الخرطوم بين الهدنة واللاهدنة.. رحلة السودانيين للبحث عن حياة وسط الجثث | سياسة
الخرطوم- لم تشعر أحياء واسعة في الخرطوم بالمعنى الحقيقي للهدنة كخطوة لوقف الحرب الضارية المشتعلة منذ 11 يوما، حيث يتواصل القصف العنيف في مناطق أم درمان والخرطوم بحري، فيما شهدت الخرطوم اشتباكات متقطعة.
وتبادل طرفا الصراع الجيش والدعم السريع الاتهامات بخرق الهدنة الجديدة خلال الأيام العشرة الماضية، فيما يواصل آلاف المواطنين رحلة البحث عن مخرج لمغادرة العاصمة التي تحولت إلى مدينة أشباح تفوح من جنباتها روائح الجثث المتناثرة في انتظار أياد تواريها الثرى.
اشتباكات وقصف
ومع حلول ساعات المساء الأولى بدت الهدنة في الخرطوم وأم درمان أكثر صمودا مقارنة بالأيام السابقة، حيث تقلصت مساحات القصف والاشتباكات المباشرة مع استمرار سماع دوي القصف في نواح متفرقة من الخرطوم، واستمرت كذلك المواجهات بضراوة في ضاحية الحلفايا بالخرطوم بحري، وذلك بعد إصرار الجيش على ملاحقة قوات كبيرة من الدعم السريع حاولت الاحتماء بالأحياء السكنية في منطقتي الكدرو والدروشاب.
وقال سكان للجزيرة نت إن الطيران الحربي قصف قوة للدعم السريع في منطقة الازيرقاب بالخرطوم بحري طوال ساعات الصباح.
كما استمرت المواجهات العنيفة في أم درمان بمحيط مبنى التلفزيون القومي، وتعرض أحد المراكز الطبية في منطقة الثورة بأم درمان للقصف مساء الثلاثاء، مما أدى إلى إصابة نحو 7 أشخاص بنحو متفاوت، وقصف سلاح المدرعات ليل الثلاثاء حي الصحافة في الخرطوم ودمر مقذوف إحدى المدارس بالمنطقة ووقعت عدة إصابات في المكان، وفقا لشاهد عيان تحدث للجزيرة نت.
البحث عن حياة
رغم المخاوف من احتمالات نشوب قتال في أي وقت فإن مناطق عدة في جنوب الخرطوم شهدت حركة نشطة للباحثين عن مواد غذائية وبعض المستلزمات الأساسية، فيما فتحت المتاجر بنحو جزئي في أحياء جبرة والكلاكلات والسوق الرئيسي في اللفة، كما بدت الحركة في السوق المركزي -حيث اندلعت قربه شرارة القتال بين الجيش والدعم السريع- أكثر حيوية مقارنة بالأيام السابقة.
وواجه العشرات صعوبات في عملية الشراء بسبب تعطل بطاقات الصراف الآلي وتوقف الخدمات البنكية، كما أن إغلاق البنوك حال دون الحصول على السيولة النقدية للشراء وحتى السفر خارج الخرطوم.
ويعيش من قرر البقاء في الخرطوم وقتا عصيبا مع دخول المواجهات بين الطرفين يومها العاشر، إذ تواجه إمدادات المياه والكهرباء نقصا مريعا وانعداما شبه تام في عدد من الأحياء، خاصة الشعبية والمزاد والصبابي وحلة حمد.
ويواجه سكان تلك الأحياء العالقين داخل منازلهم -بسبب الانتشار الكثيف لقوات الدعم السريع- مشاكل أخرى متعلقة بإغلاق المحال التجارية والمخابز بسبب انقطاع المياه والظروف الأمنية.
التزام ضئيل
ويمثل الالتزام بالهدنة حتى الآن نسبة ضئيلة وفق رصد الجزيرة نت مع استمرار المواجهات في عدة مناطق، من بينها محيط القصر الرئاسي.
