خبير فرنسي: مأساة دارفور الجديدة | جولة الصحافة
تدور معركة حقيقية بلا رحمة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع للسيطرة على المطارات في دارفور، مما يجعل السكان الذين أصيبوا بصدمة الفظائع التي ارتكبت بعد عام 2003، يرون برعب السيناريو ذاته يعيد نفسه، وكأن على أهل دارفور التعساء بعد 20 عاما من بدء هذا الصراع الرهيب أن يسقطوا في منحدر جديد إلى الجحيم بعيدا عن الخرطوم، وأبعد عن بقية العالم.
هكذا لخص أستاذ العلوم السياسية المتخصص في المنطقة جان بيير فيليو لصحيفة “لوموند” (Le Monde) الفرنسية الوضع في دارفور، مؤكدا أن تلك الولاية السودانية التي دمرها الصراع منذ عام 2003 وفقدت مئات الآلاف من الضحايا، هي اليوم أيضا الأكثر تضررا من “حرب الجنرالات” التي تدور رحاها في الخرطوم.
وبعد وصف للأحداث الرهيبة التي دارت هناك، ودور الحكومة السودانية فيها، وما قامت به المحكمة الجنائية الدولية من إصدار مذكرة توقيف بحق الرئيس السابق عمر البشير بتهمة “جرائم حرب” و”جرائم ضد الإنسانية”، ذكّر الكاتب بأن الانتفاضة الشعبية التي أطاحت بعمر البشير في أبريل/نيسان 2019 أحيت آمالا كبيرة في دارفور.
لكن قائد القوات المسلحة السودانية عبد الفتاح البرهان الذي يرأس المجلس الانتقالي والذي قاد حملة قمع دامية في دارفور عام 2005 -حسب الكاتب- ونائبه الجنرال محمد حمدان دقلو الملقب بـ”حميدتي” الذي فرض نفسه قائدا للجنجويد قبل أن تصبح قوات الدعم السريع، رفضَا تسليم البشير للمحكمة الجنائية الدولية، وإن شاركا مع المدنيين، الذين تقاسموا السلطة التنفيذية مع الجيش، في توقيع اتفاق سلام مع بعض الجماعات المتمردة في دارفور.
لقد اتحد البرهان وحميدتي من أجل دفن الانتقال الديمقراطي، حيث تقاسم الجيش وقوات الدعم السريع الأدوار في الانقلاب الذي أطاح بالمدنيين في أكتوبر/تشرين الأول 2021، ليبدأ إشعال أعمال العنف في دارفور على وقع الثورة المضادة في الخرطوم.
وفي هذه الظروف، عاد حميدتي إلى معقله الأصلي في دارفور لرعاية اتفاقات “المصالحة” بين القبائل المتناحرة، ولكنه في الواقع عاد -كما يقول فيليو- لتدعيم قاعدته المحلية ضد جيش عبد الفتاح البرهان النظامي، بعد أن وصل الأمر بالجنرالين اللذين قضيا على أي بديل مدني، إلى مرحلة التنافس للاستيلاء على السلطة العليا في البلد.
وأخيرا اندلعت “حرب الجنرالات” التي كانت تختمر منذ عدة أشهر، وهي تتركز في دارفور بعد العاصمة، حيث حضور قوات الدعم السريع قوي، التي تحتفظ بمطار نيالا وبمدينة الجنينة، ليعود سكان دارفور التعساء إلى منحدر جديد نحو الجحيم، وهم لا يعرفون هل الأفضل لهم “انتصار” حميدتي في الخرطوم الذي قد يكون مقدمة لعربدة جديدة وإراقة للدماء في دارفور من قبل أتباعه، أم الأفضل “هزيمته” التي ستكون بداية تنكيل بالمنطقة التي شهدت بدايته انتقاما منها؟