تفاقم العجز في صناديق المعاشات بالمغرب.. هل من حلول لمواجهته؟ | اقتصاد
الرباط– تواجه منظومة التقاعد بالمغرب اختلالات بنيوية أصابت احتياطات صناديقه بالعجز، فيما تعالت تحذيرات هيئات رسمية ومدنية للتدخل العاجل عبر إجراءات تنهي النزيف.
ولم تفلح الإصلاحات التي شملت أنظمة التقاعد سنتي 2016 و2021 في وضع حد للاختلالات بل أجّلت فقط أفق استدامة نظام المعاشات المدنية حتى عام 2028.
وحذر المجلس الأعلى للحسابات، في تقريره الصادر الأسبوع الماضي، من تفاقم العجز في صناديق التقاعد ما يهدد المنظومة على المدى الطويل ويربك توازنات المالية العامة.
ونبهت رئيسة المجلس زينب العدوي خلال تقديمها التقرير أمام البرلمان بغرفتيه الأسبوع الماضي إلى المخاطر المرتبطة بوضعية أنظمة التقاعد الأساسية التي قالت إنها ما زالت تعاني اختلالات متفاقمة.
أما الناطق الرسمي باسم الحكومة مصطفى بايتاس فصرح في ندوته الصحفية الخميس بأن “ملف التقاعد معقد وصعب وعويص”، مشيرا إلى أن الحكومة تعمل من أجل التوصل إلى حلول بشأنه مع النقابات بمنهجية تشاركية، معبرا عن أمله التوصل إلى صيغة توافقية ترضي جميع الأطراف.
عجز متفاقم
يقوم نظام المعاشات المدنية في المغرب على 3 صناديق أساسية:
- الصندوق المغربي للتقاعد: يدير معاشات الموظفين الحكوميين.
- الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي: يدير معاشات العاملين في القطاع الخاص.
- النظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد: يختص بمعاشات العاملين في الجهات الحكومية المحلية.
وبلغ العجز في النظام المدني لمعاشات الصندوق المغربي للتقاعد حتى نهاية سنة 2022 نحو 5.12 مليارات درهم (حوالي 500 مليون دولار) وفق تقرير المجلس الأعلى للحسابات، كما تراجعت احتياطاته إلى 65.84 مليار درهم (حوالي 6 مليارات دولار)، بانخفاض يقدر بـ10.7 مليارات درهم (حوالي مليار دولار) بالمقارنة مع عام 2019، فيما بلغ العجز بالنسبة للنظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد، ما يقارب 3.95 مليارات درهم (حوالي 395 مليون دولار) نهاية سنة 2022.
أما الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، فكشف التقرير أنه يعرف بدوره وضعية مختلة ولو بحدة أقل، حيث بلغ عجزه قرابة 400 مليون درهم (حوالي 40 مليون دولار).
من جهته، كشف تقرير المرصد المغربي للعمل الحكومي في دراسة أصدرها الأسبوع الماضي عن حالة صناديق التقاعد، أن الصندوق المغربي للتقاعد سيستنفد احتياطاته بحلول سنة 2028، وذلك راجع بالأساس إلى حجم الدَّين الحالي المرتبط بالحقوق المكتسبة في الماضي، حيث سيحتاج هذا الصندوق 14 مليار درهم (1.4 مليار دولار) على أساس سنوي لمواصلة الوفاء بالتزاماته، أما الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، فمن المرتقب أن يصل أمد استدامته إلى عام 2038.
فيما يظل أمد استدامة النظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد لمدة أطول حيث سيصل إلى عام 2052 على الرغم من العجز الذي يعاني منه وذلك راجع بالأساس إلى المستوى المهم من احتياطاته (135 مليار درهم) (13.5 مليار دولار)، والتي تمكنه عوائدها المالية المهمة من تجاوز العجز.
ما الحل؟
قدمت الحكومة خلال لقاءاتها بالنقابات الأكثر تمثيلية في إطار جلسات الحوار الاجتماعي نتائج دراسة أنجزها مكتب دراسات لصالحها تضمن تشخيصا للوضعية وتوصيات بالحلول.
ومن الإجراءات المقترحة رفع سن التقاعد إلى 65 سنة بما في ذلك القطاع الخاص، ورفع نسب الاشتراكات، واحتساب المعاش على أساس طول مدة العمل وليس باعتماد أجر السنوات الثماني الأخيرة ثم اعتماد سقف موحد للنظام الأساسي يساوي مرتين الحد الأدنى للأجور بكل من القطاع العام والقطاع الخاص لتسهيل المرور مستقبلا إلى نظام موحد، فضلا عن اعتماد معاش تكميلي إجباري وآخر إضافي للقادرين عليه.
ويرى مصطفى شناوي عضو المكتب التنفيذي للكونفدرالية الديمقراطية للشغل -من كبرى النقابات في المغرب- وعضو اللجنة التقنية لمراجعة أنظمة التقاعد، أن الحكومة لم تقدم بعد تصورا نهائيا بخصوص إصلاح أنظمة التقاعد.
وأوضح شناوي، في تصريح للجزيرة نت، أن التوصيات المطروحة تتجه نحو حل مشكلة العجز الذي يهدد صناديق التقاعد من جيوب الموظفين والأجراء، دون أن يكلف مالية الدولة شيئا.
