كان شريكا صعبا للولايات المتحدة.. كيف استقبلت واشنطن فوز أردوغان برئاسة تركيا؟ | سياسة
واشنطن- “أنا أعرفه جيدا إنه صديق، وقد تعلمت بشكل مباشر مدى حبه لبلده وشعب تركيا العظيم، الذي رفعه إلى مستوى جديد من الشهرة والاحترام”، بهذه الكلمات بعث الرئيس السابق دونالد ترامب ببرقية تهنئة للرئيس أردوغان بعد مرور ساعتين على إعلان نتائج انتخابات الرئاسة التركية.
وبعد مرور أكثر من 3 ساعات، أصدر الرئيس جو بايدن بيانا هنأ فيه الرئيس أروغان، وعبر فيه عن تطلعه إلى مواصلة العمل المشترك كحلفاء في حلف شمال الأطلسي (ناتو) بشأن القضايا الثنائية والتحديات العالمية.
وتعامل المسؤولون الأميركيون بحذر خلال الجولة الانتخابية الأولى، واستمر الحذر موقفا رسميا لإدارة الرئيس جو بايدن حتى انتهاء المرحلة الانتخابية الثانية بفوز الرئيس رجب طيب أروغان.
ورسميا، لم تؤيد واشنطن أيا من المرشحين في الانتخابات التركية، لأنها لا تريد التدخل في الشؤون الداخلية لتركيا، ولأنها بحاجة إلى التعايش مع الفائز على أي حال.
الحياد خيارا رسميا
في هذا السياق، أشار خبير الشؤون الدولية ولفغانغ بوستزتاي إلى أنه “على الرغم من أن مصالح السياسة الخارجية التركية ستبقى على الأرجح كما هي، فإن كمال كليجدار أوغلو كان المرشح المفضل -بشكل غير رسمي- للأميركيين، إذ توقعوا أن يتبنى أسلوبا سياسيا أكثر تعاونا وكان سيحاول تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة وأوروبا”.
وفي حديثه للجزيرة نت، أضاف بوستزتاي “علاوة على ذلك، كانت طريقة كليجدار أوغلو في القيادة المحلية ستتميز بالعودة إلى مزيد من الديمقراطية، وتقليص دور الدولة في الاقتصاد، واحترام حرية الصحافة”.
كذلك اعتبر الخبير في الشؤون التركية بمعهد الشرق الأوسط بواشنطن هاورد أيزنشتات أن “واشنطن بذلت قصارى جهدها للبقاء على الحياد، ولكن من الناحية العملية، أعتقد أنها تفضل فوز كليجدار أوغلو، وهذا ليس لأن واشنطن ترى أردوغان استبداديا بقدر ما ترى أنه لا يمكن توقع مواقفه”.
من جهته، أكد مساعد وزير الخارجية السابق لشؤون الشرق الأوسط والخبير حاليا بالمجلس الأطلسي السفير ديفيد ماك على أن “إدارة بايدن تجنبت دائما الانحياز إلى أي طرف في الانتخابات التركية”.
أردوغان واستقلال أنقرة الجيوسياسي
بدوره، قال المدير التنفيذي لمركز تحليلات دول الخليج العربي بواشنطن جورجيو كافييرو إنه في أثناء “وجود الرئيس أردوغان على رأس السلطة، واجهت الولايات المتحدة وقتا عصيبا مع حليفتها تركيا، وأثار استقلال أنقرة الجيوسياسي المتزايد عن الغرب في عالم متعدد الأقطاب -الذي تؤكده علاقة تركيا مع روسيا- قلق المسؤولين في واشنطن”.
وفي حديثه للجزيرة نت، أضاف كافييرو “كان كثيرون في الولايات المتحدة يفضلون رؤية كليجدار أوغلو يأخذ زمام المبادرة، بسبب التوقعات بأنه كان سيعيد علاقة أنقرة بشكل أوثق مع الناتو، ويتخذ موقفا أقوى ضد عدوان موسكو في أوكرانيا”.
وفي حديث مع الجزيرة نت، اعتبر السفير ديفيد ماك أن “أردوغان كان شريكا صعبا لواشنطن، لكن الولايات المتحدة تحتاج إلى شريك قوي للوقوف معنا في مناطق البحر الأسود والشرق الأوسط وشرق البحر الأبيض المتوسط”.
وأضاف ماك “تريد تركيا علاقات اقتصادية وعلاقات عسكرية أفضل مع الولايات المتحدة، وهذا يعطي واشنطن نفوذا مع أردوغان، سوف يتطلب الأمر دبلوماسية ماهرة”.
فرصة ضبط العلاقات
واعتبر كافييرو أن هناك كثيرا من التوتر في التحالف التركي الأميركي، ومع ذلك، في فترة ولاية أردوغان الجديدة التي تمتد لـ5 سنوات، ستوفر فرص للبلدين لإعادة ضبط العلاقات وتحريك التحالف في اتجاه أكثر إيجابية.
