مع استمرار تذبذب سعر صرف الدولار.. السلطات العراقية تلجأ لفرض التعامل بالدينار بالقوة | اقتصاد
بغداد– عاد سعر صرف الدولار في الأسواق الموازية السوداء بالعراق للارتفاع مرة أخرى، حيث سجلت الأسواق صباح اليوم الثلاثاء 1470 دينارا للدولار الواحد رغم أن البنك المركزي العراقي يبيعه بـ1320 دينارا.
ومع جهود الحكومة للسيطرة على الأسعار في الأسواق الموازية شهدت الأسواق التجارية تراجعا بسعر الصرف في الأسابيع الماضية، لكنها عادت للارتفاع مرة أخرى، وهو ما يشير إلى مشكلة اقتصادية لا تزال حاضرة في البلاد.
ونتيجة لذلك لجأت الحكومة إلى خطة تقضي بفرض التعامل بالدينار العراقي في الأسواق ومحلات التجزئة في مختلف المحافظات، حيث بدأت شرطة محافظة كركوك (شمال بغداد) بأخذ تعهدات خطية من التجار وأصحاب معارض السيارات للتعامل بالدينار العراقي بدل الدولار.
وحذرت الأجهزة الأمنية من أن عدم الالتزام بذلك سيعرض التجار للمساءلة القانونية، في ظل الحديث عن تعميم هذه التجربة خلال الأيام القادمة، مما يمكن اعتباره سابقة في العراق منذ عام 2003، وهو ما قد يتسبب في مشكلات أمنية واقتصادية على اعتبار أن أغلبية التجار يرفضون التعامل بالدينار نظرا للفرق الكبير بين سعر الصرف الرسمي والموازي، وفق مراقبين.
إجراءات لازمة
وكان العراق قد شهد خلال السنوات الثلاث الأخيرة تذبذبا كبيرا في سعر صرف الدولار بعد أن رفعت حكومة رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي سعر الصرف من 1180 دينارا للدولار إلى 1450 في ديسمبر/كانون الأول 2020، فيما شهدت الأسواق الموازية ارتفاع سعر الصرف بصورة قياسية بعد بدء البنك المركزي باستخدام المنصة الإلكترونية والامتثال لمعايير التحويلات المالية الدولية “سويفت” (SWIFT) في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
وأدى هذا التذبذب إلى وصول سعر الصرف الموازي إلى 1700 دينار للدولار في ديسمبر/كانون الأول ويناير/كانون الثاني وفبراير/شباط، مما دفع الحكومة -التي يرأسها محمد شياع السوداني- لتعديل سعر الصرف الرسمي مجددا إلى 1320 دينارا للدولار، مما أسهم في تراجع سعر الدولار بالأسواق الموازية دون أن يصل إلى السعر الرسمي المعلن.
وتعليقا على إجراءات وزارة الداخلية ومنع التعامل بالدولار، يشير المتحدث باسم وزارة الداخلية اللواء خالد المحنا إلى وجود توجيهات من الحكومة بوقف التعامل بالدولار في المنافذ الحكومية والأهلية بسبب عدم وجود مبرر للتعامل بغير العملة الوطنية.
وتابع المحنا -في تصريح للجزيرة نت- أن الحكومة تدعم الدينار العراقي من خلال الإجراءات التي اتخذت في الفترة الماضية، وتستثني تلك الإجراءات التجار الذين يستوردون البضائع من الخارج بالدولار.
ولفت إلى أن وزارة الداخلية تكفلت بمتابعة تنفيذ تلك الاجراءات عبر مرحلتين، الأولى تثقيف وتوعية الجمهور بضرورة التعامل بالدينار فقط للحد من المضاربات وارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية، على أن تشمل المرحلة اللاحقة حملات أمنية لضبط المخالفين.
الرأي القانوني
من جانبه، قال مظهر محمد صالح المستشار الاقتصادي لرئيس الوزراء العراقي إن السياسة النقدية للبنك المركزي بموجب القانون رقم 56 لعام 2004 تتمثل في الحفاظ على القوة الشرائية للدينار العراقي، وإن التعامل محليا بأي عملة غير الدينار العراقي يؤدي إلى ضرب مراكز الاستقرار الاقتصادي.