وأضاف أن الحكومة تركز في الحلول التي تقترحها على التوازنات المالية لكنها تتجاهل التوازنات الاجتماعية وهو ما ترفضه الهيئة التي يمثلها.
وأكد شناوي أن حل ملف معقد وثقيل مثل عجز صناديق التقاعد يتطلب أولا أن تتحمل الدولة مسؤوليتها في إرجاع كل الأموال التي لم تؤدها للأنظمة لمدة عشرات السنين وهي أموال المنخرطين، وكذلك أخذ الوقت الكافي والقيام بالدراسات الكافية للتوصل لحل مغربي لإشكالية التقاعد دون تحميل العمال كل الكلفة.
كلفة الإصلاح
من جهته، يؤكد أنس الدحموني عضو المكتب الوطني للاتحاد الوطني للشغل بالمغرب أن الحكومة والنقابات متفقتان على أولوية التدخل العاجل لإصلاح منظومة التقاعد مع إعطاء الأولوية للصندوق المغربي للتقاعد الذي يشارف على الإفلاس رغم الإجراءات الحكومية لسنة 2016.
وشملت الإجراءات الحكومية في تلك الفترة رفع سن التقاعد من 60 إلى 63 سنة، وتحديد نسبة حساب قيمة المعاش على أساس 2% عن كل سنة عمل بدل 2.5% بالإضافة إلى رفع نسبة مساهمة المنخرطين من 20 إلى 28% وحساب قيمة المعاشات انطلاقا من متوسط الأجر خلال الـ8 سنوات الأخيرة بدل آخر أجر تم الحصول عليه.
ويشير الدحموني إلى أن نقابته ترفض توجه الحكومة نحو اعتماد مقاربة جديدة لإصلاح الصندوق المغربي للتقاعد ويصفها بغير المنصفة كونها تحمّل الموظف وحده وبشكل حصري كلفة الإصلاح وتبعاته المادية والمعنوية، ودون أن تتحمل الحكومة أي مسؤولية فيما يتعلق بالاختلالات والمسببات البنيوية لأزمة الصندوق الحالية.
وتواجه الحكومة تهما بعدم تأدية المستحقات والأقساط الخاصة بالصناديق للفترة الممتدة من 1959 إلى 1997، بالإضافة إلى عدم اتخاذ أي إجراء تجاه التدبير الضعيف لصناديق التقاعد خلال العقود الماضية رغم صدور تقارير رسمية حول الموضوع، ما نتج عنه عجز صناديق التقاعد بشكل بات يهدد أداء معاشات المتقاعدين.
ويعتبر الدحموني الإجراءات المقترحة مجرد تأجيل للإشكاليات الهيكلية لصناديق التقاعد لبضع سنوات أخرى، في مقابل المس بالقدرة الشرائية للأجراء وتحميلهم مسؤولية الخلل في حكامة وتوازن صناديق لم يكونوا طرفا فيهما.
ويدعو الدحموني ونقابته الحكومة إلى اللجوء إلى حلول مبتكرة لإعادة التفكير في مصادر التمويل البديلة لسد العجز الهيكلي في تمويل أنظمة التقاعد، والرفع من مردودية الاستثمارات الخاصة باحتياطاتها واعتماد منهجية صارمة للتقييم والتتبع لضمان استدامة حقوق ومكتسبات المتقاعد، بدل الاعتماد على الحلول الميكانيكية السهلة، والتي يمكن أن تمس بالاستقرار الاجتماعي.
حوار وطني
بالنسبة للخبير في أنظمة التقاعد حسن المرضي فإن الإصلاح يستوجب حوارا وطنيا تشارك فيه الفعاليات السياسية والنقابية والمدنية وذلك عبر لقاء وطني لتشخيص وضعية جل الصناديق من أجل الخروج بتوصيات عملية وقابلة للتطبيق باعتماد الإصلاح البنيوي.
في نظر المرضي، يبدأ الإصلاح الحقيقي بالحكامة داخل المجالس الإدارية لهذه الصناديق والاعتماد على مبدأ الانتخابات بدل التعيين وربط المسؤولية بالمحاسبة، ومراقبة صارمة لميزانية الصناديق، قبل أي إجراء آخر.
ويلفت إلى أنه حتى إذا عملت الحكومة على توسيع الانخراط ورفع المساهمات، فعليها تحمل مسؤولياتها للحفاظ على التوازنات المالية للصناديق، من خلال العمل على استغلال الاحتياطات المالية للقيام باستثمارات تدر نسبة مقبولة من المردودية، دون الإغفال عن ترشيد النفقات الخاصة بالتسيير، والتي يلاحظ ارتفاعها بشكل صاروخي مقارنة مع الخدمات المقدمة للمنخرطين النشيطين والمتقاعدين.
ويتوقع المرضي أن يكون للتطبيق السليم للقانون الخاص بالحماية الاجتماعية دور فعال في التخفيف من أزمة صناديق التقاعد، غير أن هذا الأمر لن يتم طالما لم يتم اعتماد الحكامة الجيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة، وفق تعبير المتحدث.
وأطلق المغرب سنة 2021 مشروع تعميم الحماية الاجتماعية، ويتوقع أن يتم سنة 2025 بموجب هذا المشروع، توسيع قاعدة المسجلين في أنظمة التقاعد لتشمل 5 ملايين شخص يمارسون عملا ولا يستفيدون من أي معاش.