بعد العقوبات الأميركية وتجميد مفاوضات جدة.. هذه توقعات خبراء لمآلات الصراع بين الجيش السوداني والدعم السريع | سياسة
الخرطوم– رجّح مراقبون وخبراء أن يؤدي فرض الولايات المتحدة عقوبات اقتصادية على 4 شركات تابعة للجيش السوداني وقوات الدعم السريع وكذلك وضع قيود على تأشيرات السفر لقيادات من الطرفين ومن نظام الرئيس المعزول عمر البشير إلى عكس ما هدفت إليه العقوبات وتراجع أوراق الضغط الأميركي على الأطراف المنخرطة في الحرب.
وقال مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض جيك سوليفان إن الولايات المتحدة فرضت عقوبات اقتصادية وقيودا على تأشيرات “جهات سودانية فاعلة تكرّس العنف”. وأوضح -في بيان- أن العقوبات تهدف إلى محاسبة المسؤولين عن تقويض السلام والأمن والاستقرار في السودان.
من جهته، قال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إن واشنطن فرضت عقوبات على شركة “سودان ماستر تكنولوجي” لدورها في دعم إنتاج أسلحة ومركبات للجيش السوداني، كما شملت العقوبات هيئة التصنيع الحربي التي تديرها الدولة وتنتج معدات وأسلحة للجيش.
وأضاف بلينكن أن بلاده فرضت أيضا عقوبات على شركة “تريدف للتجارة العامة” (مقرها الإمارات) التي يستخدمها “الدعم السريع” لشراء معدات لقواته، بالإضافة إلى “شركة الجنيد لتعدين الذهب” التابعة للدعم السريع أيضًا.
وأكد بلينكن فرض قيود على تأشيرات لشخصيات منها مسؤولون في الجيش السوداني والدعم السريع وقادة من نظام عمر البشير.
وقال الوزير الأميركي إن العقوبات تأتي ردا على انتهاكات الجيش السوداني والدعم السريع للالتزامات التي تعهدا بها في مدينة جدة، مضيفا أنهم مستعدون لاتخاذ إجراءات إضافية، و”سنواصل العمل مع الأطراف من أجل المساعدة الإنسانية وإسكات البنادق”.
غضب في الجيش
بالمقابل، انتقد مسؤول عسكري سوداني موقف الإدارة الأميركية التي ترعى مع السعودية مفاوضات جدة بين الجيش والدعم السريع. وقال إن وفد الجيش سلّم الجانبين قبل يومين أدلة على عدم تنفيذ “الطرف الآخر” التزامات اتفاق الهدنة الموقع بينهما، ولم ينسحب من المستشفيات ومواقع خدمات المياه والكهرباء، بل توسع في التمركز داخل 34 مستشفى وسيطر على 29 سيارة إسعاف وآلاف المنازل في أحياء عدة بمدن العاصمة الثلاث، وهاجم مواقع عسكرية ومدنية أخرى خلال فترة الهدنة.
وفي حديث مع الجزيرة نت، أعرب المسؤول العسكري الذي طلب عدم الكشف عن هويته عن استغرابه من وضع الولايات المتحدة الجيش والدعم السريع في كفة واحدة، و”تجاهل أن الدعم السريع يتحمل مسؤولية خرق الهدنة بسبب فشله في السيطرة على قواته التي تحولت إلى النهب والسلب واستخدام المدنيين دروعًا بشرية”.
وأوضح المصدر أن ممثلي الجيش علّقوا مشاركتهم في مفاوضات جدة لمنح الرياض وواشنطن فرصة لتقييم التزام الطرفين بشروط الهدنة.
وأضاف أن فرض الولايات المتحدة عقوبات اقتصادية على شركات تابعة للجيش تستهدف إضعاف المؤسسة العسكرية السودانية وليس ممارسة ضغوط على قياداتها، وأن منظومة الصناعات الدفاعية التي شملتها العقوبات نشأت وتطورت خلال فترة العقوبات الأميركية على السودان منذ 1997، ورأى أن رفع واشنطن العصا في وجه الأطراف المتفاوضة يفقدها الحياد المطلوب لدى الوسطاء.
واتهم واشنطن “بعدم العدالة والانحياز” لتجنّبها تسمية من يحتل منازل المواطنين والمستشفيات ومرافق خدمات المياه والكهرباء وانتهاك حقوق الإنسان.
