رحلة في الوثائق والأرشيف.. أسطورة العسكري الديمقراطي محمد نجيب
“ابني الأول قتلوه في ألمانيا الغربية ومنعوني من استلام نعشه، وابني الثاني اعتقلوه في ليمان طرة لمدة خمسة شهور، ومات بعدها بفترة قليلة. أما ابني الثالث فكان أسعد حظا، فبعد أن طردوه من عمله الحكومي عمل سائق تاكسي.. لقد تعذب أولادي كما تعذبت أنا، تعذبنا جميعا منذ دخلنا معتقل المرج”.
رئيس مصر الأول “محمد نجيب” في كتابه “كنت رئيسا لمصر”، متحدثا عن المعاناة التي عاشها هو وأسرته بعد إقالته من منصبه وتحديد إقامته جبريا
لطالما كانت قصة أول رئيس مصري قصة منسية، إذ غُيِّبت عمدا لسنوات طويلة من الرواية الرسمية في البلاد، وحين يجري استحضارها يتركز الحديث على أزمته مع مجلس قيادة الثورة في مارس/آذار 1954 التي عُرفت باسم “أزمة الديمقراطية”، أو يتركز على معاناته الجسيمة بعد انقلاب جمال عبد الناصر عليه. وغالبا ما يأخذ الحديث حول محمد نجيب منحى شديد الانحياز، فإما يُصوَّر بوصفه “بطل الديمقراطية” أو يُقدَّم كأنه “عدو للثورة”، لكن نادرا ما يتطرق الحديث إلى فترة حكمه نفسها رغم أنها المرحلة التأسيسية التي وُضِعَت فيها اللبنات الأولى المؤسِّسة لدولة يوليو في مصر، حيث رسمت الصراعات بين عامي 1952-1954 الكثير من ملامح النظام السياسي الذي حكم البلاد لوقت طويل.
ولكن بعد أن أصبحت الكثير من الوثائق والشهادات وأرشيف الصحف المصرية والعالمية متاحة، يمكننا أن نقرأ بطريقة أكثر موضوعية الفترة الرئاسية لمحمد نجيب التي هُمِّشَت في الذاكرة الرسمية. وثمَّة سؤال صعب في أثناء قراءة هذا الأرشيف من جديد يطرح نفسه: هل كانت مصر لتتحول إلى دولة ديمقراطية مدنية تتمتَّع بوضع أفضل فيما يخص العدالة الاجتماعية والاستقلال والحريات حال انتصر محمد نجيب وبقي في الحكم؟ وهل كان يمكن لتاريخ مصر أن يسلك مسارا أفضل من ذلك الذي سلكه طيلة النصف الثاني من القرن العشرين؟