ارتفاع الأسعار وتراجع الموارد المائية.. انتقادات للمخطط الأخضر بالمغرب ودعوات لبدائل تراعي التغيرات المناخية | اقتصاد
الرباط- بعد مرور أكثر من 10 سنوات على إطلاق مخطط المغرب الأخضر، أثير الجدل حول نتائجه بالتزامن مع ارتفاع أسعار المنتجات الفلاحية من خضر ولحوم ودواجن وبيض في الأشهر الأخيرة.
ففي الوقت الذي تقول فيه الحكومة إن الإنتاج الزراعي ارتفع خلال العقد الماضي، وتضاعفت الصادرات الفلاحية 3 مرات، وتقلص عجز الميزان التجاري الزراعي، وارتفعت فرص العمل في القرى؛ يقول منتقدون إن المخطط فشل في تحقيق الأمن الغذائي لتهميشه حاجات السوق الداخلية، وتركيزه على التصدير وتقليص الزراعات المعيشية، في حين يتهمه آخرون باستنزاف الموارد المائية لتشجيعه زراعات مستنزفة للمياه مثل الأفوكادو والبطيخ وغيرهما، في وقت تعاني فيه البلاد من ندرة المياه، ويعيش عدد من القرى في الصيف على وقع أزمات عطش.
نتائج إيجابية وانتقادات
ودافع رئيس الحكومة المغربية عزيز أخنوش عن مخطط المغرب الأخضر أمام البرلمانيين أثناء حضوره مؤخرا جلسة المساءلة الشهرية حول السيادة الغذائية.
ورأى أخنوش -الذي كان وزيرا للفلاحة 14 عاما، وأشرف على وضع وتنفيذ المخطط- أن تلك الاتهامات بعيدة عن الحقيقة بالنظر للنتائج الإيجابية التي تحققت في القطاع الزراعي خلال العشرية الماضية.
وحسب المعطيات التي قدمها رئيس الحكومة أمام نواب البرلمان، فإن المخطط الأخضر أسهم في مضاعفة الناتج الداخلي الخام الزراعي ليتجاوز سقف 127 مليار درهم (نحو 13 مليار دولار) عام 2021، ومضاعفة الصادرات 3 مرات، مع تمكنه من خلق أكثر من 50 مليون يوم عمل إضافي بنسبة تشغيل بلغت 75% في الوسط القروي، كما أسهم في تحسين متوسط الدخل الفلاحي بالقرى بنسبة 66%.
وحسب المصدر نفسه، بلغت نسبة تغطية الحاجات الاستهلاكية الأساسية من اللحوم الحمراء والدواجن والبيض والخضر والفواكه والحليب خلال الفترة بين 2008 و2020 ما بين 98 و100%، وأثمرت المجهودات المبذولة تقليص عجز الميزان التجاري الفلاحي، حيث انتقلت تغطية الواردات بالصادرات الفلاحية من 49% عام 2008، إلى 65% عام 2020.
ويرى رئيس الحكومة المغربية أن عدم استقرار منظومة أسعار المنتجات الزراعية في الآونة الأخيرة يرجع إلى ما أسماه “الفترات الاستثنائية والعابرة” التي شهدتها المملكة، والتي أثرت بشكل مباشر على إنتاجية المحاصيل الزراعية.
ويتعلق الأمر بانعكاسات الأزمة الصحية التي أثرت بشكل مباشر على التوازن في القطاع الحيواني، خاصة اللحوم الحمراء والحليب، ثم الجفاف والتقلبات المناخية.
في المقابل، يرى منتقدو مخطط المغرب الأخضر -خاصة الفرق البرلمانية المعارضة- أن المخطط ركز على نمط فلاحي موجه للتصدير على حساب النمط الموجه للاستهلاك، وقلص الزراعات المعيشية؛ مما أصبح مهددا للأمن الغذائي.
