانهيار؟
إحصاءات سوق الإسكان الرئيسية
انخفضت مبيعات المنازل بنسبة 3.4% من مارس/آذار الماضي إلى أبريل/نيسان 2023، كما تقول الرابطة الوطنية للوسطاء العقاريين. وبلغ متوسط سعر بيع منزل على مستوى الولايات المتحدة في أبريل/نيسان السابق 388 ألف دولار، بانخفاض 1.7% على أساس سنوي.
كما شهد شهر أبريل/نيسان نفسه توافر إمدادات من مخزون المساكن تغطي فترة 2.9 شهر فقط، وهو أقل بكثير من فترة 6 أشهر اللازمة لسوق صحي ومتوازن.
ويتفق اقتصاديو الإسكان على أن الأسعار قد تنخفض أكثر، لكن الانخفاض لن يكون شديدا مثل الانخفاض الذي شهده أصحاب المنازل خلال فترة ركود 2009.
ويبقى أحد الاختلافات الواضحة بين ركود 2009 وما يحصل الآن هو أن الميزانيات العمومية الشخصية لأصحاب المساكن أقوى بكثير اليوم مما كانت عليه قبل 15 عاما.
ويمتلك مالك المنزل النموذجي الذي لديه رهن عقاري، ائتمانا ممتازا ونسبة مرتفعة من حقوق ملكية المنازل، ورهنا عقاريا بسعر ثابت مقفل بمعدل أقل بكثير من 5%. لذلك لا تلوح في الأفق أزمة حبس الرهن.
علاوة على ذلك، فقد كان الفاعلون في السوق حذرين بشأن وتيرة البناء، وكانت النتيجة نقصا مستمرا في المنازل المعروضة للبيع.
ببساطة ليس هناك مخزون كاف، وحتى مع عدم وجود العرض القوي، فإن تكرار انخفاض الأسعار بنسبة 30% أمر مستبعد للغاية.
أسباب تجعل سوق العقارات الأميركي بعيدا عن الانهيار
يشير خبراء الاقتصاد في مجال الإسكان إلى عدة أسباب مقنعة لعدم حدوث انهيار وشيك، ومنها:
انخفاض مخزون العقارات
إذ تؤكد الرابطة الوطنية للوسطاء العقاريين أنه لا توجد وفرة في المنازل المتاحة للشراء. ويفسر هذا النقص المستمر في المخزون لماذا يصر المشترون على المزايدة على الأسعار.
ويشير هذا النقص أيضا إلى أن معادلة العرض والطلب ببساطة لن تسمح بانهيار الأسعار في المستقبل القريب.
عدم البناء بالسرعة الكافية لتلبية الطلب
فقد انسحب مشيدو المنازل بعد الانهيار الأخير في أزمة 2008-2009، ولم يرفعوا معدلات البناء بالكامل إلى مستويات ما قبل عام 2007. وحاليا، لا توجد أمامهم طريقة لشراء الأراضي والفوز بالموافقات الإجرائية بسرعة كافية لتلبية الطلب المتزايد.
وفي الوقت الذي يبنون فيه بقدر ما يستطيعون، فإن تكرار الإفراط في البناء مثلما كان الوضع قبل 15 عاما يبدو غير مرجح.
الاتجاهات الديمغرافية تخلق مشترين جددا
هناك طلب قوي على المنازل على العديد من الجبهات، حيث قرر الكثير من الأميركيين الذين يمتلكون منازل بالفعل أثناء فترة وباء كورونا أنهم بحاجة إلى أماكن أكبر، خاصة مع انتشار ظاهرة العمل من المنزل.
وهناك جيل الألفية الضخم، وهم مشترون مرجحون للسنوات القادمة، كما أن هناك فئة المهاجرين الهيسبانيك الشباب ممن يحرصون على ملكية المنازل.
لا تزال معايير الإقراض صارمة
في عام 2007، كانت “القروض الكاذبة” متوافرة بشدة، حيث كان من الشائع عدم احتياج المقترضين إلى توثيق دخلهم وممتلكاتهم.
وقد قدمت البنوك قروضا عقارية لأي شخص بغض النظر عن تاريخ الائتمان أو حجم الدفعة الأولى.
أما اليوم، فيفرض المقرضون معايير صارمة على المقترضين، وأولئك الذين يحصلون على قرض عقاري يتمتعون في معظمهم بائتمان ممتاز.