وتقضي إجراءات البنك المركزي بحصر التعامل بالدينار، حسب صالح الذي يؤكد أن الهدف من هذه الحملة هو الحد من اضطراب السوق المحلي، مشيرا إلى أن ثنائية العملة تعد من أخطر المظاهر التي تواجه الدول.
ومن الناحية القانونية، يشير الخبير القانوني علي التميمي -في حديثه للجزيرة نت- إلى أن عقوبة المضاربة التي تؤدي للتأثير على سعر صرف العملة المحلية نصت عليها المادة 44 في قانون غسل الأموال رقم 39 لعام 2015، حيث عاقبت المادة المضاربين بالحبس مدة سنة واحدة وغرامة مليون دينار (نحو 760 دولارا)، أما عقوبة المتهمين بتهريب الأموال لدول أخرى وغسلها فتصل إلى السجن 15 عاما وفق المواد 36 و37 و38 من القانون ذاته.
وأشار التميمي إلى أن توجه الحكومة العراقية لمنع التعامل محليا بالدولار يهدف إلى السيطرة على سعر العملة وأسعار المواد الاستهلاكية ومنع التضخم عبر تطبيق قوانين حماية المستهلك ومنع الاحتكار.
أسباب الارتفاع
وعن أسباب ارتفاع سعر الصرف في الأسواق الموازية مؤخرا، يؤكد المستشار الاقتصادي لرئيس الوزراء أن السياسات الحكومية الأخيرة عبر منصة بيع العملة في البنك المركزي أدت إلى تراجع سعر صرف الدولار، لكن عصابات الجريمة المنظمة استمرت في تهريب العملة.
ويعتقد صالح أن هذا الارتفاع سيكون مؤقتا، وأن الحكومة بدأت فعليا بالحد من هذه الظاهرة، وأن الدينار سيعاود الارتفاع قريبا، مشيرا إلى أن عدم المعرفة الواسعة لدى العراقيين باستخدام بطاقات الائتمان تسببت في هذه المشكلة، وأن الحكومة بدأت سلسلة إجراءات للحد من تهريب هذه البطاقات، وهو ما نجحت فيه خلال الأيام الماضية، وفق قوله.
وكان العراق قد شهد خلال الأسابيع الماضية إلقاء القبض على العديد من المضاربين في المطارات، والذين كانوا يحملون مئات البطاقات الائتمانية المعبأة بالدينار العراقي، بغية تحويل هذه الأموال إلى الدولار بالسعر الرسمي في دول مجاورة.
وعلى النقيض من حديث المستشار الاقتصادي، تتوقع الخبيرة الاقتصادية سلام سميسم أن تشهد الأسواق الموازية ارتفاعا أكبر في سعر صرف الدولار، وأن سعر الصرف قد يصل إلى نحو 1700 دينار للدولار قريبا، مبررة ذلك بأن البنك المركزي بدأ مؤخرا بتطبيق المرحلة الثانية من اعتماد المنصة الإلكترونية في مزاد بيع العملة وإخضاع جميع التحويلات المالية للأفراد عبر “ويسترن يونيون” (Western Union) والبطاقات الائتمانية للمنصة الإلكترونية.
وأشارت إلى أن بدء هذه المرحلة جاء بعد إخضاع جميع البنوك والحوالات التجارية للمنصة، وأن تطبيق هذه المنصة على الأفراد سيرفع سعر الصرف في الأسواق الموازية.
وفي ما يتعلق بالسياسات الأمنية المتبعة في متابعة الأسواق ومنع التعامل بالدولار، وفيما إذا كان ذلك سيعيد العراق إلى حقبة تسعينيات القرن الماضي عندما منع نظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين تعامل الأسواق المحلية بالدولار، تعلق سميسم بالقول إن “أي إجراء بوليسي في هذا الموضوع سيؤدي إلى تحول التعامل بالدولار للخفاء وإلى الغرف المغلقة، وأن هذه الإجراءات خاطئة، وأن البديل عن ذلك هو تحويل جميع التعاملات الحكومية للدينار العراقي، وهو ما بدأت الحكومة بتطبيقه مؤخرا من خلال فرض السلطات الحكومية بيع تذاكر الطيران للخطوط الجوية العراقية بالدينار بدل الدولار مع الحاجة لمزيد من الإجراءات المشابهة”.