وأضاف أن الملف الأوكراني سيكون مهما لمستقبل العلاقات بين أنقرة وواشنطن، فمن ناحية، لم تكن الولايات المتحدة راضية عن قرار تركيا بتجنب فرض عقوبات على روسيا إذ اتخذت أنقرة موقفا أكثر حيادية نسبيا تجاه الحرب.
وأوضح المتحدث أن “نهج تركيا تجاه الصراع الروسي الأوكراني يضع أنقرة في وضع يسمح لها بالمساعدة في خفض التصعيد، لأن حكومة أردوغان حافظت على علاقات جيدة مع كل من موسكو وكييف. وعندما يحين وقت التفاوض مع الروس، من المحتمل أن يكون لتركيا دور فريد تلعبه، وهذا لديه القدرة على خدمة مصالح الجميع، بما في ذلك مصالح الدول الغربية”.
وبخصوص قضية مسار انضمام السويد إلى حلف شمال الأطلسي، وهي القضية التي خلقت توترا بين تركيا والولايات المتحدة، قال كافييرو إن “الأسابيع والأشهر المقبلة ستشهد ضغطا من واشنطن على حكومة أردوغان للموافقة على السماح للسويد بالانضمام إلى التحالف عبر الأطلسي”.
واستدرك بالقول، ومع ذلك فإن العوامل المتعلقة بحزب العمال الكردستاني تجعل هذا الموضوع حساسا للغاية في تركيا، وربما لا تستسلم أنقرة للضغوط الأميركية كما يرغب فريق بايدن ومؤسسة السياسة الخارجية في واشنطن”.
تصاعد التوترات
على النقيض، اعتبر خبير الشؤون الدولية ولفغانغ بوستزتاي أن السنوات الخمس القادمة ستشهد توتر العلاقات بين أنقرة وواشنطن.
وقال بوستزتاي “لم يعد أردوغان مضطرا إلى أخذ خصومه السياسيين المحليين في الاعتبار. وسيكون أردوغان أكثر استعدادا للمخاطرة بمغامرات عسكرية في الخارج، وخاصة في سوريا، لأنه لا يحتاج إلى الخوف من عواقب وقوع ضحايا أتراك. وفي حين أنه سيبقى مثيرا للمشاكل داخل الناتو، فمن المحتمل أن يقبل السويد عضوا في الحلف في مقايضة لبعض طائرات إف-16 (F-16) الأميركية ونقل التكنولوجيا العسكرية”.
وأضاف المتحدث أن “أردوغان سيسعى إلى تعزيز علاقته مع روسيا ليس فقط سياسيا واقتصاديا، ولكن أيضا في مجال صناعة الأسلحة، مما يثير استياء الولايات المتحدة، خاصة في ضوء الحرب المستمرة في أوكرانيا”.
وأوضح أنه إذا تطورت علاقاته مع الغرب بطريقة سلبية، “فقد يصبح حتى مثل حصان طروادة الروسي داخل الناتو”، متابعا “ومع ذلك، فإن أسلوب أردوغان السياسي سيسهل على خصوم تركيا في الغرب استبعاد البلاد من بعض الأنشطة ومجالات التعاون”.
من ناحية أخرى، أشار الخبير في الشؤون التركية بمعهد الشرق الأوسط بواشنطن هاورد أيزنشتات إلى اعتقاد الدوائر الأميركية أن أردوغان سيحاول إعادة ضبط العلاقات مع الولايات المتحدة، والمنطق يقول إنه يحتاج إلى بعض الاستقرار لاستعادة السيطرة على الاقتصاد وجذب الاستثمار.
لكن أيزنشتات يتوقع أن تبقى تحديات العلاقة إلى حد كبير من دون حل، مضيفا ” لا أتوقع انفصالا دراماتيكيا، لكنني أظن أن العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا ستظل مشحونة في المستقبل المنظور”.
من جانبها، نشرت مجلة “فورين بوليسي” (Foreign Policy) تقريرا مشتركا لنصيحة الخبراء الأميركيين بالتحلي بالموضوعية عند نظرهم للشأن التركي، وكتب التقرير كل من خبير الشؤون التركية بمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات سنان سيدي، وخبير الشؤون التركية بمجلس العلاقات الخارجية ستيفين كوك.
وذكر التقرير أن “الآمال ليست تحليلا، ومثل عديد من المعلقين الذين قالوا إن دونالد ترامب لا يمكن أن يفوز، فإن المحللين الذين اعتقدوا أن كليجدار أوغلو سيفوز كانوا يسمحون لتحيزاتهم ومعتقداتهم بتشكيل تحليلاتهم”.