وكالعادة منذ المواجهات والإعلان عن تهدئة يتبادل الطرفان الاتهامات بخرقها، حيث قال الجيش السوداني في بيان الثلاثاء إنه على الرغم من إعلان الهدنة لمدة 72 ساعة فإن مليشيات الدعم السريع ارتكبت خروقات عدة منذ الساعات الأولى.
وتحدث الجيش عن استمرار التحركات العسكرية “للمتمردين” داخل وخارج العاصمة، ومحاولة احتلال مواقع وتقييد تحركات المواطنين.
وأفاد بأن الدعم السريع حرك قوات بمجموعات متفاوتة نحو أكبر مصفاة للبترول في منطقة الجيلي بغرض استغلال الهدنة في السيطرة على المصفاة لخلق أزمة في إمدادات الوقود بالبلاد.
كما اتهمت وزارة الخارجية في تصريح صحفي الثلاثاء قوات الدعم السريع بخرق الهدنة المعلنة واستمرارها في ارتكاب انتهاكات متكررة.
بدورها، قالت قوات الدعم السريع في وقت باكر من فجر الثلاثاء إن قيادة القوات المسلحة ومن خلفها كتائب النظام البائد تمارس خروقاتها المستمرة للهدنة المعلنة.
وذكرت أن الجيش هاجم بالمدافع ارتكاز قوات الدعم السريع في القصر الرئاسي بالخرطوم، مما ينتافى مع شروط الهدنة الإنسانية التي خصصت لفتح ممرات آمنة.
نهب واسع
وأظهرت متابعات للجزيرة نت حزمة من الاعتداءات وأعمال النهب طالت عددا من المحلات التجارية والأسواق في شارع المؤسسة والشهيد مطر بالخرطوم بحري، كما امتدت الأيادي لنهب “مول عفراء” أحد أكبر مراكز التسوق جنوب الخرطوم، وشكا كذلك أصحاب محال لأجهزة الهاتف المحمول بضاحية الرياض شرق الخرطوم من تحطيم المتاجر وسرقة آلاف الأجهزة وخسارتهم بالتالي مليارات الجنيهات.
وعرض ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو تظهر عمليات سطو لمجمع الذهب وسط الخرطوم، حيث لم تشفع الحماية المشددة التي أحيطت بها بعض المتاجر من اختراقها والاستيلاء على المصوغات الذهبية.
وتمتد أصابع الاتهام لقوات الدعم السريع بارتكاب عمليات السرقة، لكن قادتها ينفون ذلك ويقولون إن طرفا ثالثا يرتدي زي القوات يعمد إلى هذه التصرفات لتشويه صورتها والوقيعة بينها وبين الشعب.
ووفقا لشهود عيان تحدثوا للجزيرة نت، فإن عمليات السرقة في عدد من مناطق الخرطوم بحري كان تقف وراءها مجموعات مدنية وصلت بأعداد كبيرة إلى مخازن الطحين والمراكز التجارية التي أحرقت، وعمدت إلى الاستفادة من التردي الأمني وغياب الشرطة بحمل ما خف وغلا سعره، فيما لم يتردد آخرون في نهب كميات كبيرة من الأجهزة الكهربائية والمواد الغذائية مستخدمين وسائل نقل صغيرة.
كارثة الأدوية
بدورها، أطلقت غرفة مصنعي الأدوية الوطنية نداء عاجلا بعد تعرض عدد من مصانع الأدوية في العاصمة لعمليات نهب مستمرة منذ اندلاع الحرب، وقالت في بيان إن عمليات السطو ازدادت بشكل كبير خلال اليومين الماضيين واستمرت حتى ظهر الثلاثاء، كما تعرضت بعض المصانع للقصف.
وأضافت أن ذلك سيؤدي إلى توقف هذه المصانع وانعدام تام للأدوية المنقذة للحياة، وأي معالجة لهذه المصانع ربما تستغرق شهورا.
وناشدت الغرفة طرفي النزاع وجميع الأجهزة الأمنية التدخل العاجل لحماية المصانع وغيرها من المؤسسات العامة والخاصة.