ورأى أن من يستحقون العقوبات هم “أطراف إقليمية حرّضت على الحرب وخططت لها ودعمت الطرف الآخر للاستيلاء على السلطة بالقوة وحشد 80 ألف مقاتل في الخرطوم لهذا الغرض”.
تصعيد متوقع
وتوقع الخبير العسكري سالم الطيب أن تؤدي الإجراءات الأميركية إلى تصعيد في الأيام المقبلة، وإطلاق يد الجيش بعدما تحرر من التزامات الهدنة وبات مطلوبًا منه إنهاء “تمرد” قوات الدعم السريع لانخراطها في تدمير مؤسسات الدولة والمجتمع.
وطبقاً لحديث الخبير مع الجزيرة نت، فإن قادة المؤسسة العسكرية يواجهون ضغوطًا من كبار العسكريين ومن المواطنين لحسم “التمرّد” في أسرع وقت ممكن بسبب تبنّي الدعم السريع سياسة التدمير والتخريب والإضرار بمصالح الشعب وتهجير آلاف المواطنين من منازلهم ونهب ممتلكاتهم.
ويرى الطيب أن السودان صار لديه خبرة في التعاطي مع العقوبات الأميركية التي استمرت نحو 30 عامًا خلال عهد الرئيس السابق عمر البشير، وأن منظومة الصناعات الدفاعية نشأت بالتعاون مع الصين وروسيا ولن تتأثر كثيرًا بعقوباتها الاقتصادية.
ويوضح الخبير العسكري أن قوات الدعم السريع ستتأثر بالعقوبات الأميركية لأن شركة “الجنيد” التي شملتها العقوبات تضم شركات عدة تعمل في تعدين الذهب وتجارته، فضلًا عن الإنشاءات والعقارات والتجارة العمومية، ومسجلة باسم نائب قائد قوات الدعم السريع عبد الرحيم دقلو واثنين من أولاده.
ويضيف أن شركة “تريدف للتجارة العامة” -مقرها في دولة الإمارات- يديرها القوني حمدان دقلو الشقيق الأصغر لقائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو “حميدتي”، وتقوم بشراء الأسلحة والمعدات والمركبات العسكرية والأجهزة التقنية لقواتهم، مشيرًا إلى أن واشنطن تريد أيضًا من العقوبات توجيه رسائل إلى الدول والشركات التي تدعم حميدتي وتتعاون معه.
خيارات الوساطة
من ناحيته، يعتقد المحلل السياسي خالد عبد الله أن تعليق الجيش مشاركته في مفاوضات جدة خطوة تكتيكية لكسب الوقت بعدما دخلت خطته العسكرية لمواجهة قوات الدعم السريع في مرحلتها الأخيرة باستخدام القوات البرية لإخراج القوات من وسط الأحياء السكنية واستخدام القوة المفرطة لتدميرها.
وقال المحلل السياسي -للجزيرة نت- إن العقوبات الأميركية وتسمية مسؤولين عن “العنف” وتجميد الولايات المتحدة والسعودية مفاوضات جدة احتجاجًا على عدم جدية طرفي النزاع؛ كلها عوامل تشكل ضغطا لأن ذلك من شأنه دفع المجتمع الدولي إلى تبنّي خطوات أكثر حزمًا لوقف القتال في السودان بسبب تداعياته الإنسانية في داخل البلاد وآثاره الأمنية على دول الجوار الإقليمي.
ويضيف عبد الله أن إدارة الرئيس بايدن واجهت انتقادات من أعضاء في الكونغرس ومجموعات الضغط لعجزها عن التحرك بجدية لوقف الحرب في السودان وذلك ما دفعها إلى تبنّي خيار العقوبات. واعتبرها إجراءات رمزية لكنها يمكن أن تتطور إلى خطوات أخرى أكثر تشددًا.
وتوقع المحلل السياسي أن تتكامل الجهود الأميركية والسعودية مع تحركات الاتحاد الأفريقي لإقرار خطة مشتركة أفريقية-أممية للتعامل مع الأزمة السودانية، ويجد الجيش والدعم السريع أنهما أمام خيارات صعبة في حال رفض أي طرف الجلوس على طاولة المفاوضات. ولفت المحلل إلى أن الطرفين يحاولان تحسين موقفهما على الأرض قبل العودة إلى التفاوض.