وأضافوا أن الإستراتيجيات الفلاحية المعمول بها منذ سنوات أسهمت في تعميق أزمة المياه، مستنكرين تشجيع زراعات مستنزفة للمياه في حين تعيش المملكة حالة إجهاد مائي مع توالي سنوات الجفاف.
وكانت جمعيات بيئية حذرت مرارا من هذه الزراعات التي حولت مدنا وقرى -خاصة في الجنوب الشرقي- إلى مناطق عطشى.
بين التصدير والسوق الداخلية
يرى مدير مرصد العمل الحكومي محمد جدري أن المخطط الأخضر حقق إنجازات مهمة، لكنه شهد عددا من النقائص والسلبيات.
وأوضح جدري للجزيرة نت أن المخطط أسهم بشكل كبير في تحقيق الاكتفاء الذاتي من اللحوم الحمراء والبيضاء والبيض والخضر والفواكه، وخلق فرص العمل في الوسط القروي، وأسهم في إدخال العملة الصعبة، إلا أنه لم يستطع الحد من التبعية للخارج في ما يتعلق بالأسمدة والأعلاف وتكلفة الطاقة وتخفيف التأثر بالتقلبات المناخية.
من جانبه، يرى بدر زاهر الأزرق أستاذ الاقتصاد بجامعة الحسن الثاني أن المخطط نجح في تحقيق جملة من أهدافه، خاصة ما يتعلق بزيادة المساحات المزروعة، سواء في الحبوب والخضراوات والحوامض والفواكه، وتنويع خريطة المزروعات، ورفع القيمة المضافة الفلاحية نتيجة ارتفاع حجم وقيمة الصادرات، خاصة عام 2022.
وحسب بيانات وزارة الفلاحة المغربية، فقد تجاوزت صادرات المنتجات الغذائية الزراعية والبحرية -لأول مرة- عتبة 80 مليار درهم عام 2022 (نحو 8 مليارات دولار)، وهو ما يمثل زيادة بنحو 20% مقارنة بعام 2021.
وبلغ حجم صادرات الفواكه والخضر الطازجة 2.3 مليون طن خلال عام 2022 بمعدل نمو سنوي بلغ 10%، وسجلت صادرات الفواكه الحمراء نموا بنسبة 20%، إذ بلغ حجمها 132 ألف طن.
غير أن الأزرق يلفت إلى أن المزارعين الكبار أخلوا بالتوازنات المعمول بها منذ سنوات مع ظهور وجهات تصديرية جديدة.
وأوضح المتحدث أن الحكومة كانت توافقت مع كبار المزارعين على أساس تصدير جزء من المنتجات نحو أوروبا وإبقاء جزء منها في السوق الداخلية لتفادي أي نقص، إلا أن ظهور وجهات تصديرية جديدة، خاصة في القارة الأفريقية دفع كبار المزارعين إلى تصدير منتجاتهم إليها بدل بيعها في السوق الداخلية بحثا عن ربح أكبر.
ويضيف الأزرق أن الأهداف التي وضعها المخطط الأخضر بخصوص تحسين أوضاع المزارعين الصغار ورفع قدرتهم الشرائية وإنشاء طبقة فلاحية متوسطة لم تتحقق، بل ظلت الاستفادة محصورة في كبار الفلاحين؛ مما يدعو -حسب قوله- إلى مراجعة توجهات هذا المخطط.
تصحيح الأخطاء
وضعت وزارة الفلاحة والصيد البحري مخططا جديدا أطلقت عليه “الجيل الأخضر”، وهو -كما تقول- ثمرة مجموعة مكتسبات مخطط المغرب الأخضر، ويهدف في أفق 2030 إلى تقوية الطبقة المتوسطة الفلاحية واستدامة التنمية الفلاحية ومضاعفة الناتج الداخلي الخام الفلاحي والصادرات.
ويرى محمد جدري أن الجيل الأخضر يؤكد أهمية الرأسمال البشري وضرورة استخدام البحث العلمي من أجل تطوير الزراعات الوطنية، بالإضافة إلى الابتعاد عن الزراعات المستنزفة لمياه السقي كالبطيخ الأحمر والفراولة والأفوكادو.
ويشير إلى أن الرهان اليوم ينبغي أن يكون على العودة إلى الزراعات المعيشية، وزيادة المساحات المزروعة بالحبوب والشعير والذرة والشمندر وقصب السكر والنباتات الزيتية التي تعد من المواد الأساسية بالنسبة للمستهلك المحلي.
ويؤكد بدر الأزرق ضرورة أن يسير مخطط الجيل الأخضر في طريق استثمار نجاحات مخطط المغرب الأخضر، والأخذ بعين الاعتبار الإخفاقات لتصحيحها وتجاوزها لتحقيق الأمن الغذائي والأمن المائي، وتحقيق هدف إسهام الفلاحة في الاقتصاد بشكل مستديم ومستقر. ويرى أن المملكة واعية اليوم بأهمية تصحيح الأخطاء، وهو ما يظهر من خلال السياسات العمومية وتوجهات الاستثمار العمومي التي خُصص جزء منها لقطاع الماء والقطاع الفلاحي.
ويدعو الأزرق إلى العمل على توفير مخزون إستراتيجي من القمح والشعير في السنوات المطيرة لتلبية الحاجات وتفادي ارتفاع الأسعار في سنوات الجفاف، ويشدد على ضرورة إحداث تحولات في القطاع الزراعي بنقله من قطاع يصدّر المواد الزراعية الخام إلى قطاع ينخرط في المشهد الصناعي، خاصة الصناعات التحويلية والغذائية؛ مما سيرفع قيمة الصادرات الفلاحية ويحدث نقلة نوعية في القطاع.
هل ستظل الفلاحة عصب الاقتصاد؟
في ظل التغيرات المناخية، وتوالي سنوات الجفاف؛ يطل السؤال حول اعتماد الاقتصاد المغربي على الزراعة، وإن كان هذا التوجه إستراتيجيا مع حالة الإجهاد المائي في المملكة والتراجع الحاد في مواردها المائية؟
ويرى الأزرق أن الارتهان إلى القطاع الفلاحي هو ارتهان إلى قطاع هش نسبيا لارتباطه بالسياقات الدولية وأيضا بالاضطرابات المناخية، ويلفت إلى أن تعاقب سنوات الجفاف أثر في السنتين الأخيرتين بشكل كبير على نسب النمو، وأثر أيضا على عدد من القطاعات المرتبطة بالفلاحة.
وقال إن المغرب واع بهذا الوضع، لذلك بدأ محاولات حثيثة منذ عقدين وأصبح اليوم أكثر تسارعا من أجل رفع إنتاجية عدد من القطاعات الصناعية، مثل صناعة السيارات والطائرات والتكنولوجيا والانفتاح على صناعات أخرى مثل الصناعات الدوائية والدفاعية، ورغم هذا التوجه لا يخفي المتحدث أن القطاع الفلاحي ما زال عصب الاقتصاد المغربي.
أما بالنسبة لمحمد جدري، فإن الاستمرار في الاستثمار في القطاع الزراعي ضرورة ملحة بالنسبة للمغرب، لأنه يجب تحقيق اكتفاء ذاتي من اللحوم الحمراء والبيضاء والبيض والخضر والفواكه، بغض النظر عن التحولات في الأسواق الدولية، غير أنه يرى ضرورة القطيعة مع الماضي، والعمل على توفير صناعة الأسمدة والأعلاف محليا، ومواصلة الاستثمار في الطاقات المتجددة من أجل خفض تكلفة الطاقة بالنسبة للفلاحين، وحل معضلة الإجهاد المائي من خلال ربط الأحواض المائية، ومعالجة المياه العادمة، وإنشاء مزيد من محطات تحلية مياه البحر، وبناء سدود صغيرة ومتوسطة.